الوفاء يُكافأ والجحود يُعاقب
في غابِرِ الأيّامِ، كانَ لأَحَدِ الجُنودِ حِصانٌ وُصِفَ بالوَفاءِ والجَلَدِ، رَفيقًا لَهُ في ساحاتِ الوَغى وأَزمنةِ البَأسِ. كانَ الجُنديُّ يَتَّخِذُ مِنَ الحِصانِ ظِلَّهُ الّذي يَأنَسُ إليهِ، فَكانَ يَسقيهِ صَفوةَ الماءِ ويَمنَحُهُ أَلَذَّ الشوفانِ والعَلفِ، ويَعتَني بِجِلدِهِ حتّى صارَ لَمَعانُهُ يَزهُو كَالمَرايا، وَظَهرُهُ يَتَّقِدُ كَجَبينِ المَجدِ. وحينَما تُنادي الحَربُ، كانَ الحِصانُ يَصْهَلُ في الحِمى، ويَندَفِعُ بَلا وَجلٍ يَحمِلُ فارِسَهُ بِجَبَروتٍ، لا يَعرِفُ للعَودةِ سَبيلاً إِلّا بَعدَ أن تُسْدَلَ سَتائِرُ النَّصرِ.
لَكِنْ،
ما إنْ وَضَعَتِ الحَربُ أوزارَها، وانقَلَبَ الجُندُ إلى دِيارِهِم، حتّى
تَبدَّلَ الحالُ، وتَحوَّلَتِ المودَّةُ إلى إهمالٍ. نَسيَ الجُنديُّ فَضلَ
حِصانِهِ، وصارَ يُعامِلُهُ كَمَن يَنسى عَطاءَ السِّنينِ، فَانقَلَبَ الشوفانُ
الرَّطْبُ إلى تِبنٍ جافٍّ، وأضحى الفَرسُ، الّذيِ اعتادَ أن يَحمِلَ سيّدَهُ في
العِراكِ، يُثْقَلُ بِصُرَرِ الأَحمالِ مِنَ الفَجرِ حتّى غَسَقِ اللّيلِ، لا
يَجِدُ فُسحةً مِنَ الرّاحةِ ولا قَطْرَةً مِنَ الإكرامِ.
ومَرَّتِ
الأيّامُ تِلوَ الأيّامِ، وصارَتْ أَسابيعُ تَمضي، ثُمَّ أَشهُرٌ تَجرُّ نَفسَها
بِبُطْءٍ ثَقيلٍ. وكُلّما مَرَّ الزّمنُ، اشتدَّتْ وَطأةُ الإهمالِ على ذلِكَ
الحِصانِ، فَذَهبَ رَونَقُهُ وانْحَنى ظَهرُهُ، واشْتَعَلَ الهُزالُ في عِظامِهِ
حتّى صارَ هَيْكَلًا واهِنًا، لا يَقوَى على حَمْلِ شيءٍ، ولا يَشتاقُ لأيِّ
نِداءٍ.
وذاتَ
يَومٍ، دُقَّتْ طُبولُ الحَربِ مِن جديدٍ، وأُعلِنَ النَّفيرُ، فاشْتَعَلَ حَماسُ
الجُنديِّ مَرّةً أُخرى، وعادَ إليهِ شَوقُهُ للقِتالِ. فأخْرَجَ سِلاحَهُ
القَديمَ، وامْتَطى حِصانَهُ الّذي باتَ ظِلُّهُ مُمَزَّقًا مِن وَطأةِ السِّنينِ.
أَثقَلَ ظَهرَ الحِصانِ بِدِرعِ الحَديدِ، ووَضَعَ عليهِ سَيفَهُ وتُرسَهُ، كَمَن
يَنسى ما مَضى مِن شَقاءٍ وعَنتٍ. لَكِنّهُ، ما إن هَمَّ بالمَسيرِ، حتّى خَرَّ
الحِصانُ تَحتَ وَطأةِ الحِملِ عاجِزًا، لا يَقوى على النُّهوضِ، كَمَن
أَفقَدَتْهُ الحَياةُ حَيويّتَهُ وجَبَروتَهُ.
تَأمَّلَ
الحِصانُ سيّدَهُ بِنَظْرَةٍ خافِتةٍ، وقالَ بِنَبرةٍ مُفعَمَةٍ بِالألَمِ
والحِكْمَةِ: "
أيُّها الفارِسُ، قد سَنَدتُ نفسي على قوّتي حينما
نادَتْكَ السهولُ، وسِرْنا معًا في مَتاهاتِ المَوتِ، كَتفًا إلى كَتفٍ، لا نهابُ
الخَطْبَ ولا نَتراجعُ، ولَكِنّكَ بِعْتَني حينَ اشتدَّتْ حاجَتي إليكَ. فاليَومَ،
لَن أَقْدِرَ أن أَحْمِلَكَ إلى الحَتْفِ كَما مَضى، فقد حَوَّلْتَني مِن صَهوةٍ
عالِيَةٍ إلى شَبَحٍ مُتداعٍ، وما عادَ فيّ ما يَشُدُّكَ إلى ساحاتِ المَعارِكِ.
سِرْ وَحدَكَ، فإنّكَ أَنْسَيْتَني العِزَّ وأَضَعْتَني بَيْنَكَ وبَيْنَ فَظاظَةِ
الزَّمانِ."
وَقَفَ
الجُنديُّ هُناكَ، وقد تَملَّكَهُ الصَّمْتُ، مُدرِكًا أنَّ الزَّمانَ لا يَرحَمُ،
وأنَّ الصَّديقَ الّذي يَنْساهُ سيّدُهُ عندَ السَّلامِ، لَنْ يَعودَ يَقوَى على
خَوْضِ مَعارِكِ الحَربِ.
قصة وحكمة: الراعي والماعز البري
قصة وحكمة: الدبابير والحجل والمزارع
قصة وحكمة: صيّاد الطيور وصيّاد السَّمك
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق