الكبرياء المفرط يؤدي للهلاك
حينَ يتصارعُ الكبرياءُ معَ العظمةِ، وتلتهبُ نارُ العنادِ في مواجهةِ طوفانِ القوةِ، يولدُ الصراعُ الذي يخلّدهُ التاريخُ. مدينةُ صورَ، درةُ فينيقيا، وقفتْ شامخةً أمامَ زحفِ الإسكندرِ الأكبرِ، تحدّتْهُ بجبروتِها، وراهنَ قادتُها على قدرتِهم على الصمودِ، فكانَ الرهانُ عظيماً والمصيرُ دامياً.
في
قلبِ فينيقيا، كانتْ صورُ، المدينةُ البحريةُ العتيدةُ، تتيهُ فخراً بعظمتِها،
وترى في أسوارِها الحصينةِ حصناً لا يُخترقُ، وفي إرادتِها صخراً لا ينحني. كانَ
الإسكندرُ الأكبرُ قد اجتاحَ بلادَ الشرقِ، هدّمَ العروشَ وأطاحَ بالملوكِ، إلّا
أنَّ صورَ، بحكمتِها المستعليةِ، لم تأبهْ لطوفانِهِ الجارفِ، بل بعثتْ إليهِ
برسائلَ تمزجُ الإقرارَ بالعظمةِ بالتحذيرِ من الاقترابِ. قالوا لهُ: "نجلّك
إمبراطوراً، ولكنْ مدينتُنا ليستْ لمنْ يطأُها بحدِّ السيفِ."
لم
يكنْ في طبعِ الإسكندرِ أنْ يقبلَ التحديَ دونَ ردٍّ، فثارتْ ثائرتُهُ، وأحاطَ بأسوارِ
المدينةِ في حصارٍ خانقٍ، كعاصفةٍ تنتظرُ لحظةَ الانقضاضِ. ولكنْ صورَ لم تكنْ
لقمةً سائغةً، فقدْ صمدتْ أربعةَ أشهرٍ، تقاومُ ببأسٍ، وتردُّ ضرباتِ الجيوشِ
المقدونيةِ بإرادةٍ لا تنكسرُ. غيرَ أنَّ الإسكندرَ، وقدْ رأى استماتتَهم، لم يكنْ
رجلاً يُبدّدُ الوقتَ عبثاً، فمدَّ لهمْ غصنَ الزيتونِ، آملاً أنْ تفضيَ
المفاوضاتُ إلى تحالفٍ يُعزّزُ سيادتَهُ على الشرقِ.
لكنَّ
الكبرياءَ حينَ يُعمي القلوبَ، يسوقُها إلى الهاويةِ، فبدلَ أنْ يفتحَ قادةُ صورَ
باباً للتفاوضِ، أغلقوهُ بدمِ رُسُلِهِ، قتلوهمْ وألقوا بجثثِهمْ من فوقِ
الأسوارِ، كأنهمْ يُلقونَ رسالةَ ازدراءٍ مكتوبةً بالدماءِ. كانتْ تلكَ الإهانةُ
أشبهَ بصاعقةٍ أيقظتْ وحشَ الغضبِ في قلبِ الإسكندرِ، فلمْ يعدِ الحصارُ مجردَ
تكتيكٍ، بلْ صارَ نذيراً بالدمارِ.
جهّزَ
الإسكندرُ جيوشَهُ، جمعَ آلاتِ الحصارِ، أعدَّ السفنَ، وبسطَ على المدينةِ حصاراً
كالجحيمِ، ثمَّ ضربَها بهجومٍ كاسحٍ لمْ يتركْ لها فرصةً للتنفسِ. تحطّمتْ
أسوارُها، انهارتْ قلاعُها، ودخلَها الإغريقُ دخولَ العاصفةِ. التهمتِ النيرانُ
بيوتَها، وانقضّتْ سيوفُ الجندِ على أهلِها، فذُبحَ منْ ذُبحَ، وسِيقَ الباقونَ
عبيداً في أسواقِ الإمبراطوريةِ.
وهكذا
سقطتْ صورُ، المدينةُ التي تحدّتِ العاصفةَ، لكنّها لمْ تدركْ أنَّ العاصفةَ لا
تقبلُ التحديَ. بقيتْ ذكراها درساً بينَ سطورِ التاريخِ: أنَّ الكبرياءَ قدْ يكونُ
مجداً، لكنّهُ حينَ يُفرطُ في عنادِهِ، قدْ يصيرُ لعنةً تُلقي بصاحبِها إلى
الهاويةِ.
قصة وحكمة: المارانوس.. قناع الرياء في محاكم التفتيش
قصة وحكمة: غضب نابليون وسخرية تاليران
قصة وحكمة: كيف أسقط هيلا سيلاسي آخر خصومه
قصة وحكمة: حكمة الملك تساو تساو في ساعة الحسم
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق