الأحد، 30 يونيو 2024

• قصة للأطفال: السِّنْجابُ يَكْشِفُ الْكَذَّابَ

غشّ

عَلَتِ الضَّوْضاءُ في الغابَةِ وَهَرَعَ الْحُرَّاسُ يَتَفَقَّدُونَ ما يَحْدُثُ. كانَتِ السَّناجِبُ تَصْرُخُ وَتَتَقاطَرُ في عَصَبِيَّةٍ فَوْقَ أَفْرُعِ الأشْجارِ، وَكانَ أَكْثَرُها صُراخاً سِنجابٌ صَغيرٌ تَشَبَّثَ بِقِمَّةِ شَجَرَةِ (دِرْدارٍ) أَوْشَكَ العُمَّالُ على قَطْعِ جِذْعِها.

أَسْرَعَ حُرَّاسُ الغابَةِ لِجَلْبِ سُلَّمٍ مِيكَانِيكِيٍّ يُعِينُهُم على إِنْزالِ السِّنْجابِ الْمَفْزُوعِ، وَقالَ العُمَّالُ إِنَّهُمْ لَمْ يَنْتَبِهُوا لِوُجُودِ السِّنْجابِ الصَّغيرِ بِأَعْلَى الشَّجَرَةِ عِنْدَما هَمُّوا بِقَطْعِها... وَلا بُدَّ أَنَّ صَوْتَ الْمِنْشارِ الْكَهْرَبَائِيِّ أَفْزَعَهُ.

أَوْقَفَ الْعُمَّالُ الْمِنْشارَ الْكَهْرَبَائِيَّ فَسَكَنَتِ الغابَةُ وَهَدَأَتِ السَّناجِبُ، وَظَلَّ السِّنْجابُ الصَّغيرُ قَلِقاً يَتَقافَزُ على الأَفْرُعِ في صَمْتٍ، بَيْنَما لَبِثَتِ السَّناجِبُ الأُخْرى تُراقِبُ ما يَحْدُثُ مِنْ أَماكِنِها الْعالِيَةِ وَعُيُونُها الصَّغيرَةُ الْمُدَوَّرَةُ تَلْمَعُ في فُضولٍ.

قَبْلَ أَنْ يُحْضِرَ حُرَّاسُ الغابَةِ السُّلَّمَ اقْتَرَبَ أَحَدُ الْمُشْرِفينَ مِنَ الشَّجَرَةِ مُحَدِّقاً في جِذْعِها بِاسْتِغْرابٍ. أَخَذَ يَتَحَسَّسُ الجِذْعَ وَيَنْظُرُ إِلى الأَفْرُعِ وَالأَوْراقِ الْقَريبَةِ. تَوَقَّفَ مُجِيلاً بَصَرَهُ في الْعُمَّالِ بِبُطْءٍ وَشَكٍّ، ثُمَّ تَحَرَّكَ مُتَفَقِّداً جُذُوعَ الأشْجارِ الَّتي تَمَّ قَطْعُها، وَفَجْأَةً صاحَ: "لا أَحَدَ يَتَحَرَّكُ مِنْ مَكانِهِ. لا أَحَدَ يَتَحَرَّكُ مِنْ مَكانِهِ. اطْلُبُوا الشُّرْطَةَ".

ماذا حَدَثَ؟ أَيُّ خَطَأٍ تَمَّ ارْتِكابُهُ؟ تَساءَلَ حُرَّاسُ الغابَةِ، لَكِنَّ الْمُشْرِفَ لَمْ يُجِبْ على أَسْئِلَتِهِمْ، وَأَصَرَّ على أَلَّا يَتَكَلَّمَ حَتَّى تَحْضُرَ الشُّرْطَةُ، وَكانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُفَكِّرُوا في الأَمْرِ بِنَفْسِهِمْ، وَيُراجِعُوا ما حَدَثَ مُنْذُ الْبِدايَةِ لَعَلَّهُمْ يَكْتَشِفُونَ الخَطَأَ أَوِ الجَرِيمَةَ.

لَقَدِ اتَّخَذَتْ لَجْنَةٌ عِلْمِيَّةٌ قَرارَ قَطْعِ بَعْضِ أَشْجارِ الدِّرْدارِ لِحِمايَةِ السَّناجِبِ الحَمْراءِ مِنَ الانْقِراضِ، فَفي الفَتْرَةِ الأَخِيرَةِ لُوحِظَ تَناقُصُ أَعْدادِها بِشِدَّةٍ، وَفَسَّرَ أَحَدُ الْعُلَماءِ تَناقُصَ أَعْدادِ السَّناجِبِ الحَمْراءِ في البِدايَةِ بازْدِيادِ عَدَدِ السَّناجِبِ الرَّمادِيَّةِ وَالْتِهامِها لِلْكَثِيرِ مِنْ بُذورِ الأشْجارِ، مِمّا لا يُبْقِي إِلّا أَقَلَّ القَلِيلِ لِلسَّناجِبِ الحَمْراءِ فَتَجُوعُ وَتَمْرَضُ وَتَمُوتُ. لَكِنَّ عالِماً آخَرَ أَثْبَتَ أَنَّ تَناقُصَ عَدَدِ السَّناجِبِ الحَمْراءِ بَدَأَ قَبْلَ أَنْ يَتَزايَدَ عَدَدُ السَّناجِبِ الرَّمادِيَّةِ، وَأَنَّ الغابَةَ بِها مِنَ الغِذاءِ ما يَكْفِي لِلْجَمِيعِ. لَفَتَ هذا أَنْظارَ الْعُلَماءِ لِلْبَحْثِ في اتِّجاهٍ جَدِيدٍ، فَاكْتَشَفُوا أَنَّ السَّناجِبَ الحَمْراءَ تُفَضِّلُ بُذورَ شَجَرِ الدِّرْدارِ أَكْثَرَ مِنَ السَّناجِبِ الرَّمادِيَّةِ، وَأَنَّ هُناكَ مَرَضاً يُصيبُ بَعْضَ أَشْجارِ الدِّرْدارِ في مَوْسِمِ تَزاوُجِ السَّناجِبِ الحَمْراءِ، وَهِيَ تُصِرُّ على الْتِهامِ طَعامِها الْمُفَضَّلِ حَتَّى لَوْ كانَ بُذورَ أَشْجارٍ مَريضَةٍ، لِهذا عِنْدَما تَحْمِلُ يَكونُ نَسْلُها ضَعِيفاً وَتَلِدُهُ مَيِّتاً، وَإِنْ وُلِدَ حَيّاً يَعِيشُ لِساعاتٍ أَوْ لِأَيّامٍ قَلِيلَةٍ وَيَمُوتُ، كَما أَنَّ هُناكَ كَثِيراً مِنَ الأُمَّهاتِ تَمُوتُ في فَتْرَةِ الْحَمْلِ أَوْ أَثْناءَ الْوِلادَةِ بِسَبَبِ ضَعْفِ أَجْسامِها. لِهذا كُلِّهِ اتَّخَذَتْ لَجْنَةُ الْعُلَماءِ بِالإجْماعِ قَرارَ قَطْعِ أَشْجارِ الدِّرْدارِ الْمَريضَةِ، وَوافَقَتْ إِدارَةُ الغابَاتِ على ذلِكَ، وَقامَ فَرِيقٌ مِنَ الْمُهَنْدِسِينَ الزِّراعِيِّينَ بِتَحْدِيدِ الأشْجارِ الَّتي يُمْكِنُ قَطْعُها، وَجاءَ الْمُقاوِلُ وَمَعَهُ الْعُمَّالُ وَالْمَناشيرُ الْكَهْرَبائِيَّةُ وَالْحِبالُ لِلتَّنْفِيذِ.

فَأَيْنَ الخَطَأُ أَوِ الجَرِيمَةُ؟ تَساءَلَ حُرَّاسُ الغابَةِ مِنْ جَدِيدٍ، لَكِنَّ الْمُفَتِّشَ رَفَضَ مُجَدَّداً أَنْ يُجِيبَ إِلّا عِنْدَما تَحْضُرُ الشُّرْطَةُ!

ما كادَ رِجالُ الشُّرْطَةِ يَظْهَرُونَ حَتَّى انْهارَ العُمَّالُ وَراحُوا يُرَدِّدُونَ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُمْ أَحَدٌ: "لا ذَنْبَ لَنا... لا ذَنْبَ لَنا... الْمُقاوِلُ هُوَ الَّذي أَمَرَنا بِأَنْ نَفْعَلَ ذلِكَ"، وَتَمَّ الْقَبْضُ على الْمُقاوِلِ الَّذي تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَمَرَ عُمَّالَهُ بِقَطْعِ أَشْجارٍ سَليمَةٍ بَدَلاً مِنَ الْمَريضَةِ، حَتَّى يَكْسِبَ أَكْثَرَ مِنْ بَيْعِ خَشَبِها الأَفْضَلِ وَالأَغْلى سِعْراً، كَما تَمَّ الْقَبْضُ على العُمَّالِ الَّذينَ سايَرُوهُ في الخَطَأِ.

وَكادَ الجَمِيعُ يَنْسَوْنَ السِّنْجابَ الصَّغيرَ فَوْقَ الشَّجَرَةِ، إِلّا أَنَّهُ صَرَخَ قَبْلَ انْصِرافِهِمْ، فَصَعَدَ إِلَيْهِ على السُّلَّمِ المِيكَانِيكِيِّ أَحَدُ حُرَّاسِ الغابَةِ وَأَنْزَلَهُ بِسَلامٍ، ثُمَّ أَطْلَقَهُ حُرّاً وَسَطَ ضَحِكاتِ بَقِيَّةِ الْحُرَّاسِ وَالْمُفَتِّشِ وَرِجالِ الشُّرْطَةِ، أَمّا الْمُقاوِلُ الْكاذِبُ وَالْعُمَّالُ الْمَقْبوضُ عَلَيْهِمْ، فَقَدْ شَيَّعُوا السِّنْجابَ بِنَظَراتٍ غاضِبَةٍ.

محمد المخزنجي

  إقرأ أيضاً:

قصة للأطفال: شجرة الأمنيات والعجوز الطيّب

قصة للأطفال: علاء والطريق

قصة للأطفال: الحصان الذكي

قصة للأطفال: ذكاء الأرنب الصغير

قصة للأطفال: الغراب الطيّب والثعلب الماكر

للمزيد            

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً 

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق