اللّذة في السعي
في غابِرِ الأَيَّامِ، بَيْنَمَا كانَتِ الشَّمْسُ تَسْتَعِدُّ لِلْغُرُوبِ في أُفُقِ الغَابَةِ، خَرَجَ صَيّادُ الطُّيُورِ مُحَمَّلًا بِمَا أَفَاءَ عَلَيْهِ يَوْمُهُ مِنْ طَرَائِدَ بَرِّيَّةٍ، يَسِيرُ بِخُطُواتٍ وئِيدَةٍ، ومَلامِحَ مُتْعَبَةٍ. وعلى الضَّفَّةِ الأُخْرَى مِنَ النَّهْرِ، كانَ هُناكَ صَيّادٌ آخَرُ، صَيّادُ الأَسْمَاكِ، قد أَنْهَى يَوْمَهُ بِخَيْرٍ وَفِيرٍ، يَحْمِلُ سَلَّةً ثَقِيلَةً تَفِيضُ بِالأَسْمَاكِ الطَّازَجَةِ الَّتِي اصْطَادَهَا مِنْ أَعْمَاقِ المِيَاهِ العَذْبَةِ.
اقْتَرَبَ
الصَّيّادانِ في لِقَائِهِمَا، وَامْتَدَّتْ أَعْيُنُهُمَا نَحْوَ صَيْدِ كُلٍّ
مِنهُما، فَاشْتَاقَتْ نَفْسُ كُلٍّ لِمَا لَدَى الآخَرِ، وَتَاقَتِ القُلُوبُ
إِلَى المَجْهُولِ المُسْتَتِرِ خَلْفَ تِلْكَ الأَطَايِبِ الغَرِيبَةِ
عَلَيْهِمَا. قالَ صَيّادُ الطُّيُورِ، مُلَوِّحًا بِحَقِيبَتِهِ: "مَا رَأْيُكَ
أَنْ نَتَبَادَلَ؟ فَأَنَا أَوَدُّ أَنْ أَذُوقَ مِنْ هَذَا السَّمَكِ مَا تَقَرُّ
بِهِ نَفْسِي وَيَهْدَأُ بِهِ خَاطِرِي." هَزَّ صَيّادُ السَّمَكِ رَأْسَهُ
وَقَدْ لَاحَتْ في عَيْنَيْهِ ذَاتُ الرَّغْبَةِ، ثُمَّ قالَ: "عَلَى
بَرَكَةِ اللهِ، فَقَدْ رَاوَدَنِي الفُضُولُ مُنْذُ أَمَدٍ لِأَتَذَوَّقَ مِنْ
لُحُومِ الطَّرَائِدِ البَرِّيَّةِ."
وَهَكَذَا،
تَبَادَلَا صَيْدَ يَوْمِهِمَا، وَقَدْ هَزَّتْ قَلْبَيْهِمَا نَشْوَةُ التَّجْرِبَةِ
الجَدِيدَةِ، وَعَبِقَتِ المَائِدَةُ بِنَفَحَاتٍ غَرِيبَةٍ مُبْهِرَةٍ لَمْ
يَأْلَفَاهَا مِنْ قَبْلُ. أَصْبَحَا يَتَبَادَلَانِ الصَّيْدَ في كُلِّ لِقَاءٍ،
لَذَّةً جَدِيدَةً عَلَى مَوَائِدِ كُلٍّ مِنْهُمَا.
لَكِنْ،
وَكَمِثْلِ أَيِّ شَيْءٍ تَعْتَادُهُ القُلُوبُ وَيَشِيعُ في النَّفْسِ، أَخَذَتْ
لَذَّةُ التَّبَادُلِ تَتَبَدَّدُ، وَخَفَتَتْ جَذْوَةُ اللهْفَةِ. مَضَتِ
الأَيَّامُ، فَبَدَأَ في قُلُوبِ الصَّيَّادَيْنِ نَدَمٌ خَفِيٌّ، وَأَحَسَّا
بِخُفُوتِ النِّدَاءِ الَّذِي كانَ يُسْعِدُهُمَا في صَيْدِ كُلٍّ لِحِسَابِهِ
الخَاصِّ. وَذَاتَ يَوْمٍ، وَقَدْ رَآهُمَا أَحَدُ الحُكَمَاءِ مِنْ
جِيرَانِهِمَا، اقْتَرَبَ مِنْهُمَا وَقَالَ كَمَنْ يَنْصَحُ وَيُذَكِّرُ:
"يَا صَاحِبَيَّ، إِنَّمَا يَجِدُ المَرْءُ في جُهْدِ كَفِّهِ رَاحَةً
وَسَعَادَةً، فَإِنْ وَاصَلْتُمَا عَلَى هَذَا المَنْوَالِ، فَإِنَّ الرَّغْبَةَ
سَتَتَلاشَى، وَسَتَمَلَّانِ مِمَّا لَمْ تَتْعَبَا عَلَيْهِ. إِنَّ صَيْدَ
المَرْءِ الَّذِي صَنَعَتْهُ يَدَاهُ أَحْلَى وَأَشْهَى، وَقَدْ تَفْتَقِدَانِ
ثَمَرَةَ صَبْرِكُمَا وَاجْتِهَادِكُمَا في حِرْفَتِكُمَا الأَصْلِيَّةِ."
تَأَمَّلَ
الصَّيَّادَانِ كَلِمَاتِ الحَكِيمِ، وَأَدْرَكَا أَنَّ لَذَّةَ الصَّيْدِ
لَيْسَتْ في تَبْدِيلِ الغَنَائِمِ، بَلْ في ذَلِكَ الجُهْدِ وَالبَذْلِ الَّذِي
يُحْيِي كُلَّ حِرْفَةٍ، وَيَجْعَلُهَا نِعْمَةً يَسْعَدُ بِهَا القَلْبُ.
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق