الحب والسلطة
في عام 1536، التقى هنري الثاني، ملك فرنسا المستقبلي، بديان دي بواتييه، المرأة التي ستصبح أولى عشيقاته وأكثرهن تأثيرًا في حياته. كانت ديان آنذاك في السابعة والثلاثين من عمرها، أرملة رجل مرموق كان كبير المشرفين على المضيفة الملكية في نورماندي، بينما لم يكن هنري سوى فتى في السابعة عشرة، مفعمًا بالنزق والطَّيْش.
في
البداية، كان انجذابه نحوها روحانيًا، أقرب إلى التقديس العذري، لكن لم يمر وقت
طويل حتى تحول ذلك الولع إلى عشق جارف، حتى أنه فضّلها على زوجته الشابة كاترين دي
ميديشي، وجعلها موضع حبه الأكبر.
عندما
صعد هنري إلى العرش عام 1547 بعد وفاة والده الملك فرانسيس الأول، بدت مكانة ديان
دي بواتييه مهددة، فقد بلغت حينها الثامنة والأربعين، وبدأ الزمن يترك أثره على
ملامحها، رغم محاولاتها المستمرة للحفاظ على شبابها. ومع ذلك، لم تكن ديان امرأة
تستسلم بسهولة، خاصة بعد أن أصبح عشيقها ملكًا لفرنسا، ولم يكن تجاوز بعد الثامنة
والعشرين، متمتعًا بجاذبية أخّاذة وحسن بارع جعل منه محط أنظار الجميلات في البلاط
الفرنسي. ومع أن التقاليد كانت تتيح للملوك اتخاذ العشيقات من أروع الفاتنات
اللاتي يزخر بهن البلاط، فإن ديان لم تكن لتسمح لأي امرأة بأن تأخذ مكانها.
سِرُّ
تفوق ديان لم يكن في جمالها فقط، بل في ذكائها الفريد وفهمها العميق للرمزية
والانطباعات، وهي أمور أتقنت استغلالها منذ البداية. في أولى سنوات علاقتها بهنري،
ابتكرت شعارًا يمزج بين الأحرف الأولى من اسميهما، ليكون رمزًا لوحدتهما الروحية،
وقد أَثَّر ذلك بعمق في نفس الملك الشاب، فجعله شعارًا شخصيًا له، وزيّنه في كل
مكان؛ على ملابسه، وعلى النصب التذكارية، وعلى الكنائس، وحتى على واجهة قصر اللوفر
وقصره الملكي في باريس. لم تكتفِ ديان بذلك، بل جعلت من نفسها تجسيدًا للإلهة
الرومانية ديانا، ربة الصّيد والعفة والنقاء، مستغلة افتتان هنري بهذه الرمزية
ليعزز مكانتها، ويجعلها جزءًا من هويته الملكية.
لم
يكن هذا مجرد تزيين رمزي، بل استراتيجية ذكية لإضفاء القداسة على علاقتها بهنري،
وإزالة أي وصمة قد تلحقها كمحظية ملكية. لم تكتفِ بتبني رمز الإلهة ديانا، بل
انعكس ذلك في محيطها المادي أيضًا، حيث أعادت تصميم قلعتها في مدينة آنيه بالكامل،
لتكون أشبه بمعبد روماني، تزينه الأعمدة الإغريقية وتحفه الحجارة البيضاء القادمة
من نورماندي، الممزوجة بأخرى سوداء، في تناغم يعكس ألوانها المفضلة: الأبيض
والأسود. لم تترك تفصيلًا إلا وجعلته يحمل بصمتها، فقد زُيِّنت القلعة بشعار
علاقتها بهنري، ونُحتت على بواباتها ورُفوفها الأهلّة والخيول وكلاب الصيد، رموز
الإلهة ديانا. وفي حدائقها، وضعت تمثالًا نحته الفنان جوجون، يصور ديانا القانصة،
وقد جاء شبيهًا بملامحها إلى حد مذهل.
كان
لهذا التحول تأثير ساحر على هنري، الذي ازداد انبهارًا بديان. وفي عام 1548، عندما
زارا مدينة ليون لحضور احتفال ملكي، استقبلهما السكان بمشهد مهيب صامت، يصور
الإلهة ديانا القانصة، وكأنهم يكرسون ديان دي بواتييه ككيان أسطوري. ولم يقتصر
الأمر على ذلك، فقد بدأ بيير دي روزان، أعظم شعراء فرنسا حينها، في نظم قصائد
تمجدها، ما أدى إلى نشوء ما يشبه طائفة من المعجبين الذين يقدسونها، معتبرينها
الملهمة والعرّابة.
بات هنري أسيرًا لتلك الهالة التي أحاطت بها ديان نفسها، مقتنعًا أن قدره أن يكون تابعًا في معبدها، وبالفعل ظل وفيًا لها حتى لحظة وفاته عام 1559، ليكون حبها القوة التي شكلت حياته ومسيرته الملكية، رغم كل العواصف التي مرت بها العلاقة بينهما.
قصة للأطفال: سلطعون نورا المشهور
قصة وحكمة: سمكة النهر وسمكة البحر
قصة للأطفال: الغزال ونقار الخشب والسلحفاة
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق