الصِّدقُ يَنجو بِصاحِبِهِ
فِي سالِفِ العَصْرِ وَالأوانِ، وَفِي مَمْلَكَةٍ عابِقَةٍ بِالحَياةِ مُكْتَظَّةٍ بِالأَنْفَاسِ، عَاشَتِ امْرَأَةٌ عُرِفَتْ بَيْنَ النّاسِ بِحِكْمَتِها وَصِدْقِها، وَذاعَ صِيتُها بِفَضْلِ قَلْبِها المُفْعَمِ بِالخَيْرِ وَعَزْمِها عَلَى مُساعَدَةِ المُحْتاجِينَ. كانَتْ بَسْمَتُها طَيْفًا مِنَ الأَمَلِ، وَكَلِمَتُها بَعضًا مِنَ الغَزَلِ، حَتَّى أَحَبَّها الجَمِيعُ، وَصارَتْ ضَيْفًا مَأْلُوفًا فِي قَصْرِ المَلِكِ، حَيْثُ وُصِفَتْ بِجالِبَةِ الحَظِّ السَّعِيدِ وَرَفِيقَةِ النَّوَايَا الطَّيِّبَةِ.
وَذاتَ
يَوْمٍ، وَالشَّمْسُ تُرْسِلُ خُيُوطَها الذَّهَبِيَّةَ لِتُغَازِلَ الأَرْضَ،
جَلَسَتِ المَرْأَةُ إِلَى جِوَارِ المَلِكَةِ فِي بَهْوِ القَصْرِ الفَسِيحِ.
ناوَلَتْها المَلِكَةُ قِلادَةً فاتِنَةً، تَبْرُقُ بِأَلْوَانِ الأَحْجارِ
الكَرِيمَةِ، وَقالَتْ لَها بِلُطْفٍ: "اِمْسِكِيها عَنِّي لَحِينَ أَفْرَغَ
مِنِ اسْتِحْمامِي." تَلَقَّتِ المَرْأَةُ القِلادَةَ بِعِنَايَةٍ،
وَوَضَعَتْها عَلَى حَصِيرِها بِرِفْقٍ، وَأَغْمَضَتْ عَيْنَيْها مُسْتَغْرِقَةً
فِي تَأَمُّلٍ هَادِئٍ.
وَبَيْنَما
هِيَ فِي خَلْوَةِ الفِكْرِ، انْقَضَّ غُرابٌ مُشاغِبٌ مِنْ نافِذَةِ القَصْرِ، يُغْرِيهِ
لَمَعانُ القِلادَةِ كَبَرِيقِ الذَّهَبِ فِي أَعْيُنِ الطّامِعِينَ. التَقَطَها
بِمِنْقارِهِ، وَطارَ بِها نَحْوَ شِقٍّ ضَيِّقٍ فِي جِدارِ القَصْرِ حَيْثُ
خَبَّأَ غَنِيمَتَهُ بَعِيدًا عَنِ الأَنْظارِ.
عادَتِ
المَلِكَةُ بَعْدَ لَحَظاتٍ، أَنْعَشَها المَاءُ وَزادَها تَوَهُّجًا، وَسَأَلَتِ
المَرْأَةَ عَنِ القِلادَةِ. رَفَعَتِ المَرْأَةُ عَيْنَيْها الحَزِينَةَ وَقالَتْ
بِصِدْقٍ: "وَضَعْتُها هُنا، عَلَى الحَصِيرِ. لَمْ أُغادِرْ مَكانِي،
لَكِنَّها اخْتَفَتْ كَأَنَّما تَبَخَّرَتْ فِي الهَواءِ." دَبَّ الغَضَبُ
فِي نَفْسِ المَلِكِ حِينَ عَلِمَ بِالأَمْرِ، فَأَمَرَ بِالتَّحْقِيقِ مَعَ
المَرْأَةِ وَاتَّهَمَها بِالسَّرِقَةِ. وَرَغْمَ ما تَعَرَّضَتْ لَهُ مِنِ
اخْتِباراتٍ وَشُكُوكٍ، ظَلَّتْ ثابِتَةً كَالجَبَلِ، صادِقَةً كَالنَّهْرِ فِي
جَرَيَانِهِ.
مَرَّتِ
الأَيّامُ بَطِيئَةً كَأَنَّها دُهُورٌ، وَسُجِنَتِ المَرْأَةُ فِي غُرْفَةٍ
ضَيِّقَةٍ بِالقَصْرِ، فِيمَا أَلْقَى الحُزْنُ ظِلالَهُ الثَّقِيلَةَ عَلَى
قَلْبِها النَّقِيِّ. وَفِي أَحَدِ الأَيّامِ، جَلَسَ المَلِكُ مُتَأَمِّلًا فِي
حَدِيقَةِ القَصْرِ، يُعِيدُ شَرِيطَ الأَحْداثِ فِي ذِهْنِهِ. وَإِذَا بِالغُرابِ
عَيْنِهِ يَظْهَرُ مِنْ جَدِيدٍ، يَطِيرُ نَحْوَ الشِّقِّ ذاتِهِ فِي الجِدارِ.
راقَبَهُ المَلِكُ بِفُضُولٍ، فَإِذَا بِالطَّائِرِ يَسْحَبُ القِلادَةَ ذاتَها
الَّتِي أَشْعَلَتْ نارَ الفِتْنَةِ.
نَهَضَ
المَلِكُ مِنْ مَجْلِسِهِ وَقَدِ انْكَشَفَ لَهُ اللَّبْسُ وَزالَ عَنْهُ
الغَبَشُ. أَسْرَعَ يَسْتَدْعِي المَرْأَةَ، وَهُوَ يَجُرُّ خَلْفَهُ أَذْيالَ
النَّدَمِ، وَبِعَيْنَيْنِ مُبَلَّلَتَيْنِ بِالاعْتِذَارِ، قالَ لَها بِصَوْتٍ يَغْمُرُهُ
الخَجَلُ: "لَقَدْ ظَلَمْتُكِ بِغَيْرِ وَجْهِ حَقٍّ. سامِحِينِي عَلَى سُوءِ
ظَنِّي، فَقَدْ كُنْتِ أَنْقَى مِمّا ظَنَنْتُ وَأَصْدَقَ مِمّا تَصَوَّرْتُ."
ابْتَسَمَتِ
المَرْأَةُ بِحَنُوٍّ يُعانِقُ الجِراحَ، وَقالَتْ بِصَوْتٍ عَذْبٍ:
"الصَّفْحُ مِنْ شِيَمِ الكِبارِ، وَلَيْسَ فِي القَلْبِ مَوْضِعٌ
لِلْحِقْدِ." رَفَضَتْ أَيَّ مُكَافَأَةٍ أَوْ تَعْوِيضٍ، وَاخْتارَتْ أَنْ
تَعُودَ إِلَى حَياتِها البَسِيطَةِ، ناشِرَةً نُورَها فِي ظُلُماتِ الحاجَةِ، تَسْقِي
الضُّعَفاءَ مِنْ نَبْعِ حِكْمَتِها، وَتَمْضِي كَما كانَتْ، رَمْزًا لِلصِّدْقِ
وَالإِحْسانِ.
هَكَذا، انْتَهَتِ الحِكايةُ، وَظَلَّتِ المَرْأَةُ مِثالًا خالِدًا تُرْوَى قِصَّتُها جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، عِظَةً لِلأَفْهامِ، وَدَرْسًا لِلْمُلُوكِ وَالأَقْوامِ.
قصة للأطفال: الخنازير الثلاثة الصغار
نوادر العرب: الرجل الحكيم بائع السعادة
قصة مَثَل: جَوِّع كلبك يَتبَعك
قصة وحكمة: الفلاح وشجرة التفاح
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق