صَداقة ومُشارَكة
في قديمِ الزمانِ وسالفِ العصرِ والأوانِ، كان هناك فأرٌ صغيرٌ يقطنُ في منزلِ خيّاطٍ شهيرٍ بمهارتهِ وصنائعهِ، معروفٍ بحياكتِهِ الملابسَ الفاخرةَ وذائعِ الصيتِ بلمساتهِ البديعةِ. اعتادَ ذلكَ الفأرُ المسكينُ أن يتسلّلَ إلى ورشةِ الخياطِ معَ الليلِ البهيمِ، يبحثُ هنا وهناكَ عن فتاتِ الطعامِ وقطعِ القماشِ الصغيراتِ، يبتغي بها دفءَ مَسْكِنهِ وراحةَ بيتهِ.
وذاتَ
ليلةٍ من ليالي الدهرِ، تَململَ الخيّاطُ حينَ وجدَ بعضَ قطعِ القماشِ الثمينةِ قد
غابتْ من مكانها وتوارَتْ عن أنظارهِ. تملّكتهُ الحيرةُ، فراحَ يتساءلُ في سرّهِ،
"أيُّ يدٍ خفيّةٍ تسرقني من دون أن أدري؟" وبعدَ طولِ تفكيرٍ، خطرَ
ببالهِ الفأرُ الصغيرُ، فقرّرَ أن يُراقبَ الورشةَ عن كثبٍ ليمسكَ باللصِّ
المجهولِ.
وفي
إحدى الليالي الهادئةِ، إذ تسلّلَ الفأرُ إلى الورشةِ كعادتهِ يجمعُ قطعَ القماشِ
بلهفةٍ، فجأةً خرجَ الخيّاطُ من مخبئهِ وقبضَ عليه بقبضةٍ حازمةٍ. قالَ الخيّاطُ
بغضبٍ ملتهبٍ: "أيّا فأرَ الفقرِ، تجرّأتَ على سرقةِ القماشِ منّي؟"
ارتعدَ الفأرُ من الخوفِ وارتجفَ قائلًا بصوتٍ متهدّجٍ: "لم أقصدْ الأذى يا
سيّدي، أردتُ فقط بعضَ القطعِ الصغيرةِ لأبني بها بيتًا دافئًا يحميني من قسوةِ
البردِ."
تأثّرَ
الخياطُ بكلامِ الفأرِ، فأخذتهُ شفقةٌ على هذا المخلوقِ الضعيفِ الذي لا يملكُ سوى
الرغبةِ في الدفءِ. بعدَ تفكيرٍ، قالَ لهُ: "سأُعطيكَ ما تحتاجُ من القماشِ،
لكن بشرطٍ واحدٍ: أنْ تُساعدني في ورشتي الصغيرةِ." لم يُصدّقِ الفأرُ أذنيهِ
ووافقَ بحماسٍ.
وهكذا،
أصبحَ الفأرُ الصغيرُ رفيقًا للخياطِ ومعاونًا لهُ، يجلبُ الإِبَرَ ويجمعُ الخيوطَ
المتناثرةَ ويساعدُ في ترتيبِ الورشةِ. وبفضلِ جهدِ الفأرِ وعزيمتهِ، زادت
إنتاجيةُ الخياطِ وأصبحتْ ملابسهُ أروعَ وأبدعَ، وذاعَ صيتُ الورشةِ في البلدةِ.
ومنذُ تلكَ اللحظةِ، عاشَ الفأرُ في سعادةٍ، وقد باتَ له بيتٌ دافئٌ مصنوعٌ من
قطعِ القماشِ التي حصلَ عليها بجهدهِ.
ومعَ
مرورِ الأيامِ، نَمَتْ بينَ الخياطِ والفأرِ صداقةٌ صادقةٌ، وتحوّلَ الفأرُ من
مجردِ عاملٍ صغيرٍ إلى شريكٍ وصديقٍ، يُعاملهُ الخياطُ بحبٍّ وامتنانٍ. وانتشرَ في
البلدةِ الحديثُ عن براعةِ الخياطِ وسرعةِ إنجازهِ، حتى ظنَّ البعضُ أنَّ سرًّا
غامضًا يقفُ وراءَ نجاحهِ.
وذاتَ
يومٍ، جاءَ رجلٌ ثريٌّ من بلدةٍ مجاورةٍ إلى ورشةِ الخياطِ وطلبَ منهُ أن يخيطَ
لهُ رداءً فخمًا لحفلٍ كبيرٍ. كانَ ذلكَ الطلبُ تحدّيًا عظيمًا، يتطلّبُ مهارةً فائقةً
وصبرًا طويلًا. وبدأَ الخياطُ العملَ بحماسةٍ، بينما كانَ الفأرُ الصغيرُ يراقبهُ
ويُساعدهُ في جمعِ الخيوطِ وترتيبِ الأدواتِ، وهوَ يدرسُ خطواتِ الخياطِ باهتمامٍ.
ومعَ
الأيامِ، أخذَ الفأرُ يتدرّبُ سرًّا على خياطةِ بعضِ الأجزاءِ الصغيرةِ، يُقلّدُ
حركاتِ الخياطِ بمهارةٍ حتى أصبحَ بارعًا في الحياكةِ. وذاتَ يومٍ، اندهشَ الخياطُ
من إتقانِ الفأرِ، وأخذَ يعوّلُ عليهِ في التفاصيلِ الدقيقةِ ويثقُ بمهارتهِ.
وفي
الليلةِ الأخيرةِ قبلَ موعدِ تسليمِ الرداءِ، سَهِرَ الخياطُ والفأرُ معًا طوالَ
الليلِ، يعملانِ بجدٍّ وإخلاصٍ حتى أكملا الرداءَ في الوقتِ المحدّدِ. ولما جاءَ
الرجلُ الثريُّ ليرى الرداءَ، أبهرتْهُ التفاصيلُ الدقيقةُ والجمالُ الأخّاذُ،
فصاحَ قائلًا: "ما رأيتُ مثلَ هذا الرداءِ جمالًا وإتقانًا! إنّه بحقٍّ عملٌ
رائعٌ."
أثنى
الرجلُ على الخياطِ وقدمَ لهُ مكافأةً سخيةً، ولم ينسَ الخياطُ فضلَ الفأرِ في هذا
النجاحِ، فوهبَهُ نصيبهُ من المكافأةِ على شكلِ قطعِ قماشٍ ناعمةٍ وبذورٍ لذيذةٍ.
ومنذُ ذلكَ اليومِ، صارَ الخياطُ والفأرُ شريكينِ بحقٍّ، واستمرتْ صداقتهما حتى عرفتهما البلدةُ كأفضلِ ثنائيٍّ في عالمِ الخياطةِ. وتوافدَ الناسُ إلى ورشتهما لا لشراءِ الملابسِ وحسبُ، بل أيضًا لرؤيةِ تلكَ الصداقةِ العجيبةِ التي جمعتْ بينَ خياطٍ ماهرٍ وفأرٍ طيبٍ، فباتتْ قصتهما تُروى في كلِّ بيتٍ، وأصبحَ ذكرُهما على كلِّ لسانٍ، فسبحانَ من يؤلّفُ بينَ القلوبِ ويجعلُ من الودِّ والصداقةِ خيرَ زادٍ في دروبِ الحياةِ.
قصة وحكمة: الإمبراطور جو شابين وضيفه دايناجون
قصة وحكمة: الصديق الوفي، حكاية الوفاء والعطاء
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق