الجمعة، 14 فبراير 2025

• قصة وحكمة: المارانوس.. قناع الرياء في محاكم التفتيش

المظهر يخدع، والحقيقة تُخفى

في أواخر القرن الرابع عشر، انطلقت في إسبانيا حملة اضطهاد شعواء استهدفت اليهود، فشهدت البلاد مذابح دموية أزهقت أرواح الآلاف، فيما نُفي آلاف آخرون قسرًا خارج حدودها. أما من كُتب لهم البقاء، فقد أُجبروا على التخلي عن ديانتهم واعتناق المسيحية قسرًا. غير أنّ ذلك لم يكن نهاية المطاف، بل كان بداية لفصل جديد من الصراع الخفي.

فعلى مدار القرون الثلاثة التالية، لاحظ الإسبان بقلق ظاهرة أربكتهم وأثارت مخاوفهم؛ إذ تبيّن أن كثيرًا من اليهود الذين أعلنوا تحولهم إلى الكاثوليكية لم يكونوا، في حقيقة الأمر، إلا ممثلين بارعين في مسرح النفاق الديني. كانوا يظهرون تقوى المسيحية أمام العلن، غير أنّهم، خلف الأبواب الموصدة، ظلّوا أوفياء لعقيدتهم اليهودية، يمارسون طقوسها في الخفاء. وقد أطلق الإسبان على هؤلاء لقب "المارانوس"، وهي كلمة ذات دلالة مهينة تعني "الخنازير" بالإسبانية.

وبرغم الاضطهاد والتدقيق المتزايد، تسلل بعض هؤلاء المارانوس إلى مراكز النفوذ، وتسلقوا سلم السلطة حتى بلغوا مناصب عليا في الحكومة، وتحالفوا بالمصاهرة مع العائلات النبيلة، بل تجسّدوا في صورة الكاثوليك الورعين. وكان يحدث أحيانًا أن يُكتشف في أواخر حياتهم أنهم لم يكونوا سوى يهود مخلصين لدينهم، يمارسون تعاليمه سرًا. ومن هنا، نشأت محاكم التفتيش، التي جرى إنشاؤها خصيصًا لتعقب هؤلاء المتنكرين في ثوب المسيحية وكشف زيف ولائهم للكنيسة.

ومع مرور الزمن، أتقن المارانوس فن الرياء إلى حدٍّ مدهش؛ فكانوا يضعون الصلبان حول أعناقهم، ويغدقون الكنائس بالهبات السخية، بل ويتفوّهون أحيانًا بتعليقات مهينة بحق اليهود لتأكيد إخلاصهم المصطنع للمسيحية. غير أن جوهرهم ظلّ ثابتًا لا يتغير، فبين الجدران الخرساء، كانوا يحيون بهويتهم الحقيقية بعيدًا عن الأعين المتلصصة.

لقد أدرك المارانوس أن المظاهر هي كل شيء في المجتمعات، وأنه كلما بالغ الإنسان في الدفاع عن الفكر السائد، قلّ من يشكّ في ولائه الحقيقي. وهكذا، تحولت استراتيجية الرياء إلى سلاحٍ خفي، لا يزال البعض يستخدمه حتى يومنا هذا؛ إذ يكفي أن تجيد التماهي مع التيار السائد، حتى ولو كنت في قرارة نفسك تؤمن بنقيضه، فالأغلبية لا تُرهق نفسها في البحث عن الحقيقة، بل تكتفي بما تراه على السطح.

إقرأ أيضاً:

قصة أسطورة: سقوط إيكاروس.. حين خانت الأجنحة صاحبها

قصة وحكمة: بوسانيوس.. الأمير الذي غلبته ثقافة الأعداء

قصة وحكمة: كامبانيلا الفيلسوف الذي هزم محاكم التفتيش

قصة أسطورة: الصوف الذهبي.. مغامرة جيسون والأرجوناوت

قصة وحكمة: رحلة البحث عن السعادة

للمزيد            

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً 

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق