صَداقَة
اندفع
(سعيد) ذو السنوات الخمس من ورشة (أبو حديد) ميكانيكي السيارات وهو يصرخ ويصيح:
- انقذوني... انقذوني.
فتجمع
الناس أمام الورشة، وأمسك (سعيد) برجل، وتشبث بملابسه هرباً من (أبو حديـد) الذي
خرج يجري وراء (سعيد) وفي يده قطعة من حديد، يريد أن يضربه بها، فأمسك الرجل
بــ(أبو حديد)، وجرى الطفل حتى تلاشى عن الأنظار، وظل يجري حتى وصل إلى كوبري (قصر
النيل)، وعلى ضفاف النيل وقف ينظر إلى أحد الأسود النحاسية الأربعة الموجودة على
جانبي الكوبري.
جلس
(سعيد) بجوار الأسد يحتمي به من عيون المارة، ومرت ساعات وحل الظلام، وعند انتصاف
الليل، شعر (سعيد) بحركة خفيفة وراء أذنه، التفت (سعيد) خلفه... فلم يجد أحداً،
وإذا بحركة أخرى وراء أذنه الأخرى، التفت الصغير سريعاً ولكنه أيضاً لم ير شيئاً،
عندئذ شعر بخوف شديد.
تماسك
(سعيد) وصعد ووقف بين قدمي الأسد الأماميتين، وصاح بأعلى صوته وقال:
-
أنا أسد.. لا أخاف من أي شيء... أنا أسد.
قالها
الصغير وهو يمد ذراعيه في الهواء ويثنيهما، وفجأة سمع صوتاً غريباً، ارتجف (سعيد)
خوفاً، ونظر نحو الصوت، فوجد شيئاً عجيباً، لقد رأى الأسد يضحك، تعجب(سعيد) وقال:
-
ما هذا؟ الأسد يتحرك؟ لماذا تضحك عليّ هكذا؟
أجاب
الأسد وهو يضحك:
-
أنا... أنا أضحك بدلاً من أن أبكي.
سأله
الصغير في تعجب:
-
ولماذا تبكي؟
أجابه
الأسد وهو يضحك:
-
بالطبع أبكي خوفاً منك، ألست أسداً؟
ثم
ضحك مرة أخرى، غضب (سعيد) وقال له:
-
أتهزأ مني؟
قال:
-
لا، ولكن فقط أتساءل، أين ذيلك؟
وبسخرية
أجاب الصغير:
-
لقد جربته في الصباح على ملابسي، فكان شكله غير مناسب، لذا تركته في الورشة.
زأر
الأسد زأرات متتالية من الضحك، كاد يقع منها من على قاعدته ثم قال لــ(سعيد):
-
حقاً إنك شبل ظريف.
حاول
(سعيد) أن ينزل من جوار الأسد، فقال الأسد:
-
أرجوك لا تغضب، لقد أحببتك وأود أن نصبح صديقين.
جلس
(سعيد) على قدمي الأسد، فسأله الأسد:
-
ما اسمك؟
قال
الصغير:
-
أنا (تعيس)، ولكنهم أخطأوا في تسميتي، فأطلقوا عليّ (سعيد).
ابتسم
الأسد، وسأله:
-
وأين أسرتك؟
قال
(سعيد):
-
لقد مات والدي، فأخرجتني أمي من المدرسة، وأرسلتني إلى القاهرة، لأعمل وأساعدها في
تربية إخوتي.
فسأله
الأسد:
-
ولماذا تبكي هكذا؟
قال
(سعيد):
-
لقد جئت هنا هرباً من (أبو حديد) صاحب الورشة التي أعمل بها، إنه يضربني ويعذّبني
دائماً، واليوم جرى ورائي بقطعة من حديد لا لشيء سوى أنني وجدت ورقة من إحدى
المجلات، فقرأت ما بها وتركت ما في يدي لفترة قليلة دون أن أدري.
سكت
(سعيد) قليلاً وعاد فقال:
-
لقد اشتقت إلى أمي وإخوتي وبلدتي.
وانهمرت
دموعه من عينيه، وظل يبكي ويبكي، اهتز الأسد حزناً من بكاء (سعيد)، فضمّه بين يديه
بحنان شديد، وشعر (سعيد) بالدفء والاطمئنان، ومرت لحظات سكت كل منهما عن الكلام،
وعاد الأسد وسأل (سعيد):
-
لقد سمعت كثيراً ممن يجلسون بجواري عن تلك المراكز التي تؤوي الأطفال الصغار،
لماذا لا تذهب إلى إحداها؟
أجاب
(سعيد):
-
أخاف ألا يحسنوا معاملتي.
قال
الأسد:
-
إذن ارجع لبلدتك.
قال
(سعيد):
-
لابد أن أبقى لكي أعمل، إن أمي وإخوتي في حاجة لعملي، فلابد أن أكون رجلاً، بالرغم
من أنني مازلت طفلاً.
قال
الأسد:
-
إذن إلى مَن ستذهب؟ إلى من؟
(سعيد):
-
إلى مكان آمن، يوفر لي ما أحتاج إليه من رعاية أنا وإخوتي.
أخرج
الأسد قلماً، وأعطاه لــ(سعيد) وقال له:
-
أمعك ورقة؟
أخرج
(سعيد) من جيبه ورقة، فقال له الأسد:
-
والآن اكتب قصتك، منذ وفاة والدك وعملك عند (أبو حديد) وخوفك على إخوتك وشوقك
لرؤيتهم.
كتب
(سعيد) كل ما أملاه عليه صديقه الأسد، ثم سأل:
-
إلى من سنرسل تلك الرسالة؟
أجاب
الأسد:
-
سنرسلها إلى (عم كريم الطيب)، إنه رجل طيب وكريم، وسيوفر لك حياة كريمة، ولا تنس
يا صديقي أن توقع على ظهر الرسالة ((سعيد) بجوار أسد قصر النيل).
وعند
شروق الشمس، بدأت الطيور تطير في السماء، فلما رأى الأسد صديقته الحمامة، ناداها
بحركة يده المعتادة فنزلت إليه (حمامة بيضاء) وقفت على رأس الأسد النحاسي، فأعطاها
الأسد رسالة (سعيد)، فأخذتها وربطتها في رجلها، وطارت بها عالياً في السماء.
ومنذ ذلك اليوم، و (سعيد) يذهب مساء كل يوم بجوار صديقه الأسد، ينتظران معاً (عم كريم الطيب).
قصة وحكمة: الإمبراطور جو شابين وضيفه دايناجون
قصة وحكمة: الصديق الوفي، حكاية الوفاء والعطاء
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق