الأربعاء، 26 فبراير 2025

• قصة أسطورة: نرسيسُ وظلُّه الهالِكُ

الغُرورُ يُهلِكُ صاحِبَهُ

في قديمِ الزمانِ، حيثُ كانتِ الأساطيرُ تحيا في أروقةِ الأرضِ وتُحاكُ في نسيجِ السماءِ، نشأتْ قصةُ نرسيسَ، الفتى الذي عشقَ انعكاسَ صورتِه حتى هلكَ في غرامِ ذاتِه. هي قصةٌ تحكي عن الجمالِ حينَ يُصبحُ لعنةً، وعن العشقِ حينَ يتحوَّلُ إلى سرابٍ، وعن الماءِ الذي لم يعدْ مرآةً للحياةِ، بل شاهدًا على المأساةِ.

كانَ نرسيسُ شابًا من فرطِ حسنِهِ كأنَّهُ قُدَّ من ضوءِ القمرِ، وجهُهُ مرآةُ الشمسِ، وعيناهُ بحرٌ يفيضُ سحرًا وضياءً. لم يكنْ أحدٌ في الإغريقِ يُضاهيهِ فتنةً، حتى صارَ معبودَ الأعينِ وأمنيةَ القلوبِ. غيرَ أنَّ هذا الفتى لم يلتفتْ إلى حبِّ أحدٍ، ولم يرضَ إلا بعشقٍ واحدٍ.. عشقِ ذاتِهِ.

كانَ يخرجُ كلَّ صباحٍ، متوجِّهًا إلى بحيرةٍ صافيةٍ كأنها قطعةٌ من السماءِ سقطتْ إلى الأرضِ، حيثُ اعتادَ أن يجلسَ عندَ ضفافِها، يُحدِّقُ في وجهِهِ المنعكسِ على سطحِ الماءِ، مأخوذًا بجمالِهِ، مفتونًا بسحرِهِ. كلَّ يومٍ، كانَ يغرقُ أكثرَ في نشوةِ ذاتِهِ، حتى أصبحَ لا يرى في الوجودِ إلا صورتَهُ، ولا يسمعُ سوى صدى ثنائِهِ على نفسِهِ.

وذاتَ يومٍ، إذ كانَ يُطيلُ النظرَ إلى انعكاسِهِ، مستغرقًا في وهمِ الجمالِ الأبديِّ، اختلَّ توازنُهُ، وسقطَ في مياهِ البحيرةِ العميقةِ. تعالتِ الأمواجُ، وانقضَّتِ المياهُ على الجسدِ الغارقِ، فاختفى نرسيسُ في أعماقِها، ولم يعدْ له أثرٌ سوى تموُّجاتٍ تحملُ ذكراهُ.

وفي المكانِ الذي ابتلعتْ فيه البحيرةُ غرورَهُ، نبتتْ زهرةٌ بيضاءُ ناصعةٌ، تتراقصُ على سطحِ الماءِ في دلالٍ، سُمِّيَتْ "النرجسَ"، تخليدًا لذكرى الفتى الذي لم يُحِبَّ أحدًا سوى نفسِهِ.

وحينَ افتقدَتْهُ الغاباتُ، وحلَّ الصمتُ على ضفافِ البحيرةِ، جاءتِ الأوريادياتُ، حورياتُ الغاباتِ، وسألنَ الماءَ الحزينَ:

"لِمَ تبكينَ يا بحيرةُ؟ أتبكينَ فراقَ نرسيسَ؟"

فأجابتِ البحيرةُ وقد تحوَّلتْ دموعُها إلى مدادٍ من الحزنِ:

"نعم، أبكي نرسيسَ، لكن ليس لجمالِهِ... بل لأنني في عينَيْهِ كنتُ أرى انعكاسَ جمالي الخاصِّ."

وهكذا، ظلَّتِ البحيرةُ تبكي نرسيسَ، لا لأنَّهُ كانَ آيةً في الحُسنِ، بل لأنَّهُ كانَ مرآتها التي أضاعَتْ صورتَها.. تمامًا كما يفنى الوهمُ حينَ ينكشفُ، وكما يضيعُ السرابُ حينَ يُلمَسُ.

إقرأ أيضاً:

قصة أسطورة: بروكوست طاغية القياس وسرير الهلاك

قصة وحكمة: حيلة القائد صنّ بن وسذاجة خصمه

قصة وحكمة: الإسكندر الأكبر يحاصر مدينة صور

قصة للأطفال: هدية لا تقدر بثمن

قصة سياسية: الإسكندر وقيصر ونابليون

للمزيد            

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً 

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق