قصة وحكاية: • قصة وحكمة: الفأرُ والفيلُ

الخميس، 20 فبراير 2025

• قصة وحكمة: الفأرُ والفيلُ

الوهم لا يصنع الهيبة

كان في سالفِ العصرِ والأوانِ فأرٌ ضئيلُ البُنيةِ، عظيمُ الوَهمِ، يأنسُ في نفوسِ البشرِ خوفًا، ويرى في تقافزِهم عندَ رؤيتِه نصرًا ومهابةً، فظنَّ أنَّه جليلُ القدرِ، مهيبُ الذكرِ. وكان لا يسيرُ في دربٍ إلَّا تخيَّل أنَّه ملكٌ يُلقي الرعبَ في قلوبِ الخلقِ، ولا يظهرُ في بقعةٍ إلَّا ارتعدتْ لها الأوصالُ، وارتجفتْ منها الأبدانُ.

وفي ذاتِ يومٍ، إذ مرَّ بساحةٍ تعجُّ بالأقوامِ، أبصرَ جمعًا غفيرًا يحيطُ بفيلٍ عظيمٍ، قد اعتلاه ملكٌ جليلٌ، فتعلَّقتْ به العيونُ، وانبهرتْ به الألبابُ، وعلتْ أصواتُ المدحِ والثناءِ، فتملَّكه الغيظُ وأضرمتْ نارُ الغيرةِ فؤادَهُ. فقال في نفسِهِ، وهو يضمرُ العجبَ: "ما لهذا الدهماءِ يعظِّمون شأنَ هذا المخلوقِ؟ ألسنا سواءً؟ أفليس لي كما له أربعُ قوائمَ، وعينانِ تُبصرانِ، وأنفٌ يشتمُّ به الروائحَ؟ فلمَ يُبجِّلونه ويهملونني؟ أليس فيَّ من الصفاتِ مثلَ ما فيهِ؟"

وكانت في ساحةِ القصرِ قطةُ الملكِ، قد جلستْ على ربوةٍ تراقبُ المشهدَ بعينٍ بصيرةٍ وفكرٍ ثاقبٍ، فلمَّا سمعتْ هواجسَ الفأرِ، قهقهتْ ساخرةً، ثم قالتْ: "ويحكَ أيها الفأرُ المغرورُ! أتساوي نفسَكَ بذلك الجبلِ الذي يتحرَّكُ؟ أم تقيسُ قُدرتَكَ إلى قدرةِ هذا الماردِ الذي لو شاء لسحقَكَ تحتَ قدميهِ كما يسحقُ الرمادَ الهشيمَ؟ أمَّا أنا، فلطالما هدَّدتُ أمثالَكَ بالمخالبِ والأنيابِ، فأرتعدتْ قلوبُهم وانقلبوا هاربينَ، ولكنَّ هذا الفيلَ، فلا أخيفُه، ولا أزعجُه، بل هو باقٍ في مكانهِ كأنَّه جبلٌ منيعٌ، لا تهزُّه الرياحُ، ولا تؤثرُ فيه المخاوفُ!"

فلمَّا سمع الفأرُ قولَها، انقلبَ عليهِ وهمُهُ، وتبدَّدَ غرورُهُ، وأدركَ أنَّ حجمَهُ ضئيلٌ، وأثرَهُ قليلٌ، فانكمشَ على نفسِهِ وانسلَّ بعيدًا، لا يلوي على شيءٍ، بعد أنْ ذاقَ من مرارةِ الحقيقةِ ما جعلهُ يعلمُ أنَّ الأوهامَ لا تبني مجدًا، ولا تنسجُ هيبةً، وأنَّ ما يراهُ المرءُ في نفسِهِ قد يكونُ محضَ سرابٍ، حتى تأتيَ الأيامُ فتُريَهُ حجمَهُ الحقيقيَّ في مرآةِ الواقعِ.

ليس كل من زرع الخوف في النفوس أصبح عظيمًا، فالمهابة الحقّة تُنال بالقوة والعقل، لا بالخداع والغرور.

إقرأ أيضاً:

قصة أسطورة: سقوط إيكاروس.. حين خانت الأجنحة صاحبها

قصة وحكمة: بوسانيوس.. الأمير الذي غلبته ثقافة الأعداء

قصة وحكمة: كامبانيلا الفيلسوف الذي هزم محاكم التفتيش

قصة أسطورة: الصوف الذهبي.. مغامرة جيسون والأرجوناوت

قصة وحكمة: رحلة البحث عن السعادة

للمزيد

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2