الجمعة، 29 نوفمبر 2024

• قصة وحكمة: حِصَانُ الحَرْبِ والطَّحَّانُ الحَكِيمُ

لِكُلِّ زَمَانٍ رِجَالَهُ

فِي سَالِفِ العَصْرِ وَالأَوَانِ، كَانَ هُنَاكَ حِصَانُ حَرْبٍ جَسُورٌ، شَهِدَ صَلِيلَ السُّيُوفِ وَنَقْعَ الغُبَارِ، وَرَأَى المَوْتَ يَرْقُصُ فِي سَاحَاتِ الوَغَى. كَانَ رَفِيقَ الفُرْسَانِ وَدِرْعَهُمْ، وَحَامِلَ لِوَاءِ النَّصْرِ حَيْثُمَا حَلَّ وَارْتَحَلَ.

لَكِنَّ الأَيَّامَ لَا تَدُومُ عَلَى حَالٍ، فَمَا لَبِثَ أَنْ اسْتُبْدِلَتْ قُوَّتُهُ وَهْجَهَا بِذُبُولٍ، وَشَبَابُهُ فُتُورًا. فَآلَ أَمْرُهُ إِلَى طَحَّانٍ فِي قَرْيَةٍ وَادِعَةٍ، حَيْثُ الحَيَاةُ تَدُورُ كَحَجَرِ الرَّحَى بِلَا تَوَقُّفٍ وَلَا مُفَاجَآتٍ.

رُبِطَ الحِصَانُ العَجُوزُ إِلَى رَحَى المَطْحَنَةِ، وَصَارَ يَدُورُ فِي حَلَقَةٍ مُفَرَّغَةٍ، يَطْحَنُ الحُبُوبَ لِيَقْتَاتَ بِهَا أَهْلُ القَرْيَةِ. وَبَيْنَمَا كَانَ يَدُورُ فِي صَمْتٍ ثَقِيلٍ، رَفَعَ رَأْسَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ وَتَنَهَّدَ بِأَنِينٍ شَجِيٍّ. قَالَ: "وَا حَسْرَتَاهُ! أَيْنَ أَيَّامُ المَجْدِ وَالهَيْبَةِ؟ أَيْنَ الهُتَافَاتُ الَّتِي كَانَتْ تَعْلُو بِاسْمِي، وَأَيْنَ السَّاحَاتُ الَّتِي شَهِدَتْ وُقُوفِي كَالطَّوْدِ الأَشَمِّ؟ أَهَذَا مَصِيرِي بَعْدَ أَنْ كُنْتُ سَيْفًا لِلْحَقِّ؟ أَهَذَا جَزَاءُ البُطُولَةِ؟ أَنْ أُصْبِحَ أَسِيرَ هَذِهِ الرَّحَى الكَالِحَةِ؟".

سَمِعَهُ الطَّحَّانُ، وَكَانَ شَيْخًا نَابِهًا لَا تَفُوتُهُ زَفَرَاتُ المَكْلُومِينَ. اقْتَرَبَ مِنْهُ، وَعَلَى وَجْهِهِ ابْتِسَامَةٌ مَزِيجٌ مِنَ الحَنُوِّ وَالحِكْمَةِ، وَقَالَ: "يَا رَفِيقَ المَجْدِ الغَابِرِ، كُلُّ مَخْلُوقٍ تُقَلِّبُهُ الأَيَّامُ كَمَا تُقَلِّبُ الرِّيَاحُ السُّفُنَ فِي البَحْرِ. كُنَّا فِي شَبَابِكَ نَحْتَاجُ قُوَّتَكَ وَسَطْوَتَكَ، وَاليَوْمَ نَحْتَاجُ صَبْرَكَ وَمُثَابَرَتَكَ. إِنَّمَا الحِكْمَةُ أَنْ تَقْبَلَ مَا يُسَاقُ إِلَيْكَ، فَإِنَّمَا الحَيَاةُ دُوَلٌ وَأَطْوَارٌ".

أَطْرَقَ الحِصَانُ مَلِيًّا، وَأَحَسَّ أَنَّ كَلِمَاتِ الطَّحَّانِ قَدْ مَسَّتْ وَتَرًا خَفِيًّا فِي نَفْسِهِ. فَمَا كَانَتْ شَكْوَاهُ إِلَّا رَجْعَ صَدًى لِرَفْضِهِ مَا لَا مَفَرَّ مِنْهُ. عَادَ إِلَى العَمَلِ، يَدُورُ حَوْلَ الرَّحَى لَا بِكَآبَةِ المُنْكَسِرِ، بَلْ بِرِضَى المُسْتَسْلِمِ لِمَقَادِيرِ السَّمَاءِ، فَقَدْ عَلِمَ أَنَّ لِكُلِّ زَمَانٍ رِجَالَهُ، وَلِكُلِّ طَوْرٍ مَقَامَهُ.

وَهَكَذَا، مَضَى الحِصَانُ فِي رِحْلَتِهِ الجَدِيدَةِ، يَدُورُ لَيْسَ بِجَرِّ قَدَمَيْهِ فَقَطْ، بَلْ بِعَجَلَةِ الفَهْمِ وَالقَبُولِ.

إقرأ أيضاً:

قصة للأطفال: الخنازير الثلاثة الصغار

قصة وحكمة: البلوط واليقطينة

قصة وحكمة: التاجر والحمار

نوادر العرب: الرجل الحكيم بائع السعادة

قصة مَثَل: جَوِّع كلبك يَتبَعك

قصة للأطفال: سيرين والأنسولين

قصة وحكمة: الفلاح وشجرة التفاح

قصة وحكمة: الفلاح والثعبان

قصة وحكمة: التاجر الجشِع

قصة وحكمة: المصباح المغرور

للمزيد            

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً 

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق