الخميس، 6 فبراير 2025

• قصة أسطورة: أراكني النسّاجة ولعنة أثينا

الغرور يهلك صاحبه دائمًا

في سالف العصر والأوان، في بلاد ليديا الخصبة حيث تعانق الجبال الغيوم وتهمس الأنهار بحكايا الزمان، وُلدت فتاة تدعى أراكني، ذات يد ماهرة وصنعة ساحرة. ورثت عن أبيها صباغة الصوف، لكنها جاوزت الأقران وتخطت المهرة، حتى باتت أناملها تنسج خيوطًا كأنها من نور القمر، وتطرّز صورًا كأنها حكايات السحر.

وكانت الحوريات يتركن الغابات، والعذارى يتركن النبع الرقراق، ليشهدن كيف تراقص أناملُها خيوطَ الذهب، وكيف ينعقد النسيج بين يديها كأنه ينساب من بين أنامل الآلهة. وسَرَت شهرتها في الآفاق، وذاع صيتها حتى بلغت آذان البشر والآلهة على السواء.

وذات يوم، هتفت إحدى الحوريات قائلة: "لقد أنعمت عليك أثينا بنعمة عظيمة، فهي التي علمتك هذه الصنعة العجيبة"!.

لكن أراكني، وقد أخذها الغرور، ضحكت ساخرة وقالت: "لم يعلمني أحد! إنما علّمتُ نفسي بنفسي! ولم تنل أثينا من مهارتي شيئًا! وإن كانت تجرؤ، فلتبارزني في النسيج، وسنرى من منا تستحق أن يُمجّد اسمها"!.

سمعت أثينا هذا التحدي، فغضبت غضبًا شديدًا، كيف لها، وهي إلهة الحكمة والصنعة، أن يُنتقص من مجدها أمام الخلق؟ تنكرت في هيئة عجوز وطرقت باب أراكني، وقالت لها بلطف: "يا بنيتي، قد بلغت من المهارة مبلغًا عظيمًا، لكن لا تجعلي الغرور يعمي بصيرتك. تواضعي أمام الآلهة، واستغفريها قبل أن يحل عليك غضبها"!.

لكن أراكني، وقد استبد بها الغرور، زفرت غيظًا وقالت: "إن كنتِ أثينا حقًا، فلتقبلي التحدي"!.

وفي لحظة، ألقت العجوز بعباءتها، فإذا بها أثينا نفسها، متألقة كالشمس في أوجها، وعيناها تشعان غضبًا ونورًا. فأخذت مكانها، وجلست أراكني أمام نولها، وانطلقت المبارزة التي ستخلدها الأيام.

بدأت أثينا نسيجها بخيوط مشعة كأنها من ألوان قوس قزح، وزينت حوافه بغصون الزيتون، رمز الحكمة والسلام، ثم ملأت وسطه بصور تمجد الآلهة وانتصاراتها، تُظهر زيوس في مجده، وبوسيدون في قوته، وأثينا نفسها يوم انتصرت على بوسيدون في المبارزة العظيمة.

أما أراكني، وقد أخذها الكبرياء، فقد نسجت صورًا تسخر من الآلهة، تعرض خياناتهم ونزواتهم، تصور زيوس متنكّرًا في أشكال شتى ليغوي النساء، وبوسيدون وهو يتلاعب بالبشر، وهيرا وهي تملأ الأرض بالمكائد.

اندهش الحاضرون مما رأت أعينهم، فقد كان نسيج أراكني لا يقل روعة عن نسيج أثينا، بل ربما فاقه في جماله ودقته. لكن ما أن وقع بصر أثينا عليه حتى اشتعل غضبها كاللهب، كيف تجرؤ فتاة بشرية على أن تهزأ من الآلهة؟

هوت أثينا بمغزلها على نسيج أراكني فمزقته شر تمزيق، ثم رفعت عصاها وضربت أراكني على رأسها، فامتلأت الفتاة بالندم والخوف، وسارعت إلى الفرار، لكنها لم تجد مهربًا، فأخذت حبلاً ولفّته حول عنقها، لتُزهق روحها قبل أن تتلقى مزيدًا من الإهانة.

رأتها أثينا تتدلى من السقف، فأشفقت عليها، لكنها لن تدعها تفلت من العقاب. فألقت عليها رحيقًا سحريًا، ووهبتها حياة أخرى، لا بشرية، ولا إلهية. تحولت أراكني إلى عنكبوت صغير، جَسدها ضَمر، وأطرافها تحولت إلى أرجل دقيقة، وصارت تغزل خيوطها بين الأركان كما كانت تغزل خيوط الحرير في الماضي.

ومنذ ذلك الحين، صارت كل العناكب نسلًا لأراكني، تدب في الظلال، وتنسج شباكها في الخفاء، تحكي للأجيال القادمة حكاية الفتاة التي تناست حدودها، فغرقت في نسيج غرورها، ولم تجد لها خلاصًا سوى في خيوط العنكبوت.



إقرأ أيضاً:

قصة للأطفال: سلطعون نورا المشهور

قصة للأطفال: الموسيقي المبدع

قصة وحكمة: صُنّاع الأسود

قصة وحكمة: سمكة النهر وسمكة البحر

قصة للأطفال: الغزال ونقار الخشب والسلحفاة

للمزيد            

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً 

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق