الحبُّ والمَوَدَّة أقوى من دواء الخلود
يُحْكَى أنَّ أَمِيرًا مِنْ أُمَرَاءِ الزَّمَانِ كَانَ يَحْلُمُ بِالخُلُودِ، وَيَتُوقُ أنْ يَبْقَى شَابًّا قَوِيًّا، عَفِيًّا لا تَنَالُهُ سِهَامُ الشَّيْخُوخَةِ وَلا يَضْعُفُ لَهُ جَسَدٌ. دَعَا وَزِيرَهُ الحَكِيمَ وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَبْحَثَ لَهُ عَنْ دَوَاءٍ يُطِيلُ العُمُرَ وَيَصُدُّ زَحْفَ الزَّمَنِ، وَوَعَدَهُ بِمُكَافَأَةٍ عَظِيمَةٍ إِنْ هُوَ أَفْلَحَ فِي مُبْتَغَاهُ.
اِنْطَلَقَ
الوَزِيرُ الحَكِيمُ، يَجُوبُ القُرَى وَالبُلْدَانَ، وَيَسْأَلُ النَّاسَ عَنْ
سِرِّ الشَّبَابِ أَوْ عَنْ عُشْبَةٍ تَقِي مِنَ الهَرَمِ وَالذُّبُولِ.
وَبَيْنَمَا هُوَ فِي إِحْدَى القُرَى، أَشَارَ عَلَيْهِ أَهْلُهَا بِأَنْ
يَصْعَدَ إِلَى قِمَّةِ الجَبَلِ، حَيْثُ يُقِيمُ هُنَاكَ أَخَوَانِ قَدْ
يَعْرِفَانِ مَا يَبْحَثُ عَنْهُ.
أَخَذَ
الحَكِيمُ وُجْهَتَهُ نَحْوَ الجَبَلِ، وَوَاصَلَ السَّيْرَ حَتَّى قَارَبَ
الغُرُوبَ، فَبَلَغَ بَيْتَيْنِ صَغِيرَيْنِ فِي أَعْلَى السَّفْحِ. دَلَفَ إِلَى
البَيْتِ الأَوَّلِ، فَوَجَدَهُ مَهْجُورًا، مُتَهَالِكًا، مُبَعْثَرَ الأَثَاثِ،
وَأَمَامَهُ رَجُلٌ عَجُوزٌ، مُنْكَسِرُ الظَّهْرِ، قَدْ بَدَتْ عَلَيْهِ آثَارُ
السِّنِينَ كَالشَّاهِدِ عَلَى عَجْزِ الإِنْسَانِ أَمَامَ الزَّمَنِ. سَلَّمَ
عَلَيْهِ الوَزِيرُ، فَرَدَّ العَجُوزُ السَّلامَ، وَطَلَبَ الوَزِيرُ مِنْهُ
المَبِيتَ حَتَّى الصَّبَاحِ. لَكِنْ مِنْ خَلْفِ الجُدْرَانِ، ارْتَفَعَ صَوْتُ
زَوْجَةِ العَجُوزِ قَائِلَةً: "لَيْسَ لَدَيْنَا مَكَانٌ لِلضُّيُوفِ،
اِبْحَثْ عَنْ مَلَاذٍ آخَرَ." خَفَضَ العَجُوزُ رَأْسَهُ بِأَسًى
وَاعْتَذَرَ، فَاسْتَأْذَنَ الوَزِيرُ وَأَكْمَلَ طَرِيقَهُ.
تَوَجَّهَ
الحَكِيمُ إِلَى البَيْتِ الثَّانِي، فَكَانَ كَأَنَّهُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ
نَظَافَةً وَبَهَاءً، وَأَمَامَ الدَّارِ وَقَفَ شَابٌّ فِي مُقْتَبَلِ العُمُرِ،
جَمِيلُ الطَّلْعَةِ، مُشْرِقُ الوَجْهِ، قَدْ أَقْبَلَ عَلَى الحَكِيمِ
بِحَفَاوَةٍ، وَرَحَّبَ بِهِ تَرْحِيبًا دَافِئًا، ثُمَّ نَادَى عَلَى زَوْجَتِهِ
قَائِلًا: "لَدَيْنَا ضَيْفٌ عَزِيزٌ." فَأَقْبَلَتْ زَوْجَتُهُ
بِابْتِسَامَةٍ وَضَّاءَةٍ، وَرَحَّبَتْ بِالحَكِيمِ أَجْمَلَ التَّرْحِيبِ،
وَجَهَّزَتْ لَهُ مَكَانًا لِيَرْتَاحَ فِيهِ وَيَنَامَ.
فِي
الصَّبَاحِ، سَأَلَ الحَكِيمُ الشَّابَّ عَنْ سِرِّهِ، مُتَعَجِّبًا:
"أَيُّهَا الشَّابُّ، كَيْفَ تَبْدُو فِي صِحَّةٍ وَنَضَارَةٍ، بَيْنَمَا
أَخُوكَ قَدْ بَلَغَ مِنَ الهَرَمِ مَا بَلَغَ؟" ضَحِكَ الشَّابُّ وَقَالَ:
"يَا أَيُّهَا الحَكِيمُ، لَسْتُ شَابًّا كَمَا تَظُنُّ، بَلْ إِنِّي
أَكْبَرُ مِنْ أَخِي العَجُوزِ بِعِشْرِينَ عَامًا." ذُهِلَ الحَكِيمُ
وَقَالَ: "إِذًا مَا سِرُّكَ؟ وَكَيْفَ أَبْقَيْتَ عَلَى شَبَابِكَ
وَنَضَارَتِكَ؟ سَأَمْنَحُكَ مَا تَشَاءُ إِنْ أَخْبَرْتَنِي بِحَقِيقَةِ هَذَا
السِّرِّ!"
اِبْتَسَمَ
الشَّابُّ، وَقَالَ: "يَا أَيُّهَا الحَكِيمُ، سَأُخْبِرُكَ سِرَّ بَقَائِي
شَابًّا، لَكِنْ بَعْدَ أَنْ نَقْتَاتَ قَلِيلًا." هَيَّأَ الشَّابُّ
وَزَوْجَتُهُ لِلطَّعَامِ، وَجَلَسُوا تَحْتَ ظِلَالِ شَجَرَةٍ تَنْحَدِرُ عَلَى
الوَادِي، حَيْثُ الهَوَاءُ عَلِيلٌ، وَالأَنْسَامُ نَدِيَّةٌ. وَمَا إِنْ
فَرَغُوا مِنَ الطَّعَامِ حَتَّى قَالَ الشَّابُّ لِزَوْجَتِهِ: "يَا
عَزِيزَتِي، اِذْهَبِي إِلَى الوَادِي وَأَحْضِرِي لَنَا بَطِيخَةً
نَاضِجَةً." أَسْرَعَتِ الزَّوْجَةُ، وَبَعْدَ سَاعَةٍ عَادَتْ
بِالبَطِيخَةِ. تَفَحَّصَهَا الشَّابُّ، ثُمَّ قَالَ: "هَذِهِ غَيْرُ
نَاضِجَةٍ، عُودِي وَأَحْضِرِي غَيْرَهَا." فَانْطَلَقَتِ الزَّوْجَةُ دُونَ
تَذَمُّرٍ، وَبَعْدَ سَاعَةٍ عَادَتْ بِبَطِيخَةٍ أُخْرَى، لَكِنَّ الشَّابَّ
قَالَ ثَانِيَةً: "مَا زَالَتْ غَيْرَ نَاضِجَةٍ، اِذْهَبِي مَرَّةً
أُخْرَى." فَابْتَسَمَتِ الزَّوْجَةُ بِرَحَابَةِ صَدْرٍ، وَذَهَبَتْ لِلْمَرَّةِ
الثَّالِثَةِ.
حِينَما
عَادَتْ، قَالَ الشَّابُّ لِلْوَزِيرِ: "يَا أَيُّهَا الحَكِيمُ، أَتَدْرِي
أَنَّ هَذِهِ البَطِيخَةَ هِيَ ذَاتُهَا الَّتِي ذَهَبَتْ لِتُحْضِرَهَا فِي كُلِّ
مَرَّةٍ؟" أَبْدَى الحَكِيمُ دَهْشَتَهُ، فَقَالَ الشَّابُّ: "إِنَّ
سِرَّ شَبَابِي هُوَ هَذِهِ الزَّوْجَةُ الصَّالِحَةُ، فَهِيَ لَمْ تُظْهِرْ
ضِيقًا، وَلَمْ تُبْدِ تَذَمُّرًا، بَلْ كَانَتْ مَعِي فِي كُلِّ حَالٍ، صَبُورَةً
وَدُودَةً، تُقَدِّرُنِي وَتَحْتَرِمُنِي. لَقَدْ وَهَبَتْنِي الرَّاحَةَ
وَهُدُوءَ البَالِ، فَكَانَ شَبَابُهَا وَشَبَابِي سِرًّا فِي عَلاَقَتِنَا. إِنَّ
السَّعَادَةَ لا تُبَاعُ فِي الأَعْشَابِ وَلا تُشْتَرَى بِالأَدْوِيَةِ، بَلْ
تُغْرَسُ فِي القَلْبِ بِالمَوَدَّةِ وَالحَنَانِ، وَتَصْنَعُهَا الزَّوْجَةُ
الصَّالِحَةُ فِي بَيْتِهَا، فَتَهَبُ صَاحِبَهَا عُمْرًا فَوْقَ العُمْرِ، وَشَبَابًا
لا يَهْزِمُهُ الزَّمَنُ."
عَادَ الحَكِيمُ إِلَى الأَمِيرِ وَقَصَّ عَلَيْهِ مَا جَرَى، وَقَالَ لَهُ: "إِنْ وَجَدْتَ قَلْبًا يَفِيضُ بِالمَحَبَّةِ، وَرُوحًا تَمْتَلِئُ بِالعَطَاءِ، فَإِنَّكَ قَدْ مَلَكْتَ سِرَّ الشَّبَابِ، وَدَوَاءَ الخُلُودِ.
قصة وحكمة: الفئران التي أكلت الحديد
نوادر العرب: الحمّال الذي أصبح والياً
قصة أُسطورة: زيوس وهيرا: صراع الآلهة
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق