لم
يكن وحيدًا في رحلته، فقد اجتمع حوله صفوة أبطال اليونان، رجال كأنهم نسور الجبال،
وأسدوا له قَسَم الولاء، وأطلقوا على أنفسهم "الأرجوناوت"، تيمُّنًا
بسفينتهم العظيمة "الأرغو"، تلك السفينة التي صنعتها يد الفنون، وزينتها
الآلهة ببركتها، فكانت تجري فوق الموج كالسهم، لا تبالي بعصف الريح، ولا تخشى
هيجان البحر.
مضوا
في رحلتهم الطويلة، وخاضوا عباب المحيط المجهول، فواجهتهم الأهوال، وأحاطت بهم
العواصف والشدائد، رأوا جزائر الضباب، وعبروا بين صخور تهتز وتهدر كأنها وحوش
مسعورة، وصارعوا أمواجًا كالجبال، ونزلوا إلى أرض يعجُّ فيها الشر، وأبحروا في ليل
بلا قمر، لكنهم صبروا وثبتوا، فالشجاعة وقودهم، والعزيمة سراجهم.
حتى
إذا وصلوا كولشيس، وقفوا بين يدي ملكها الجبار، الذي لم يُرد أن يفرّط في كنزه
الثمين، فاشترط على جيسون أن يؤدي ثلاث مهام تكسر ظهر الرجال، وتذيب قلوب الفرسان.
أما
المهمة الأولى، فقد كانت إخضاع ثورين من نار، ينفثان اللهب كأنهما من أبناء
الجحيم، وكان لا بد له أن يسخرهما لحراثة حقل مسحور. فما كان من جيسون إلا أن
استعان بذكائه، وبسحر ميديا، ابنة الملك، التي رأت فيه فارسًا يستحق العون، فأعطته
دهانًا سحريًّا صَيَّر جلده مقاومًا للنار، فوثب إلى الثورين، وأحكم وثاقهما،
وساقهما إلى الحقل حتى أنجز مهمته الأولى.
ثم
جاءت المهمة الثانية، وهي الأصعب والأشد فتكًا: مواجهة التنين الذي لا ينام، حارس
الصوف الذهبي، عيناه كجمر مشتعل، ونَفَسهُ كريح الموت. غير أن جيسون لم يقاتله
بقوة السيف، بل بعقل راجح، فقد استخدم حجرًا سحريًّا ألقاه في الوادي، فدوى صوت
مزلزل، أربك التنين وأجبره على الالتفات، فاغتنم جيسون اللحظة، وانتزع الصوف
الذهبي من مخبئه، ثم أطلق ساقيه للريح.
لكن
الملك لم يكتفِ بذلك، فوضع العقبة الأخيرة، إذ أمره أن يزرع أسنان التنين في
الأرض، فتخرج منها جحافل المحاربين الأشداء، الذين لا يعرفون الرحمة. وهنا أعملت
ميديا دهاءها، فوضعت تعويذة خَفِيَّة جعلت المحاربين ينقلبون على بعضهم البعض،
فهلكوا بسيوفهم قبل أن يصلوا إلى جيسون.
وهكذا،
استحوذ البطل على الصوف الذهبي، وفرَّ به مع الأرجوناوت عائدين إلى أرضهم، غير أن
البحر لم يتركهم بسلام، إذ لاحقتهم لعنة الملك، وتحدتهم الآلهة باختباراتها، وعصفت
بهم العواصف الهوجاء، لكنهم مضوا بلا تردد، متحدين كأنهم جسد واحد، حتى رست
سفينتهم أخيرًا على شواطئ اليونان، حيث استقبلتهم الجماهير بالهتاف والتكبير،
وحُمِل جيسون على الأكتاف، فصار رمزًا للبطولة، وأسطورةً تتناقلها الألسن عبر
الأزمان.
وهكذا،
طافت قصة جيسون والأرجوناوت الآفاق، وظلت تُحكى تحت ضوء القمر، وسحر الليل، عن رجل
تحدّى القدر، وواجه المخاطر، ليخط اسمه في سجل الخالدين.
قصة أسطورة: ميدوسا.. لعنة الجمال وحكم القدر
قصة وحكمة: ديغول رمز النصر الفرنسي
قصة للأطفال: فارس والكرة الأرضية
قصة أسطورة: صخرة سيزيف.. عذاب لا ينتهي
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق