السبت، 18 يناير 2025

• قصة للأطفال: الموسيقيّ المُبدع


الصداقة تُبنى على الوفاء

في يومٍ من الأيامِ، وفي غابةٍ كثيفةِ الأشجارِ متشابكةِ الأغصانِ، كان هناك موسيقيٌّ موهوبٌ يسيرُ وحيدًا، يحملُ كمانَه، ويداعبُ أوتارَه بألحانٍ تتراقصُ معها أرواحُ السامعينَ. كان يتأملُ الكونَ من حولِهِ، غارقًا في أفكارِهِ، حتى إذا نفدت خواطرُه قال: "أنا وحيدٌ في هذه الغابةِ، ولعلِّي أجدُ رفيقًا يُؤنسُ وحدتي."

أخرجَ كمانَه، وبدأ يعزفُ لحنًا ساحرًا امتزجَ بصوتِ الطبيعةِ، فارتفعت أصداؤُه بينَ الأشجارِ. وما هي إلا لحظات حتى ظهرَ ذئبٌ من أعماقِ الغابةِ، يتقدمُ نحوَه بخطًى حذرةٍ وعينينِ تلمعانِ. قال الموسيقيُّ في نفسِهِ: "ذئبٌ؟ لا أظنُّه رفيقًا مناسبًا". لكنَّ الذئبَ اقتربَ وقال: "أيُّها الموسيقيُّ البارعُ، ألحانُكَ تُذهلُ السامعينَ. هلّا علَّمتَني هذا الفنَّ العجيبَ"؟ أجابَ الموسيقيُّ بابتسامةٍ ماكرةٍ: "ليس صعبًا تعلُّمُ الكمانِ، لكن عليكَ أن تفعلَ ما آمركَ به". وافقَ الذئبُ بحماسةٍ.

قادَ الموسيقيُّ الذئبَ إلى شجرةِ بلوطٍ عتيقةٍ ذاتِ شقٍّ في جذعِها، وقال: "إن أردتَ تعلُّمَ العزفِ، ضعْ مخالبَكَ الأماميةَ في هذا الشقِّ". نفَّذَ الذئبُ الطلبَ، وما أن فعل ذلكَ حتى التقطَ الموسيقيُّ حجرًا وضغطَه على الشقِّ بإحكامٍ، فحُبسَ الذئبُ بينَ أغصانِ الشجرةِ. قال الموسيقيُّ: "انتظرْ هنا حتى أعودَ"، ومضى تاركًا الذئبَ يئنُّ في عجزِهِ.

بعد مسافةٍ قصيرةٍ، شعرَ الموسيقيُّ بالوحدةِ تعاوِدُه. قال: "لا بأسَ، سأبحثُ عن صديقٍ آخرَ". وعزفَ على كمانِه مجددًا، فجاءه هذه المرَّةَ ثعلبٌ متسللٌ من بينِ الشجيراتِ. قال الموسيقيُّ في نفسِهِ: "ثعلبٌ؟ ليس هذا ما أبحثُ عنه." لكنَّ الثعلبَ تقدَّم وقال: "يا عازفَ الكمانِ، ألحانُكَ تخطفُ القلوبَ. علِّمني العزفَ كما تفعلُ". ردَّ الموسيقيُّ مبتسمًا: "التعلُّمُ يسيرٌ، لكن عليكَ اتباعَ أوامري." وافقَ الثعلبُ مسرورًا.

قادَ الموسيقيُّ الثعلبَ إلى طريقٍ محاطٍ بالشجيراتِ، وثنى إحداها إلى الأرضِ، وقال: "ضعْ مخلبَكَ الأماميَّ الأيسرَ هنا." نفَّذَ الثعلبُ، وربطَ الموسيقيُّ المخلبَ بالشجيرةِ. ثم قال: "والآنَ، المخلبُ الأيمنُ". فعل الثعلبُ، فربطَه بشجرةٍ مجاورةٍ. تركَه الموسيقيُّ عالقًا بينَ الشجرتينِ، وقال: "انتظرْ هنا حتى أعودَ"، وغادرَ مبتسمًا.

لم تمضِ لحظاتٌ حتى عاودَت الموسيقيَّ الوحدةُ، فقال: "لعلَّ الثالثَ يكونُ خيرًا." وشرعَ يعزفُ من جديدٍ. وإذا بأرنبٍ صغيرٍ يقفزُ نحوَه. قال الموسيقيُّ: "أرنبٌ؟ لا أظنُّه أنيسًا." لكنَّ الأرنبَ قال: "يا سيِّدي العازفَ، ألحانُكَ عجيبةٌ، فهلا علَّمتَني؟" أجابَ الموسيقيُّ بمكرٍ: "بالطبعِ، الأمرُ بسيطٌ إن أطعتَ أوامري."

قادَ الموسيقيُّ الأرنبَ إلى شجرةٍ وربطَ خيطًا حولَ عنقِهِ، ثم قال: "اركضْ حولَ الشجرةِ عشرينَ مرَّةً." بدأ الأرنبُ يركضُ، وكلما دارَ حولَ الشجرةِ التفَّ الخيطُ حولَها أكثرَ فأكثرَ، حتى وجدَ نفسَه محاصرًا. قال الموسيقيُّ: "انتظرْ هنا حتى أعودَ"، وابتعدَ تاركًا الأرنبَ يتخبطُ.

في هذه الأثناءِ، استطاعَ الذئبُ الإفلاتَ من الشجرةِ بعد جهدٍ جهيدٍ، واشتعلَ غضبًا يسعى للانتقامِ. في طريقِهِ وجدَ الثعلبَ معلقًا، فحررَه، واتفقا على ملاحقةِ الموسيقيِّ. ثم صادفا الأرنبَ المربوطَ، فأطلقا سراحَه لينضمَّ إليهما. اجتمعت الحيواناتُ الثلاثةُ، وتوعَّدت بالانتقامِ.

أما الموسيقيُّ، فكان يمشي في الغابةِ يعزفُ ألحانًا عذبةً، حتى سمعَه حطابٌ فقيرٌ جاء يتتبعُ الصوتَ، حاملًا فأسَه. قال الموسيقيُّ: "هذا هو الرفيقُ الذي أبحثُ عنه، إنسانٌ يفهمُ الألحانَ". بدأ يعزفُ لحنًا جديدًا، فسحرَ الحطابَ وجعلَه يقفُ مأخوذًا بجمالِ الموسيقى.

وفي تلكَ اللحظةِ، ظهرت الحيواناتُ الغاضبةُ. أدركَ الحطابُ نواياها العدائيةَ، فرفعَ فأسَه وقالَ بصوتٍ حازمٍ: "لن تصلوا إليه إلا على جثتي!" تراجعت الحيواناتُ أمامَ شجاعةِ الحطابِ، وولتْ هاربةً إلى أعماقِ الغابةِ.

بامتنانٍ عميقٍ، عزفَ الموسيقيُّ لحنًا سعيدًا للحطابِ. ثم مضى في طريقِهِ، تاركًا الغابةَ وقد وجدَ أخيرًا صديقًا وفيًّا يشاركه الألحانَ.

إقرأ أيضاً:

قصة وحكمة: السلطعون والثعلب

قصة للأطفال: الأرنب الذي أراد أجنحة حمراء

قصة وحكمة: الأسد في المزرعة

قصة وحكمة: الأسد والخنزير

قصة وحكمة: طبلة الملك السحرية

للمزيد            

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً 

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق