قصة وحكاية: • قصة أسطورة: بروكوست طاغية القياس وسرير الهلاك

السبت، 22 فبراير 2025

• قصة أسطورة: بروكوست طاغية القياس وسرير الهلاك

الطغيان يُهلِك صاحبه حتمًا

في غابر الأزمان، حيث الأساطير تتشابك مع الحقيقة، وحيث تجوب الوحوش والجبابرة الأرض، عاش رجلٌ جبارٌ عظيم الجثة، فاحش الطغيان، يُدعى بروكوست، وكان له سريرٌ مشؤومٌ صنعه ليكون ميزان العدالة في عينيه، لكنه لم يكن سوى أداة بطشه وسيف انتقامه.

نصب بروكوست سريره في مفترق الطرق، كفخٍّ للمسافرين المرهقين، يستدرجهم بمكر الذئب وابتسامة الثعلب، حتى إذا استلقوا على ذلك الفراش المشؤوم، انكشف وجهه الحقيقي، وظهر القبح الكامن خلف قناعه المزيف. فإن كان المسافر قصير القامة، جذبه بروكوست من أطرافه، يمدّها بلا رحمة، حتى تتمزق مفاصله، أو تنخلع أعضاؤه، أو يفارق روحه جسده. وإن كان طويلًا، جزّ من ساقيه أو ذراعيه بسيفه الصدئ، حتى يتساوى جسده مع حدود السرير، وكأن العدل عنده لا يتحقق إلا بإراقة الدماء وبتر الأوصال.

كان بروكوست نموذجًا للطغيان الذي يفرض مقاييسه على الجميع، لا يقبل اختلافًا، ولا يرحم تباينًا، يرى التنوع نشازًا يجب تسويته، ويرى الفارق جريمة تستوجب العقاب. لم يكن سريره سوى رمزٍ لوهم العدل القاتل، حيث يظن الطاغية أنه المقياس، وكل من خرج عن حدوده وجب تقويمه، ولو بحد السيف.

لكن كما لكل جبار نهاية، جاءت ساعة بروكوست حين التقى ببطلٍ لا يخضع لميزانه، ولا يخشى طغيانه. كان ذلك البطل ثيسيوس، المغوار الذي لم تهتز له يدٌ ولم يخف له قلب. وحين أمره بروكوست بالنوم على السرير، لم يكن ثيسيوس كغيره من العابرين، بل أمسك بالطاغية وألقاه على سريره، وجعل من عدله المزعوم سيفًا عليه، فمدّ جسده حتى تمزقت أوصاله، جزّ أطرافه كما فعل بضحاياه، فذاق من ذات الكأس التي سقاها لغيره، وانتهت أسطورته كما تنتهي كل أساطير الظلم والاستبداد.

وكما قيل في قديم الحكمة: "من نصب للناس ميزانًا للهوى، وقع فيه يومًا ولو بعد حين."

وما أكثر بروكوست في زمننا هذا! يغيّرون وجوههم، يبدّلون أساليبهم، لكن فكرهم واحد، وسريرهم واحد، ومقاييسهم لا تتغير، يرفضون الاختلاف، ويخشون التنوع، يقطعون أطراف الإبداع ليستقيم على مقاسهم، ويمدّون الجهالة لتلائم قوالبهم. غير أن العدل لا يُقاس بسرير ظالم، والحق لا يُسطّر بسيف أعمى، ولكل بروكوست زمانه، ولكل طغيانٍ ثيسيوسُه.

إقرأ أيضاً:

قصة وحكمة: المارانوس.. قناع الرياء في محاكم التفتيش

قصة وحكمة: غضب نابليون وسخرية تاليران

قصة وحكمة: كيف أسقط هيلا سيلاسي آخر خصومه

قصة وحكمة: حكمة الملك تساو تساو في ساعة الحسم

قصة وحكمة: الفأر والفيل

للمزيد

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب