الثلاثاء، 21 يناير 2025

• قصة وحكمة: صُنَّاعُ الأَسُودِ


العِلمُ بِلا حِكمَةٍ هَلاكٌ

فِي بَلْدَةٍ صَغِيرَةٍ، قَابِعَةٍ بَيْنَ التِّلَالِ الوَادِعَةِ، كَانَ هُنَاكَ أَرْبَعَةُ أَصْدِقَاءَ اجْتَمَعُوا عَلَى حُبِّ العِلْمِ وَشَغَفِ المَعْرِفَةِ. كَانُوا يَنْهَلُونَ مِنْ بِحَارِ الكُتُبِ، يَغُوصُونَ فِي عَوَالِمِ الفِكْرِ، وَيَتَعَمَّقُونَ فِي كُلِّ فَنٍّ وَعِلْمٍ حَتَّى بَاتَتْ عُقُولُهُمْ كُنُوزًا لَا تَنْضَبُ. غَيْرَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الأَصْدِقَاءَ، عَلَى اتِّسَاعِ مَدَارِكِهِمْ، لَمْ يَكُنْ لَدَيْهِمْ دِرَايَةٌ بِكَيْفِيَّةِ تَسْخِيرِ تِلْكَ العُلُومِ فِي وَاقِعِ الحَيَاةِ وَصُرُوفِهَا.

وَذَاتَ يَوْمٍ، اجْتَمَعُوا عَلَى قَرَارٍ حَاسِمٍ، أَرَادُوا أَنْ يُثْبِتُوا لِلْعَالَمِ بَرَاعَتَهُمْ وَذَكَاءَهُمْ الفَذَّ. عَزَمُوا عَلَى الرَّحِيلِ إِلَى قَصْرِ المَلِكِ، حَيْثُ يَتَجَمَّعُ الأَكَابِرُ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ وَصَوْبٍ، لِعَرْضِ مَوَاهِبِهِمُ الفَرِيدَةِ.

وَفِي طَرِيقِهِمْ، وَبَيْنَمَا كَانُوا يَشُقُّونَ غَابَةً كَثِيفَةَ الأَشْجَارِ، تَمْلَؤُهَا الرِّيَاحُ بِأَسْرَارِهَا وَتَلُفُّهَا الظِّلَالُ بِأَغْمَارِهَا، وَقَعَ بَصَرُهُمْ عَلَى عِظَامِ أَسَدٍ مَيِّتٍ، تَكْسُوهَا الأَرْضُ بِالرِّمَالِ، وَتَرْوِي عَنْهَا الحِكَايَاتُ بِلُغَةِ الصَّمْتِ. أَمْعَنُوا النَّظَرَ فِيهَا، ثُمَّ تَبَادَلُوا الابْتِسَامَاتِ الَّتِي تَحْمِلُ بَيْنَ طَيَّاتِهَا مَزِيجًا مِنَ الحَمَاسَةِ وَالتَّحَدِّي. قَالَ أَحَدُهُمْ: "هَذِهِ فُرْصَتُنَا لِنُرِيَ العَالَمَ عَظَمَتَنَا!"

بَدَأَتِ المَأْسَاةُ حِينَ نَطَقَ الأَوَّلُ بِثِقَةٍ: "سَأُعِيدُ لِهَذِهِ العِظَامِ شَكْلَهَا، وَأَبْنِي مِنْهَا هَيْكَلًا كَمَا لَوْ لَمْ تَفْقِدْ يَوْمًا رُوحَهَا." فَجَمَعَ العِظَامَ وَرَتَّبَهَا بِعِنَايَةٍ، حَتَّى اسْتَوَى الهَيْكَلُ فِي كَمَالِهِ كَأَنَّ الأَسَدَ لَمْ يَمُتْ قَطُّ.

قَالَ الثَّانِي بِفَخْرٍ يَمْلَؤُهُ: "وَأَنَا سَأَكْسُوهُ بِاللَّحْمِ وَالجِلْدِ، لِيَبْدُوَ حَقِيقِيًّا نَابِضًا بِالحَيَاةِ." فَنَفَّذَ قَوْلَهُ، وَإِذَا بِالأَسَدِ يَقِفُ أَمَامَهُمْ وَكَأَنَّهُ يَسْتَعِدُّ لِزَئِيرٍ يَهُزُّ أَرْجَاءَ الغَابَةِ.

أَمَّا الثَّالِثُ، فَلَمْ يَتَرَدَّدْ أَنْ يُعْلِنَ قَائِلًا: "وَأَنَا سَأَمْنَحُهُ أَنْفَاسَهُ وَأُعِيدُ إِلَيْهِ رُوحَهُ." وَهَمَّ بِالسِّحْرِ الَّذِي يَبْعَثُ الحَيَاةَ.

لَكِنَّ الرَّابِعَ، الأَكْثَرَ حِكْمَةً بَيْنَهُمْ، حَذَّرَهُمْ قَائِلًا: "تَرَيَّثُوا يَا أَصْدِقَاءَ! إِنَّ بَعْثَ الأَسَدِ لِلحَيَاةِ لَيْسَ بِالأَمْرِ الَّذِي يُسْتَهَانُ بِهِ، فَرُبَّمَا يُصْبِحُ وَحْشًا لَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ."

غَيْرَ أَنَّهُمْ قَاطَعُوهُ بِسُخْرِيَةٍ، مُسْتَهْزِئِينَ بِحِكْمَتِهِ وَمُعْتَبِرِينَ خَوْفَهُ ضَعْفًا. فَمَضَوْا قُدُمًا، مُغْتَرِّينَ بِعُقُولِهِمْ، وَمُسْتَهِينِينَ بِالخَطَرِ المُحْدِقِ.

وَمَا أَنْ اسْتَيْقَظَ الأَسَدُ حَتَّى انْقَضَّ عَلَيْهِمْ بِضَرَاوَةٍ لَا تَعْرِفُ الرَّحْمَةَ.
مَزَّقَ بِأَسْنَانِهِ الحَادَّةِ طُمُوحَاتِهِمْ، وَجَعَلَ مِنْ جُثَثِهِمْ شَاهِدًا عَلَى غَطْرَسَةِ العِلْمِ إِذَا خَلَا مِنَ التَّعَقُّلِ. أَمَّا الصَّدِيقُ الرَّابِعُ، الَّذِي تَسَلَّقَ شَجَرَةً عَالِيَةً فِي فِطْنَةٍ وَحِنْكَةٍ، فَقَدْ نَجَا بِسَلَامٍ، يَشْهَدُ مِنْ عَلِيَائِهِ عَلَى المَصِيرِ الَّذِي حَلَّ بِرِفَاقِهِ.

وَهَكَذَا كَانَتِ العِبْرَةُ تَتَجَلَّى:
"
إِنَّ العِلْمَ سَيْفٌ ذُو حَدَّيْنِ، لَا يُحْسِنُ حَمْلَهُ إِلَّا مَنْ وُهِبَ الحِكْمَةَ وَوَعْيَ العَوَاقِبِ. فَمَا نَفْعُ الذَّكَاءِ إِذَا غَابَ العَقْلُ، وَمَا جَدْوَى المَعْرِفَةِ إِذَا أُفْرِغَتْ مِنَ البَصِيرَةِ؟"

إقرأ أيضاً:

قصة وحكمة: السلطعون والثعلب

قصة للأطفال: الأرنب الذي أراد أجنحة حمراء

قصة وحكمة: الأسد في المزرعة

قصة وحكمة: الأسد والخنزير

قصة وحكمة: طبلة الملك السحرية

للمزيد            

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً 

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق