القناعة سر السعادة والرضا
كان هناك رجل دؤوب، لا يملك من الدنيا إلا فأسه، ولا يتزود في الحياة إلا بعزيمته. كل يوم، مع بزوغ الفجر، يتوجه إلى الجبل المهيب، يضرب الصخر بصبر كأنه يُطَوِّع الحديد، فيستخرج منه قوت يومه، يبيعه في السوق ويعود راضيًا قانعًا، يرى في شظايا الحجارة كنزه، وفي عرق جبينه عزَّه.
لكن
ذات يوم، مر بقصر شامخ، أبوابه مذهبة، نوافذه مزخرفة، وفي فنائه رجل مهيب، يتفيأ
الظلال، تحفّ به الخدم كالكواكب حول القمر، يقدمون له الطعام والشراب، وينفذون
أمره بلا سؤال. وقف الحَجّار مشدوهًا، تَأَوَّه وقال: "آه،
لو كنت غنيًا! عندها سأغتسل بنعيم لا ينضب، وسأعرف السعادة حق المعرفة."
سمعته
روح الجبل، فلبت أمنيته، وإذا به يجد نفسه في قصر فاره، الخدم تحت إشارته، الموائد
ممتدة، والحرير يحيط به من كل جانب. ابتهج وقال: "الآن،
ملكت السعادة!"
لكن
ما لبث أن وقعت عينه على قصر الملك، فكان أعظم وأفخم، جنوده بالمئات، وسلطانه ممتد
لا يحده حد. تنهد وقال: "ما
أنا إلا ظل في حضرة الملك، لو كنت ملكًا، لكانت السعادة رفيقتي أبد الدهر."
وما
هي إلا لحظات حتى أجابت روح الجبل، فوجد نفسه على عرش عظيم، تحيط به السيوف،
والأوامر تخرج من بين شفتيه فتسير الجيوش وتهتز العروش. لكنه ما لبث أن رأى الشمس
تطلق وهجها في كبد السماء، فأحس بحرارتها تضطره إلى الاحتماء في الظلال. فأطلق
زفرة وقال: "الشمس
أقوى من الملوك، لو كنت الشمس، لكنت الأقوى والأعظم!"
ولم
تخيب روح الجبل رغبته، فصار الشمس نفسها، يرسل أشعته فتخر له الرقاب، وتبحث
المخلوقات عن وكر يقيها من لهيبه. فغمره الشعور بالقوة، وقال في غرور: "الآن،
بلغت قمة العظمة!"
لكن
ما هي إلا برهة حتى حجبت الغيوم وجهه، فحالت بينه وبين الأرض، وهنا قال: "السحاب
أعظم مني، هو الذي يحجب نوري متى شاء! لو كنت سحابة، لملكت القوة الحقيقية."
وهكذا
صار سحابة ثقيلة، ترعد وتمطر، فتفرح الأرض، وتهرع الخلائق إلى الملاجئ. شعر بالزهو
وقال: "الآن،
أنا سيد الطبيعة!"
لكن
عندما صب ماءه على الجبل الشامخ، بقي صامدًا، لا تهزه الأمطار، ولا يثنيه البلل.
عندها أطرق وقال: "الجبل
أعظم مني، لا الريح تحركه، ولا المطر ينال منه. لو كنت جبلًا، لصرت سيد الوجود."
وما
هي إلا لحظة حتى صار جبلًا، صلبًا راسخًا، تتكسر عند سفوحه العواصف، وتتداعى حوله
الأمطار بلا أثر. لكنه سرعان ما شعر بوخز ينخر جسده، التفت، فإذا بحجار بسيط يضرب
بمعوله صخوره، يقتطع منه ما يشاء دون أن يقوى على رده. هنا تنهد وقال: "قاطع
الحجارة أقوى مني! فهو من يطوعني ويأخذ مني بلا استئذان. لو كنت قاطع حجارة، لكنت
الأعظم!"
سمعته
روح الجبل، فأعادته إلى حاله الأولى، إلى معوله البسيط وسعيه المتواضع، لكنه هذه
المرة لم يَشْكُ، بل ضحك ملء قلبه، وقال في رضا: "الآن،
فهمت سر السعادة، ليست في الغنى ولا الملك، ولا في الشمس ولا السحاب، بل في أن
أكون أنا كما أنا، قانعًا برزقي، راضيًا بحالي، فرحًا بما كتبه الله لي."
ومنذ
ذلك اليوم، لم يتمنَّ أن يكون غير نفسه، فقد أدرك أن الرضا أعظم مُلْكٍ، وأن
القناعة كنز لا يفنى.
قصة أسطورة: ميدوسا.. لعنة الجمال وحكم القدر
قصة وحكمة: ديغول رمز النصر الفرنسي
قصة للأطفال: فارس والكرة الأرضية
قصة أسطورة: صخرة سيزيف.. عذاب لا ينتهي
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق