الصَّداقَةُ قُوَّةٌ في المِحنِ
في غابةٍ خَضْراءَ، حيثُ الأشجارُ سامِقَةٌ، والبُحَيْرَةُ رَقْراقَةٌ كالمِرْآةِ، كانتْ تَسْكُنُ ثلاثُ أرواحٍ جَمَعَتْها الصّداقةُ والإخاءُ: غَزالٌ رَشيقٌ يَعْدو بينَ الظِّلالِ، ونقّارُ خَشَبٍ ماهِرٌ يَسْكُنُ أعالي الشَّجَرِ، وسُلَحفاةٌ هادِئَةٌ تَجِدُ في البُحَيْرَةِ مَأمَنَها ومُسْتَقَرَّها. عاشَ هؤلاءِ الأصدقاءُ في وِئامٍ نادِرٍ، يُزَيِّنونَ أيّامَهُمْ بفَرَحٍ لا يُعَكِّرُهُ شَيْءٌ، وسَكِينَةٍ لا يَخْدِشُها قَلَقٌ.
وذاتَ
يومٍ، وَلَجَ صَيّادٌ إلى الغابةِ، يَحْمِلُ بينَ جَنْبَيْهِ نِيَّةَ الغَدْرِ
وقَلْبًا خاليًا مِنَ الرَّحْمَةِ. عندَ حافَةِ البُحَيْرَةِ رَأى آثارَ الغَزالِ،
فَخَطَّطَ لإيقاعِهِ. نَصَبَ فَخًّا مِنَ الجِلْدِ المَتِينِ، وأخْفاهُ بإحْكامٍ
قُرْبَ الماءِ، ثُمَّ مَضى وهو يُضْمِرُ الشَّرَّ.
حَلَّ
المَساءُ، وآنَ للغَزالِ أنْ يَرْوي عَطَشَهُ. وما إن اقْتَرَبَ مِنَ الماءِ حتّى
وَقَعَ في قَبْضَةِ الفَخِّ الماكِرِ. عَلَتْ صَرَخاتُهُ تَشُقُّ السُّكونَ،
فَهَرَعَ نقّارُ الخَشَبِ والسُّلَحفاةُ نَحْوَ صَديقِهِم المُبْتَلى. وَقَفوا
حَوْلَهُ يَتَشاوَرونَ، حتّى خَطَرَتْ لنقّارِ الخَشَبِ فِكْرَةٌ حاذِقَةٌ، فقالَ
للسُّلَحفاةِ: "يا رَفيقَتَنا ذاتَ الأسْنانِ القاطِعَةِ، اقْضِمي الفَخَّ
بأسْنانِكِ حتّى نُحَرِّرَ صَديقَنا، وسأتَوَلّى أنا إلْهاءَ الصّيّادِ عن
مُغادَرَتِهِ بَيْتَهُ."
وبينَما
كانتِ السُّلَحفاةُ تَعَضُّ بِحَزْمٍ على الرَّوابِطِ، انْطَلَقَ نقّارُ الخَشَبِ
بِجَناحَيْهِ إلى بَيْتِ الصَّيّادِ. ومعَ أوَّلِ خُيوطِ الفَجْرِ، خَرَجَ
الصّيّادُ حامِلًا سِكِّينَهُ. وما إن فَتَحَ البابَ حتّى باغَتَهُ نقّارُ
الخَشَبِ بهُجومٍ مُباغِتٍ، طائِرًا حَوْلَ رَأسِهِ وصافِعًا وَجْهَهُ
بِجَناحَيْهِ. ارْتَبَكَ الصّيّادُ، وعادَ إلى مَنْزِلِهِ ليَخْرُجَ مِنَ البابِ
الخَلْفِيِّ، ولَكِنَّ نقّارَ الخَشَبِ كانَ لَهُ بالمِرْصادِ هُناكَ أيضًا، فلمْ
يَتْرُكْ لَهُ سَبيلًا للخُروجِ حتّى ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ عاليًا.
وفي
الأثْناءِ، واصَلَتِ السُّلَحفاةُ مَضْغَ الفَخِّ بجُهْدٍ مُضْنٍ، حتّى لمْ يَبْقَ
إلّا قَيْدٌ واحِدٌ يَشُدُّ الغَزالَ. وعندَما عادَ نقّارُ الخَشَبِ مُحَذِّرًا
مِنِ اقْتِرابِ الصَّيّادِ، جَمَعَ الغَزالُ ما بَقِيَ مِنْ قُوَّتِهِ، فَكَسَرَ
القَيْدَ الأخِيرَ وانْدَفَعَ نَحْوَ الغابةِ، تارِكًا الفَخَّ مُمَزَّقًا.
لَكِنَّ
المَصيرَ لمْ يَكُنْ رَحيمًا بالسُّلَحفاةِ؛ فَقَدْ أنهَكَها العَمَلُ، فلمْ
تَسْتَطِعِ الهَرَبَ، فأَسَرَها الصّيّادُ ووَضَعَها في كيسٍ عَلَّقَهُ على
شَجَرَةٍ. رَأى الغَزالُ ذلكَ، فَقَرَّرَ أنْ يَسْتَخْدِمَ ذَكَاءَهُ لإنْقاذِها.
ظَهَرَ أمامَ الصّيّادِ مُتَعَمِّدًا، وجَعَلَهُ يُلاحِقُهُ في أعماقِ الغابةِ.
وما إنِ ابْتَعَدَ الصّيّادُ عنِ الكيسِ حتّى عادَ الغَزالُ مُسْرِعًا إلى الشَّجَرَةِ،
وفَتَحَ الكيسَ بِقُرونِهِ، مُحَرِّرًا صَديقَتَهُ.
قالَ
الغَزالُ بِحِكْمَةٍ: "علَيْنا أنْ نَتَفَرَّقَ الآنَ قَبْلَ أنْ يَعودَ
الصّيّادُ. يا نقّارَ الخَشَبِ، عُدْ إلى عُشِّكَ في السَّماءِ، وأنتِ يا
سُلَحفاةُ، اخْتَبِئي في أعماقِ بُحَيْرَتِكِ، وسأذْهَبُ أنا إلى قَلْبِ
الغابةِ." وهكذا، تَلاشَتْ آثارُهُمْ، ولمْ يَجِدِ الصَّيّادُ حينَ عادَ سوى
كيسِهِ المُمَزَّقِ.
ومُنْذُ
ذلكَ اليومِ، عاشَ الأصدقاءُ الثلاثةُ في وِئامٍ مُتَجَدِّدٍ، تُزَيِّنُهُمْ
شَجاعَةُ الغَزالِ، وذَكاءُ نقّارِ الخَشَبِ، وصَبْرُ السُّلَحفاةِ، في دَليلٍ
خالِدٍ على أنَّ الصَّداقَةَ الحَقيقيَّةَ تُحيِي الأرْواحَ، وتَمْنَحُ القُوَّةَ
لِمُواجَهَةِ أعْظَمِ المِحَنِ.
قصة للأطفال: الأرنب الذي أراد أجنحة حمراء
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق