العدل أساس الحكم الرشيد
في زمنٍ بعيدٍ، كان هناك ملكٌ عظيمٌ يسير في موكبهِ المهيبِ، راكبًا عربتَهُ الفاخرةَ التي تجرُّها ستةُ خيولٍ بيضاءَ، لامعةٌ كضوءِ القمرِ. ومع غروبِ الشمسِ، عادت الخيولُ إلى إسطبلاتِها، بينما تُركت العربةُ في فناءِ القصرِ، أحزمتُها الجلديةُ المتينةُ تتلألأ تحت نورِ المصابيحِ.
لكنْ
في تلك الليلةِ، جاءت غيمةٌ عابرةٌ وأمطرت بغزارةٍ، فابتلَّت الأحزمةُ وارتختْ،
ومالتْ إلى الهشاشةِ والنعومةِ. لم تُغفِلْ كلابُ القصرِ هذه الفرصةَ، فاقتربتْ خِلسةً،
تشمّ روائحَ الجلدِ المبتلِّ، وأثارتْها الفكرةُ: "يا لها من وليمةٍ شهيةٍ!
ويا له من متعةٍ!" فانقضّتْ على الأحزمةِ ومضغتْها بشغفٍ، تقطعُها بأسنانِها
الحادةِ، مستمتعةً باللعبِ طوالَ الليلِ. وحين اقتربَ الفجرُ، تسللتْ بصمتٍ إلى
زوايا القصرِ، تختبئُ كأنّها لم تفعلْ شيئًا.
مع
إشراقةِ الصباحِ، جاء عمالُ الإسطبلِ ليجهّزوا العربةَ، فصُدموا لرؤيتِها ممزقةً،
أحزمتُها متآكلةٌ كأنها نُهشتْ بوحشيةٍ. هرعوا إلى الملكِ وأخبروهُ بغضبٍ،
"مولانا، لقد دُمّرتْ أحزمةُ العربةِ خلال الليلِ! لا بد أن الكلابَ هي من
فعلتْ ذلك!"
استشاطَ
الملكُ غضبًا وأصدرَ أمرَهُ القاسيَ: "اطردوا كلَّ الكلابِ من المدينةِ! لا
أريد أن أرى أيَّ كلبٍ بعدَ اليومِ!"
وصلَ
الخبرُ إلى الكلابِ، فشعرتْ بالرعبِ. اجتمعتْ كلابُ المدينةِ، وكان عددُها يقارب
السبعمائةِ، تملؤُها الحيرةُ والخوفُ، وسارتْ إلى زعيمِها الحكيمِ، الكلبِ الذي
اشتهرَ بلطفِهِ وشجاعتِهِ.
سألهمُ
الزعيمُ، وقد لاحظَ وجوهَهمُ المتجهمةَ، "لماذا أنتم حزينونَ، يا أصدقائي؟"
أجابوهُ
بقلوبٍ مرتجفةٍ، "مولانا الملكُ يتهمُنا بمضغِ أحزمةِ عربتِهِ، ويريدُ طردَنا
جميعًا!"
فكرَ
الزعيمُ مليًّا، ثم قالَ بحزمٍ: "لكنْ لا أحدَ من كلابِ المدينةِ يستطيعُ
دخولَ القصرِ، لا بد أن يكونَ الفاعلونَ من كلابِ القصرِ أنفسِهمْ. سأذهبُ إلى
الملكِ وأثبتُ براءتَنا!"
سارَ
الزعيمُ بشجاعةٍ نحو القصرِ، متحديًا نظراتِ الحراسِ. كانوا على وشكِ منعِهِ،
لكنهمْ تراجعوا عندما رأوا صدقَ العزمِ في عينَيهِ. دخلَ إلى قاعةِ العدلِ حيثُ
جلسَ الملكُ على عرشِهِ، وانتظرَ حتى حلَّ الصمتُ، ثم قالَ بصوتٍ هادئٍ لكنه قويٌّ:
"مولاي،
لماذا تصدرُ حكمًا على جميعِ كلابِ المدينةِ دونَ دليلٍ قاطعٍ؟"
نظرَ
إليهِ الملكُ بحدةٍ وأجابَ، "لقد دُمّرتْ أحزمةُ عربتي بفعلِ الكلابِ، ولذلك
أمرتُ بطردِهمْ!"
اقتربَ
الزعيمُ خطوةً وسألَهُ بحكمةٍ، "لكنْ هل تعرفُ أيَّ الكلابِ فعلتْ ذلك؟"
ترددَ
الملكُ قليلًا، ثم قالَ، "لا، لهذا السببِ أمرتُ برحيلِهمْ جميعًا!"
فقالَ
الزعيمُ، "ولكنْ ماذا عن كلابِ القصرِ؟ هل نجوْا من العقوبةِ؟"
"نعم،
لم يشملْهمُ الأمرُ"، ردَّ الملكُ بحزمٍ.
ابتسمَ
الزعيمُ وقالَ بلطفٍ، "وهلْ هذه هي العدالةُ، مولاي؟ كيفَ تكونُ كلابُ
المدينةِ مذنبةً وكلابُ القصرِ بريئةً دونَ تحقيقٍ؟"
سادَ
الصمتُ في القاعةِ، ثم سألَ الملكُ بجديةٍ، "إذنْ، أيُّها الزعيمُ الحكيمُ،
من هو الفاعلُ الحقيقيُّ؟"
أجابَ
الزعيمُ بثقةٍ، "كلابُ القصرِ."
دُهشَ
الملكُ وسألَهُ، "وكيفَ تثبتُ ذلك؟"
فقالَ
الزعيمُ، "لنختبرَهمْ. قدّمْ لهمْ عشبَ الكوسا واللبنَ الرائبَ، وسنرى
النتيجةَ."
وافقَ
الملكُ، فأحضروا كلابَ القصرِ وقدموا لها الطعامَ. وما إنْ بدأتْ تأكلُ، حتى
تساقطتْ من أفواهِها بقايا الجلدِ الممضوغِ، شاهدةً على فعلتِها.
نظرَ
الملكُ إلى المشهدِ بدهشةٍ، ثم أطرقَ رأسَهُ متأملاً. وأخيرًا قالَ بصوتٍ هادئٍ،
"لقد علمتني درسًا عظيمًا، أيُّها الزعيمُ الحكيمُ. العدالةُ لا تميزُ بينَ
غنيٍّ وفقيرٍ، ولا بينَ قصرٍ ومدينةٍ. منَ اليومِ فصاعدًا، ستكونُ كلابُ المدينةِ
تحتَ رعايتي، وسأوفرُ لها الطعامَ الجيدَ كلَّ يومٍ."
وهكذا،
عاشتْ كلابُ المدينةِ في أمانٍ وسعادةٍ، بعدَ أنْ انتصرتِ العدالةُ، وعادَ الحقُّ
إلى نصابِهِ.
قصة أسطورة: بروكوست طاغية القياس وسرير الهلاك
قصة وحكمة: حيلة القائد صنّ بن وسذاجة خصمه
قصة وحكمة: الإسكندر الأكبر يحاصر مدينة صور
قصة للأطفال: هدية لا تقدر بثمن
قصة سياسية: الإسكندر وقيصر ونابليون
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق