الدَّوَاءُ السِّحري
في قديمِ الزمانِ، وفي أطرافِ بلدةٍ تُدعى غوجامَ، كانتْ هناكَ امرأةٌ يكتنفُها الحزنُ ويتملَّكها الهمُّ، فقدْ تبدَّلتْ محبَّةُ زوجِها نحوَها، وانقلبتْ مودَّتُهُ قسوةً وجفاءً، بعدَ أن كانتْ أيَّامُ زواجِهِما الأولى مليئةً بالودادِ والمودَّةِ.
كانَ
في البدايةِ لطيفًا رقيقًا، يُهديها ما خَفَّ وزنُه وغَلا ثمنُه، يجلبُ لها منَ
السوقِ بضاعةً بديعةً، ويَبثُّ في قلبِها السَّعادةَ. ولكنَّهُ بعدَ حينٍ تغيَّر،
وصارَ يأتي إلى البيتِ متأخِّرًا بحُججٍ لا تفتأُ تتجدَّد؛ مرَّةً يقولُ إنَّه
كانَ يَقطعُ الحَطبَ، وأُخرى يَدَّعي أنَّه كانَ يزورُ الحقلَ. لم يَعُدْ يمدُّ
إليها يَدًا بالهدايا، بل أَغفلَ عن شراءِ حتى أبسطِ ما كانتْ تتلهَّفُ له، ولم
يَعُدْ يُثني على طعامِها، بل صارَ يَنتقدُه بمرارةٍ ويشتكي من قِلَّةِ نكهتِه.
راحَتْ
تلكَ المرأةُ تُكابِدُ هذا الجفاءَ، وقد أرهقَتْها الوحدةُ والحنينُ، وأخذَتْ
تُفكِّرُ مَلِيًّا في كَيفيَّةِ استعادةِ حُبِّه واهتمامِه. تذكَّرَتْ أنَّ شيخًا
حكيمًا يُقيمُ قريبًا من قريتِها، يُقالُ إنَّه ضَليعٌ في أسرارِ التَّمائمِ
وقراءةِ الكُتُبِ، فحدَّثَتْ نفسَها قائلةً: "ربَّما أَجِدُ عندَهُ دواءً يُعيدُ
زوجي كما كان، مُحبًّا وحَنونًا!"
وذاتَ
صباحٍ مُشرِقٍ، شقَّت طريقَها نحوَ بيتِ الشيخِ الحكيمِ. دخلَتْ عليه وشرَحَتْ له
قِصَّتَها بمَزيجٍ منَ الخَجلِ والرَّجاءِ، فأصغى إليها طويلًا، ولمَّا انتهَتْ،
سَكَتَ لحظةً ثمَّ قالَ لها: "يا بُنيَّتي، سأُعطيكِ دواءً يُعيدُ زوجكِ إلى
ما كانَ عليه، لكنْ لتَصنعيهِ يَجبُ أنْ تَحضري لي ثلاثَ شَعراتٍ من شاربِ أَسَدٍ
حيٍّ، وإيَّاكِ أنْ تَستخِفِّي بالمَهَمَّةِ، فهي ليستْ باليسيرةِ!"
ارتعَدَتِ
المرأةُ قائلةً: "ثلاثَ شَعراتٍ من شاربِ أَسَدٍ حيٍّ! كَيفَ لي أنْ أبلغَ
هذا؟ وكيفَ لي أصلًا أنْ أَجِدَ أَسَدًا؟"
أجابَها
الشيخُ مبتسِمًا: "سمِعتُ من فَلَّاحينَ في الأراضي المُنخفِضةِ أنَّ هناكَ
أَسَدًا يَتردَّدُ على النَّهرِ أسفلَ الوادي، لعلَّكِ تجدينَ ضالَّتَكِ هناكَ."
أخَذَتِ
المرأةُ نفسَها وقالتْ: "كيفَ سأتقرَّبُ من أَسَدٍ مُفترِسٍ؟ وكيفَ سَأغريهِ
حتى أقتربَ منه؟" لكنَّ الشيخَ اكتفى بالصَّمتِ، وقالَ لها: "أنا حكيمٌ
في أسرارِ الطِّبِّ والسِّحرِ، لا أسرارِ الأُسودِ."
عادَتْ
إلى بيتِها وأمضَتْ ليلَها في تفكيرٍ عَميقٍ، حائِرةً بينَ الخوفِ والرَّجاءِ،
لكنَّها عَزَمَتْ أنْ تَسيرَ على دَربِ الحَكيمِ. وفي اليومِ التالي، نَزلَتْ إلى
ضِفافِ النَّهرِ، تَحمِلُ سَلَّةً مَلِيئةً باللَّحمِ. وضَعَتِ اللَّحمَ فوقَ
صَخرةٍ، وعِندَما سمِعَتْ زَئيرَ الأسدِ يَدوي من بعيدٍ، فَرَّتْ راكِضةً.
وفي
اليومِ الذي يَليهِ، عادَتْ إلى نَفسِ المكانِ، وضَعَتِ اللَّحمَ ذاتَهُ فوقَ
الصَّخرةِ، ولكنَّها هذهِ المرَّةَ اختَبَأتْ خَلفَ شَجَرةٍ قريبةٍ. رَأَتهُ
يَقتربُ بُطيءَ الخَطواتِ، يَنفضُ عَفْرَته، ويَزمجِرُ بصَوتِه الرَّهيبِ. نَظَرَ
حولَهُ، ثمَّ انقَضَّ على اللَّحمِ وافتَرَسَهُ بنَهمٍ، ولَمَّا انتهَى، عادَ
بهدوءٍ، فهرَعَتْ هي إلى بَيتِها فَرِحةً بأنَّها لم تُصَبْ بأذًى.
وعلى
مَدى أَيَّامٍ، استمرَّتْ بزيارةِ النَّهرِ، تَضَعُ اللَّحمَ فوقَ الصَّخرةِ، وفي
كلِّ مرَّةٍ تَقتَرِبُ قليلًا منهُ، حتى باتَ الأسدُ يَأْلَفُ وجودَها، وعَيناهُ
تَشعَّانِ نَظَراتٍ هادئةً نحوَها. وفي يومٍ من الأَيَّامِ، قرَّرَتْ أنْ تتقدَّمَ
بِجُرأةٍ، واقتَرَبَتْ حتى جَلَسَتْ قُربَهُ، وراحَتْ تُطعِمُهُ بيدِها
المُرتَجِفَةِ قِطعًا منَ اللَّحمِ، حتى شَبِعَ ونَعِسَ، فامتدَّتْ يَدُها بِرِفقٍ
إلى شاربِه، وانتَزَعَتْ ثلاثَ شَعراتٍ دونَ أنْ يلحظَ.
لمْ
تُصَدِّقْ نَجاحَها، فقبَضَتْ على الشَّعراتِ بيدٍ مُرتَجِفَةٍ وهرَعَتْ عائدةً
نحوَ بَيتِ الشيخِ الحكيمِ، قائلةً: "أحضَرتُ لكَ ما طَلَبْتَ يا سيِّدي!"
نَظَرَ
إليها الشيخُ نَظْرَةَ إعجابٍ، وقالَ: "حَدِّثِيني كَيفَ استَطَعتِ نَيلَ هذا
الكَنْزِ من بَيْنِ أَنيابِ الأَسَدِ؟" فروَتْ لهُ قِصَّتَها بشجاعةٍ،
فَلَمَّا انتهَتْ، قالَ لها: "يا بُنيَّتي، ها أنتِ استَطَعتِ أنْ تُلَيِّني
طبعَ الأسدِ، وتَكسَبي مودَّتَهُ بشجاعةٍ وصبرٍ ولطفٍ. فما يَمنَعُكِ منْ أنْ
تَفعلي الشَّيءَ ذاتَهُ مع زَوجِكِ؟ املئي قَلبَهُ بمحبَّتِكِ، وأَحسِني إليهِ،
وسَيعودُ إليكِ حتمًا."
فَعادَتِ المرأةُ إلى بَيتِها وراحَتْ تَتَّبِعُ وَصيَّةَ الشَّيخِ، مَلأَتْ حَياتَها بالودِّ واللطفِ، وزَيَّنَتْ طعامَها بأشهى ما تبرَعُ بهِ يداها، وبَذَلَتْ من قَلبِها الحنانَ والعطفَ، حتى عادَ إليها زوجُها مُحبًّا، وعاشا معًا في سَعادةٍ وهَناءٍ.
قصة أسطورة: بروميثيوس: سارق النار وصانع البشر
نوادر العرب: اينة الملك والراعي الوفي
نوادر العرب: سرّ الشباب الدائم
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق