الاثنين، 24 يونيو 2024

• قصة للأطفال: نُقْطَةُ اسْتِفْهَامٍ

حوارٌ بين رفوف المكتبة

صَمَّمْتُ مُنْذُ الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ عَلَى الذِّهَابِ إِلَى الْمَكْتَبَةِ لِلْمُطَالَعَةِ حَتَّى تَهْدَأَ أَعْصَابِي، ذَلِكَ أَنِّي تَشَاجَرْتُ الْيَووْمَ مَعَ (سِوَارٍ) أُخْتِي الصُّغْرَى وَقَرَّرْتُ مُغَادَرَةَ الْبَيْتِ، وَهَأَنَذَا الْآنَ جَالِسَةٌ أَمَامَ إِحْدَى طَاوِلَاتِ الْمَكْتَبَةِ الزَّاخِرَةِ بِأَصْنَافِ الْكُتُبِ وَمَعَ ذَلِكَ أَحِسُّ بِالْمَلَلِ:

لَمْ تُعْجِبْنِي الْقِصَّةُ الَّتِي كَانَتْ مُضْجِرَةً جِدًّا، اتَّجَهْتُ  صَوْبَ أَحَدِ الرُّفُوفِ لِأَخْتَارَ كِتَابًا ثَانِيًا. فَجْأَةً طَرَقَ سَمْعِي حِوَارٌ بَيْنَ الْكُتُبِ فَأَخَذْتُ أَنْصِتُ إِلَيْهِ بِاهْتِمَامٍ كَبِيرٍ، قَالَ الْكِتَابُ الَّذِي يَحْمِلُ عَلَى غِلَافِهِ صُورَةَ (نَبْعِ مَاءٍ) مُخَاطِبًا الْكُتُبَ الْأُخْرَى: (هَلْ رَأَيْتُمْ تِلْكَ الْمُشَاجَرَةَ بَيْنَ ابْنِي وَرَفِيقِهِ الْكِتَابِ ذِي اللَّوْنِ الْأَسْوَدِ)؟ لَكِنَّهُ لَمْ يَتَلَقَّ أَيَّ جَوَابٍ. مَدَّ بَصَرَهُ بَعِيدًا فَرَأَى الْكِتَابَيْنِ فِي الرَّفِّ الْمُقَابِلِ وَهُمَا يَتَشَاجَرَانِ. قَالَ الْكِتَابُ الِابْنُ لِزَمِيلِهِ: (أَنَا مُتَأَكِّدٌ مِنْ أَنَّ رَأْيِي هُوَ الصَّوَابُ، وَأَنَّكَ مُخْطِئٌ تَمَامًا). اعْتَرَضَ الْكِتَابُ ذُو اللَّوْنِ الْأَسْوَدِ قَائِلًا (كَفَاكَ عِنَادًا، وَاعْتَرِفْ بِأَنَّكَ الْمُخْطِئُ).

خَافَ الْكِتَابُ الَّذِي يَحْمِلُ صُورَةَ نَبْعِ الْمَاءِ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَقَالَ لِي مُتَوَسِّلًا: (يَا آنِسَةُ، أَيُمْكِنُكِ حَمْلِي إِلَى الرَّفِّ الْمُقَابِلِ لِأتَدَخَّلَ بِالصُّلْحِ بَيْنَهُمَا)؟ اسْتَغْرَبْتُ مِنْ طَلَبِهِ وَلَكِنَّنِي نَفَّذْتُهُ فَوْرًا وَقُمْتُ بِوَضْعِهِ  بِجَانِبِ الْكِتَابَيْنِ الْمُتَخَاصِمَيْنِ. اسْتَفْسَرَ الْكِتَابُ الْأَبُ عَنْ سَبَبِ الْخِصَامِ فَتَكَلَّمَا فِي آنٍ وَاحِدٍ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُرِيدُ إِبْرَازَ رَأْيِهِ وَالدِّفَاعَ عَنْهُ، مُحَاوِلًا أَنْ يُقْنِعَ الْكِتَابَ الْأَبَ بِالْوُقُوفِ فِي صَفِّهِ، لَكِنَّ هَذَا الْأَخِيرَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَفْهَمَ شَيْئًا مِمَّا قَالَاهُ وَطَلَبَ مِنَ الْكِتَابِ ذِي اللَّوْنِ الْأَسْوَدِ أَنْ يَشْرَحَ لَهُ مَا حَدَثَ دُونَ كَذِبٍ أَوْ تَزَلُّفٍ. قَالَ الْكِتَابُ ذُو اللَّوْنِ الْأَسْوَدِ: (ابْنُكَ يَقُولُ إِنَّ قُرَّاءَ هَذِهِ الْمَكْتَبَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَكْتَبَاتِ يَخْتَارُونَ كُتُبَ الْأَطْفَالِ أَكْثَرَ مِنْ كُتُبِ الْكِبَارِ، وَأَنَّهَا تُمَتِّعُهُمْ أَكْثَرَ، وَتُؤَانِسُهُمْ أَكْثَرَ، وَهَذَا طَبْعًا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْقُرَّاءِ مِنَ الْكُهُولِ وَالشَّبَابِ، وَهَذَا يَعْنِي أَنَّ الْكُتُبَ الَّتِي يَقْرَؤُونَهَا هِيَ الْكُتُبُ الَّتِي تُلَائِمُ سِنَّهُمْ: كَدَوَاوِينِ الشِّعْرِ وَالْمَوْسُوعاتِ إِلَى آخِرِهِ، مِثْلِي أَنَا بِصِفَتِي رِوَايَةً طَوِيلَةً وَلَسْتُ مِثْلَهُ مُجَرَّدَ قِصَّةٍ قَصِيرَةٍ لِلْأَطْفَالِ).

رَدَّ الْكِتَابُ الثَّانِي مُحْتَدًّا: (لَوْ كُنْتَ تَمْتَلِكُ كَمَا تَدَّعِي الشُّهْرَةَ فَلِمَ لَمْ يَقْرَأْكَ أَحَدٌ الْيَوْمَ؟). ارْتَبَكَ الْخَصْمُ وَأَجَابَ مُتَلَعْثِمًا: (أَلَا تَرَى أَنَّ عَائِلَتَنَا كَبِيرَةٌ، وَأَنَّنِي ضِمْنَ مَجْمُوعَةٍ ضَخْمَةٍ مِنَ الْكُتُبِ، لِذَلِكَ لَا بُدَّ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْنِي، لَكِنَّكَ أَيُّهَا الْعَنِيدُ سَتَرَانِي غَدًا وَأَنَا أَتَنَقَّلُ بِزَهْوٍ مِنْ يَدٍ إِلَى أُخْرَى..).

- (هَرَاءٌ! لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ هَلْ يُخْفَى الْكِتَابُ الْمَشْهُورُ الْمُتَأَلِّقُ عَنِ الْأَعْيُنِ؟).

أَحَسَّ الْكِتَابُ ذُو اللَّوْنِ الْأَسْوَدِ بِوَخْزَةِ الْإِهَانَةِ الْمُؤْلِمَةِ وَرَدَّ بِسُخْرِيَّةٍ: (عَلَى كُلٍّ، أَنْتَ أَيْضًا لَمْ تُمْسِكْكَ يَدٌ هَذَا الْيَوْمَ، أَمْ أَنَا مُخْطِئٌ فِي ذَلِكَ يَا زَمِيلِي الْعَزِيزُ؟) لَكِنَّ هَذَا الْأَخِيرَ لَمْ يَنْبِسْ بِبِنْتِ شَفَةٍ فَازْدَادَ غَضَبُ زَمِيلِهِ وَكَادَا أَنْ يَلْتَحِمَا فِي مَعْرَكَةٍ حَامِيَةٍ جَدِيدَةٍ لَوْلَا تَدَخُّلَ الْكِتَابِ ذِي صُورَةِ نَبْعِ الْمَاءِ الَّذِي صَاحَ فِيهِمَا لِيَلْزَمَا الْهُدُوءَ وَهُوَ يَقُولُ: (إِنَّ لِكُلِّ شَخْصٍ فِي الْحَيَاةِ يَا أَبْنَائِي وِجْهَةَ نَظَرٍ، وَعَلَى كُلٍّ مِنَّا أَنْ يَحْتَرِمَ وِجْهَةَ نَظَرِ الْآخَرِ)، قَاطَعَهُ ابْنُهُ وَهُوَ يَصِيحُ: (لَكِنِّي مُتَأَكِّدٌ أَنَّهُ هُوَ الْمُخْطِئُ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ يَا أَبَتِي؟) أَرَادَ الْكِتَابُ الْأَبُ أَنْ يُجِيبَ لَكِنَّ الْكِتَابَ ذَا اللَّوْنِ الْأَسْوَدِ صَرَخَ: (بَلْ أَنْتَ الْمُخْطِئُ، إِنِّي عَلَى صَوَابٍ، وَأَنَا مُسْتَعِدٌّ لِلرِّهَانِ).

-(حَسَنًا، مُوَافِقٌ، إِنَّ مَنْ يَقَعُ الِاخْتِيَارُ عَلَيْهِ مِنَّا أَوَّلًا لِتَتِمَّ مُطَالَعَتُهُ عَلَى الْآخَرِ تَمْكِينُهُ مِنْ نُقْطَةِ اسْتِفْفْهَامٍ لِمُدَّةِ يَوْمٍ كَامِلٍ. مَا رَأْيُكَ؟).

-(مُوَافِقٌ وَسَنَبْدَأُ مِنْ هَذِهِ اللَّحْظَةِ. إِنَّ أَبَاكَ سَيَكُونُ شَاهِدًا عَلَى كُلِّ هَذَا).

صَاحَ الْكِتَابُ الْوَالِدُ: (لَا، أَبَدًا. لَقَدْ ضِقْتُ ذَرْعًا بِكُمَا، وَسَوْفَ أُغَادِرُ الْمَكَانَ، وَأَرْجِعُ إِلَى رَفِّي، حُلُّوا مَشَاكِلَكُمَا وَحْدَكُمَا).

طَبْعًا كَانَ عَلَيَّ إِرْجَاعُهُ إِلَى  مَكَانِهِ، وَقَدْ قُمْتُ بِذَلِكَ حَقًّا، وَشَكَرَنِي عَلَى مُسَاعَدَتِي لَهُ. جَلَسْتُ أُفَكِّرُ فِي أَمْرِ هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ الْمُتَخَاصِمَيْنِ، وَسَأَلْتُ نَفْسِي: تُرَى مَنْ مِنْهُمَا عَلَى حَقٍّ!؟.

أَيْقَظَتْنِي مِنْ غَفْوَتِي يَدٌ تُرَبِّتُ عَلَى كَتِفِي فَالْتَفَتُّ وَرَأَيْتُ رَجُلًا طَوِيلَ الْقَامَةِ، فِي الثَّلَاثِينَ مِنْ عُمْرِهِ تَقْرِيبًا، وَهُوَ يَبْتَسِمُ لِي، قَالَ: (مَا بِكِ يَا صَغِيرَتِي، هَلْ غَلَبَكِ سُلْطَانُ النَّوْمِ؟ لَقَدْ رَأَيْتُكِ نَائِمَةً مُنْذُ قَلِيلٍ فَلَمْ أَهْتَمَّ لِذَلِكَ فِي الْبِدَايَةِ وَلَكِنِّي خَشِيتُ  أَنْ تَكُونِي مُرْتَبِطَةً بِمَوْعِدٍ فَقَرَّرْتُ إِيقَاظَكِ).

-شُكْرًا، وَمَعْذِرَةً لِإِزْعَاجِك.

-لَا بَأْسَ يَا آنِسَةُ.

بَقِيتُ مَذْهُولَةً أُحَدِّقُ فِي الْكُتُبِ الْمُرَتَّبَةِ عَلَى الرُّفُوفِ. إِذَنْ لَقَدْ كَانَتْ مَعْرَكَةُ الْكِتَابَيْنِ مُجَرَّدَ حُلْمٍ، ابْتَسَمْتُ، وَلَكِنِّي مَعَ ذَلِكَ لَا أَدْرِي لِمَا بَقِيَتْ عَيْنَايَ مُعَلَّقَتَيْنِ بِذَاكَ الرَّجُلِ، رَأَيْتُهُ يَتَّجِهُ نَحْوَ أَحَدِ الرُّفُوفِ لِيَخْتَارَ كِتَابًا، شَاهَدْتُهُ يَرْجِعُ إِلَى مَكَانِهِ حَامِلًا كِتَابًا لِلْأَطْفَالِ. الْغَرِيبُ أَنِّي لَمَحْتُ ابْتِسَامَةً عَلَى غِلَافِ الْكِتَابِ،، وَعَلَى الرَّفِّ، خُيِّلَ إِلَيَّ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ كِتَابًا ذَا لَوْنٍ أَسْوَدَ وَهُوَ يَنْظُرُ شَزَرًا إِلَى الرَّجُلِ، فَرَكْتُ عَيْنِي وَغَادَرْتُ الْمَكَانَ مُسْرِعَةً وَأَنَا أُفَكِّرُ فِي نُقْطَةِ الِاسْتِفْهَامِ الَّتِي سَتَأْخُذُ مَكَانَهَا بَيْنَ صَفَحَاتِ كِتَابِ الْأَطْفَالِ.

سَمَرُ الْمَزْغَنِيّ

 إقرأ أيضاً:

قصة مُخَيِّبَة: ثروة ضائعة

قصة للأطفال: الفراشة والكتاب

قصة مُخَيِّبَة: مذكرات جحش

قصة للأطفال: لا يأس مع الإرادة

قصة مُلهِمة: تيمورلنك يتعلم من النملة

للمزيد            

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً 

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق