الأحد، 17 نوفمبر 2024

• نوادر العرب: الرجل الحكيم بائِع السعادة

التسامح هو الفوز الحقيقي

في قديم الزمان، وفي مدينة يكتنفها الحزن وتغشى وجوه أهلها غمامة الكآبة، حيث تسود الآهات وتنطق الشكوى، بدا وكأن الحياة نفسها تخبئ الفرح عنهم. تَأَمَّلَ الحكيم سليمان حالهم بحزن وقال: "ربما يبحثون عن السعادة وهي قريبة، وربما يسعون وراء النور وهو حاضر بينهم". وبعد تفكير عميق، اتخذ قرارًا غير اعتيادي: أن يفتتح دكانًا يعرض فيه السعادة للبيع!

لكن السعادة، يا كرام، أهي سلعة تُباع؟ أم هي كنز يُشترى؟

افتتاح الحانوت

نصب الحكيم دكانه في وسط السوق، وزينه بلوحة كتب عليها: "هنا تُباع السعادة بلا ثمن". ظنّ الناس أن الأمر هزل أو ضربٌ من خيال، فلم يأتِ أحدٌ، ولم يُفتح باب الحانوت.

وفي مساءٍ مهيب، وقف سليمان أمام الحانوت ونادى بصوتٍ صدح في أرجاء المدينة:
"
يا من أضناهم الحزن، تعالوا إلى دواء الصدر وجلاء الروح! تعالوا فالسعادة هنا بلا مال ولا زاد. إن أُغلِق بابٌ، فُتِحت ألف نافذة للرجاء."

السبعة أصحاب المصائب

تقدّم إليه سبعة رجال، كلٌّ يحمل في صدره همًّا، ويعتقد أن مصيبته هي الأعظم في الأرض، وأنه أتعس البشر جميعًا. جَمَعَهم الحكيم في الحانوت، قدّم لهم الشاي، وقال: "قصّوا عليّ مصائبكم، ولينصت كل منكم للآخر. فلعلّ في السماع شفاء، وفي الحديث راحة."

الرجل الأول: زوجة بلهاء

قال الأول: "مصيبتي زوجتي التي تفسد كل شيء! تحرق الطعام، وتنسى الأبواب مفتوحة، حتى طارت عصافيري المحبوبة! وفوق هذا، حين أعطيتها مالًا لشراء مستلزمات العيد، سلمته لبائع سجاجيد يدّعي أن اسمه عيد، واشترت منه سجادة بالية!

أصبحت حياتي معها سوداء، فلا أستطيع طلاقها لأنها بلا سند، ولا أستطيع احتمال غبائها أكثر. فما العمل؟"

ابتسم الحكيم وقال:
"
يا هذا، ما من بلاء يخلو من نور. زوجتك، وإن نقصها الفطنة، فلا شكّ أنها تحمل في قلبها صفات طيبة. فابحث عنها بحب وصبر. فإن كانت تخفق في أمور الدنيا، قد تعوّضها في المودة أو الحنان. بالصبر ينكشف الجمال، وبالحب تُفتح أبواب السعادة."

الرجل الثاني: بنات بلا ولد

قال الثاني بحزن: "أنا أبو البنات الأربع، زوجتي ماتت وتركتني وحدي. يسخر أخي مني قائلًا: ما نفع البنات؟ من يعينك؟ من يفلح الأرض معك؟ أعيش شقاءً، أطعم أفواهًا عاطلة وأحمل همومًا ثقيلة."

ردّ عليه الحكيم برفق:
"
أيها الرجل، لو علمت ما في البنات من بركة، لفرحت بما وهبك الله. اجعل بناتك يساعدنك، فالعمل حياة. والبنت إذا رُبِّيت على العطاء، كانت خير سند، وربما أنفع من ولد يخدع أخاه. ازرع معهن أرضك، وسترى أنهن غراس السعادة في حياتك."

الرجل الثالث: الحسد القاتل

وقف الثالث بوجهٍ شاحب وقال: "مصيبتي الحسد. لا أفرح إلا لمصائب الناس، ولا أهنأ بنعمي لأنني دائم النظر لما في أيدي الآخرين. هجرتني الجيران، وهجرني حتى أولادي، رغم أنني غني. سئمت نفسي، وأبحث عن سعادتي الضائعة."

قال له الحكيم:
"
يا هذا، إنما السعادة تنبع من الحب. اجعل مالك سبيلًا لإسعاد الناس، فالعطاء كنز لا يفنى. احبب للناس الخير كما تحبه لنفسك، وسترزق حبهم، ويعود الدفء إلى قلبك. من يعطي بصدق، يسود ويهنأ."

الرجل الرابع: الجهل عدو النفس

تقدّم الرابع، قوي البنية، وقال: "أنا البطل الذي صرع الرجال وجمع المال، لكنني أجهل العلم. أخي العالِم يُضيء بنوره، وأنا في ظلام جهلي. الآن، وقد شاخت قوتي ونفد مالي، أعيش حسرات على ما ضيعت."

رد الحكيم:
"
يا صاحب القوة، العِلم لا سنّ له، ولا وقت يفوته. اطلب العلم الآن، وابحث عن المعرفة. فكل يومٍ تعيشه فرصة جديدة. اجمع بين العمل والعلم، تجد السعادة تغمرك."

الرجل الخامس: إفشاء الأسرار

قال الخامس: "مصيبتي لساني! أفشيت سرًّا عظيمًا أودى برزقي. كنت أعيش على كرم سمكة مباركة، ترزقني كيس نقود يوميًا شرط ألا أخبر أحدًا. لكنني لم أستطع كتمان الأمر، فضاع كل شيء.

رد الحكيم باسماً:
"
يا هذا، ما جاء بلا تعبٍ لا يُدرك قدره. ابدأ من جديد. أصلح مركبك، واصنع شباكًا قوية. ستجد السعادة في العمل، كما يجد الصياد لذة في صيده."

الغلام الصغير والكذب

جاء غلام صغير وقال: "مصيبتي الكذب. كنت أختلق الأكاذيب وأبني قصورًا من أوهام، حتى فقد الجميع ثقتهم بي. والآن، حتى عندما أقول الصدق، لا يصدقني أحد."

قال له الحكيم برفق:
"
أيها الفتى، الصدق طريق طويل، لكنه مضمون. التزم به، وسيرى الناس أنك تغيّرت. حينها، سيعود لك احترامهم وثقتهم. المثابرة مفتاح السعادة."

الرجل السابع: الظلم العادل

أما السابع، فحكى قصته المثيرة: "أنا الأب الذي حُكم عليه بالظلم لأنه حمى أصغر أبنائه من استغلال أخويه. ظن الناس أنني حرمته حقه، لكن قلبي يتقطع من فراقه بعدما قرر الرحيل عني."

قال له الحكيم:
"
يا هذا، لقد اخترت طريق العدالة، ولو أظهر للناس ظلمًا. الأيام كفيلة بأن تكشف الحقيقة، وسيعود ابنك، وسترى أن تضحيتك كانت سبيلًا للسعادة."

الحكمة الخالدة

سألهم الحكيم أخيرًا: "هل تريدون تبديل مصائبكم بمصائب غيركم؟" فأجابوا جميعًا:
"
لا والله، قد رأينا أن في كل مصيبة خيرًا، وأن السعادة ليست خلو الحياة من الألم، بل في الصبر على البلاء والعمل لإصلاحه."

وهكذا، علّمهم الحكيم سليمان أن السعادة ليست حلمًا بعيدًا، بل هي نور يسكن القلوب، لمن عرف كيف يُضيء شعلته.

إقرأ أيضاً:

قصة وعبرة: الرجل العجوز وحفيده

قصة وعبرة: زوجة الخبّاز

قصة للأطفال: صديقي الأسد

قصة للأطفال: الخياط والفأر

قصة وحكمة: العنزة والحمار

للمزيد            

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً 

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق