فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ، حَيْثُ كَانَتِ الْمَمَالِكُ تُحْكَمُ بِقَبْضَةٍ مِنْ حَدِيدٍ، عُرِفَ أَحَدُ مُلُوكِ حِمْيَرَ بِقَسْوَتِهِ الشَّدِيدَةِ وَظُلْمِهِ الْبَالِغِ لِرَعِيَّتِهِ. كَانَ هَذَا الْمَلِكُ يَرَى فِي الْقُوَّةِ وَالْجُوعِ سَبِيلًا لِإِخْضَاعِ النَّاسِ، وَكَانَ شِعَارُهُ الَّذِي يَتَرَدَّدُ عَلَى لِسَانِهِ: "جَوِّعْ كَلْبَكَ يَتْبَعْكَ".
كَانَ
يَعْتَقِدُ أَنَّ بَقَاءَ رَعِيَّتِهِ فِي حَالَةٍ مِنَ الْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ
سَيَضْمَنُ وَلَاءَهُمْ وَخُضُوعَهُمْ لَهُ. هَذَا الْفِكْرُ الْقَاسِي جَاءَ
تَحْذِيرًا لَهُ مِنْ كُهَّانِ مَمْلَكَتِهِ الَّذِينَ أَخْبَرُوهُ أَنَّ
الرَّعِيَّةَ قَدْ تَنْقَلِبُ عَلَيْهِ يَوْمًا، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَسْخَرُ مِنْ
نُبُوءَاتِهِمْ، مُؤْمِنًا بِأَنَّ الْجُوعَ كَفِيلٌ بِكَسْرِ شَوْكَتِهِمْ.
كَانَتْ
زَوْجَةُ الْمَلِكِ هِيَ الْوَحِيدَةُ الَّتِي حَاوَلَتْ نُصْحَهُ، مُشِيرَةً
إِلَى الْفَجْوَةِ الشَّاسِعَةِ بَيْنَ حَيَاةِ التَّرَفِ الَّتِي يَعِيشُهَا هُوَ
وَأُسْرَتُهُ، وَالْحَيَاةِ الْبَائِسَةِ الَّتِي يَعِيشُهَا شَعْبُهُ.
وَلَكِنَّهَا لَمْ تَلْقَ مِنْهُ سِوَى التَّهَكُّمِ وَالِازْدِرَاءِ، إِذْ كَانَ
يَرُدُّ عَلَيْهَا دَوْمًا: "جَوِّعْ كَلْبَكَ يَتْبَعْكَ".
وَذَاتَ
يَوْمٍ، قَرَّرَ الْمَلِكُ إِرْسَالَ جَيْشِهِ فِي غَزْوَةٍ طَمَعًا فِي
الْمَزِيدِ مِنَ الْغَنَائِمِ. وَلَكِنَّهُ، وَكَعَادَتِهِ، لَمْ يَمْنَحْ
جُنُودَهُ أَيَّ نَصِيبٍ مِمَّا حَصَلُوا عَلَيْهِ، رَغْمَ أَنَّهُمْ بَذَلُوا
دِمَاءَهُمْ لِتَحْقِيقِ النَّصْرِ. رَجَعَ الْجُنُودُ إِلَى دِيَارِهِمْ
وَقُلُوبُهُمْ تَفُورُ بِالْغَضَبِ وَتَغْلِي بِالْحَنَقِ، فَوَجَدُوا فِي أَخِ
الْمَلِكِ، الَّذِي كَانَ يَحْظَى بِبَعْضِ تَعَاطُفِهِمْ، حَلِيفًا مُحْتَمَلًا.
لَجَأُوا إِلَيْهِ وَقَالُوا لَهُ: "الْمُلْكُ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي
أُسْرَتِكُمْ، وَلَكِنَّ أَخَاكَ قَدْ أَمْعَنَ فِي ظُلْمِنَا". أَثَارَ حَدِيثُهُمْ فِي نَفْسِ
الْأَخِ رَغْبَةً فِي الِانْتِقَامِ مِنْ طُغْيَانِ شَقِيقِهِ، فَاتَّفَقَ
مَعَهُمْ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْهُ.
وَفِي
لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، اجْتَمَعَ الْجُنُودُ وَمَعَهُمْ أَخُو الْمَلِكِ،
وَهَاجَمُوا الطَّاغِيَةَ فِي قَصْرِهِ. اِنْتَهَتِ اللَّيْلَةُ بِدِمَاءٍ سَالَتْ
عَلَى عَرْشٍ كَانَ شَاهِدًا عَلَى قَسْوَةٍ لَا تَرْحَمُ. قَضَى الْمَلِكُ
نَحْبَهُ عَلَى يَدِ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُمْ سَيَظَلُّونَ أَوْفِيَاءَ لَهُ،
لِيَكُونَ عِبْرَةً لِمَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْجُوعَ وَحْدَهُ يَضْمَنُ
الْوَلَاءَ.
وَفِي
صَبَاحِ الْيَوْمِ التَّالِي، مَرَّ بِالْمَشْهَدِ عَامِرُ بْنُ جُذَيْمَةَ،
وَهُوَ حَكِيمٌ شَهِيرٌ، فَرَآهُ جُثَّةً هَامِدَةً بَعْدَ أَنْ كَانَ
مُتَجَبِّرًا عَلَى عَرْشِهِ. تَذَكَّرَ قَوْلَ الْمَلِكِ الْمَشْهُورَ "جَوِّعْ كَلْبَكَ
يَتْبَعْكَ"،
فَأَضَافَ إِلَيْهِ حِكْمَةً خَالِدَةً: "رُبَّمَا أَكَلَ الْكَلْبُ
مُؤَدِّبَهُ إِذَا لَمْ يَنَلْ شَبَعَهُ".
وَهَكَذَا،
اِنْتَقَلَ الْمَثَلُ مِنْ أَلْسِنَةِ الظَّالِمِينَ عَبْرَ الْأَجْيَالِ،
لِيُصْبِحَ دَرْسًا بَلِيغًا يُذَكِّرُ النَّاسَ أَنَّ الظُّلْمَ، وَإِنْ طَالَ،
لَا بُدَّ أَنْ يَرْتَدَّ عَلَى صَاحِبِهِ.
قصة وعبرة: الرجل العجوز وحفيده
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق