الجمعة، 21 يونيو 2024

• قصة مُخَيِّبَة: مذكَّراتُ جَحْشٍ

تَحَرُّر

لا أَتَذَكَّرُ طُفولَتِي كثيرًا، رُبَّما كُنْتُ تَعيسًا كَأَيِّ جَحْشٍ صغيرٍ آخر، جميلٍ، لَطيفٍ مِثْلَنَا جَميعًا، وبِكُلِّ تَأْكِيدٍ كانَ عَقْلي كبيرًا، بِما أنَّني مازِلْتُ حتى الآنَ - رَغْمَ شَيْخوخَتِي - أَعْقَلَ مِنْ زُمَلائِي. أَوْقَعْتُ أَسْيَادِي المَساكينَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ، الذينَ لَمْ يَكُونُوا إلّا بَشَرًا، وبِالتَّالي، لَمْ يَكُونُوا فِي ذَكاءِ جَحْشٍ.

سوف أَحْكِي لكم واحِدَةً مِنْ حِكاياتي مَعَهُم: البَشَرُ لا يَعْرِفونَ كُلَّ ما يَعْرِفُهُ الجُحوش، وأنْتُم الذينَ تَقْرَؤُونَ هَذِهِ السُّطُورَ، تَجْهَلُونَ - بَلا شَكٍّ - ما هُوَ مَعْروفٌ لِكُلِّ الجُحوشِ أَصْدِقَائِي: إنَّهُ يُقَامُ كُلَّ ثُلاثاءٍ سوقٌ كبيرٌ في مَدينةِ (لاجل) حَيْثُ تُباعُ الخَضْراواتُ، والزُّبْدُ، والبَيْضُ، والجُبْنُ، والفَواكِهُ، وأَشْياءٌ أُخْرَى رائِعَةٌ. 

هذا الثُّلاثاءُ كانَ يَوْمَ عَذابٍ لِزُمَلَائِي المَساكينِ وكانَ بِالنِّسبةِ لي أَيْضًا قَبْلَ أنْ تَشْتَرِينِي سَيِّدَتِي الطَّيِّبَةُ العَجوز، الجَدَّةُ الَّتي أُقِيمُ مَعَها الآن، كُنْتُ مَمْلوكًا لِامْرَأةٍ شِرِّيرةٍ كَثيرةِ الطَّلَباتِ، هَلْ تَتَخَيَّلُ يا سَيِّدِي الصَّغيرُ العَزيزُ أَنَّها مِنْ شِدَّةِ لُؤْمِها كانَتْ تَجْمَعُ كُلَّ البَيْضِ الَّذي تَضَعُهُ دَجاجاتُها، كُلَّ الزُّبْدِ والجُبْنِ الَّذي تُعْطِيهِ لَها أَلْبانُ أَبْقارِها، كُلَّ الخَضْراواتِ والفَواكِه الَّتي تَنْضُجُ خِلالَ الأُسْبوعِ، لِتَمْلأَ بِهِ سِلالَها الَّتي كانَتْ تَضَعُها فَوقَ ظَهْرِي. 

كُنْتُ مُثْقَلًا للغايةِ، بِحَيْثُ لا أَسْتَطِيعُ التَّقَدُّمَ إلّا بِصُعوبَةٍ، وكانَتْ هَذِهِ المَرْأَةُ الشِّرِّيرةُ تَجْلِسُ أَيْضًا فَوْقَ السِّلالِ وتُجْبِرُنِي عَلَى السَّيْرِ عَدْوًا مُتْعَبًا هَكذا، مُثْقَلًا، حتى سوقِ (لاجل) الَّذي كانَ في مَكانٍ ما مِنَ المَزْرَعة. كُنْتُ في جَميعِ المَرّاتِ في حالِ غَضَبٍ لا أَسْتَطِيعُ إِظْهارَهُ، لِأَنَّنِي كُنْتُ أَخْشَى مِنْ ضَرَباتِ العَصا، كانَتْ سَيِّدَتِي لَدَيْها واحِدَةٌ مَلِيئَةٌ بِالعُقَلِ، الَّتي كانَتْ تُؤْلِمُنِي بِشِدَّةٍ عِنْدَما كانَتْ تَضْرِبُنِي بِها. في كُلِّ مَرَّةٍ عِنْدَما كُنْتُ أَرَى وَأَسْمَعُ اسْتِعْداداتِ السوق، كُنْتُ أَتَنَهَّدُ، وَأَتَأَوَّهُ، بَلْ حتى كُنْتُ أَصْرُخُ بِقُوَّةٍ وَأَنْهَقُ لِأَسْتَعْطِفَ أَسْيادِي. 

كانُوا يَقُولُونَ لي حِينَ يَأْتُونَ في طَلَبِي: هَيّا، أَيُّهَا الكَسُولُ الكَبير، هَلْ سَتَسْكُتُ، حتى لا تَصُمَّ آذانَنا بِصَوْتِكَ القَبيحِ؟ هِي! ها! هِي! ها! نَهِيقُكَ موسيقىً جَميلَةٌ تُقَدِّمُها لَنا! (جول) يا صَغيرِي قَرِّبْ هذا الكَسولَ بِجِوارِ البابِ، حتى تَضَعَ أُمُّكَ الحِمْلَ عَلَى ظَهْرِهِ! هُنا سَلَّةُ بَيْضٍ، واحِدَةٌ أُخْرَى! الجُبْنُ، الزُّبْدُ... الخَضْراواتُ الآن! هذا جَيِّد! هاهي حُمُولٌ جَيِّدَةٌ سَتَعُودُ عَلَيْنا بِبَعْضِ قِطَعٍ مِنْ فِئَةِ الخَمْسَةِ فِرنك... (مارييت) ابْنَتِي أَحْضِرِي كُرْسِيًّا، حتى تَصْعَدَ والدَتُكِ عَلَيْهِ! جَيِّدٌ جِدًّا! هَيّا، رِحْلَةً سَعيدَةً، يا زَوْجَتِي، وَاجْعَلِي هذا الكَسُولَ يَسِير، خُذِي عَصاكِ، اضْرِبِيهِ.

  بَانْ! بَانْ! 

اِعْمَلِي مُدَاعَبَاتٍ أُخْرَى مِنْ هَذَا النَّوْعِ وَسَوْفَ يَسِيرُ. 

العَصَا لا تَكُفُّ عَنْ ضَرْبِ الكُلَى، السَّاقَيْنِ، الرَّقَبَةِ، كُنْتُ أُسْرِعُ، أَجْرِي تَقْرِيبًا، الفَلاَّحَةُ كَانَتْ تَضْرِبُنِي دَائِمًا. كُنْتُ أُعَامَلُ بِمُنْتَهَى الظُّلْمِ وَالقَسْوَةِ، كُنْتُ أُحَاوِلُ أَنْ أَرْفُسَ لِكَيْ أُلْقِيَ بِسَيِّدَتِي عَلَى الأَرْضِ، وَلَكِنَّنِي كُنْتُ مُحَمَّلًا للْغَايَةِ، لا أَسْتَطِيعُ سِوَى أَنْ أَعْدُوَ وَأَتَأَرْجَحَ يَمِينًا وَيَسَارًا. وَمَعَ ذَلِكَ كُنْتُ مَسْرُورًا لإِحْسَاسِي بِأَنَّهَا تَتَدَحْرَجُ. (جَحْشٌ شِرِّيرٌ! عَنِيدٌ! سَوْفَ أُصْلِحُكَ وَأَجْلِدُكَ بِالعَصَا). 

فِي الوَاقِعِ، كَانَتْ تَضْرِبُنِي بِشِدَّةٍ لِدَرَجَةِ أَنَّنِي كُنْتُ أَجِدُ مَشَقَّةً فِي السَّيْرِ حَتَّى المَدِينَةِ، وَأَخِيرًا كُنَّا نَصِلُ، فَيَرْفَعُونَ عَنْ ظَهْرِي المِسْكِينِ المُتَسَلِّخِ كُلَّ السِّلَالِ لِيَضَعُوهَا عَلَى الأَرْضِ، بَعْدَ أَنْ تَرْبُطَنِي سَيِّدَتِي فِي وَتَدٍ وَتَذْهَبَ لِلْغَدَاءِ، وَأَنَا الَّذِي أَتَضَوَّرُ جُوعًا وَعَطَشًا. 

لَمْ تَكُنْ تُقَدِّمُ لِي سِوَى قَلِيلٍ مِنَ العُشْبِ وَبَعْضٍ مِنَ المَاءِ. وَجَدْتُ وَسِيلَةً لِلاقْتِرَابِ مِنَ الخَضْرَاوَاتِ أَثْنَاءَ غِيَابِ الفَلاَّحَةِ، فَرَطَّبْتُ لِسَانِي وَمَلَأْتُ مَعِدَتِي بِسَلَّةٍ مِنَ الخَسِّ وَالكُرُنْبِ. لَمْ أَذُقْ فِي حَيَاتِي أَطْعَمَ مِنْ هَذَا، كُنْتُ قَدْ أَجْهَزْتُ عَلَى آخِرِ خَسَّةٍ وَآخِرِ كُرُنْبَةٍ عِنْدَمَا عَادَتْ مَخْدُومَتِي. أَطْلَقَتْ صَيْحَةً عِنْدَ رُؤْيَةِ سَلَّتِهَا فَارِغَةً، نَظَرْتُ إِلَيْهَا بِوُقَاحَةٍ وَبِكَثِيرٍ مِنَ الرِّضَا، فَخَمَّنَتِ الجَرِيمَةَ الَّتِي اقْتَرَفْتُهَا، لَنْ أُكَرِّرَ عَلَيْكُمْ مَا قَالَتْهُ لِي مِنْ تَوْبِيخٍ، كَانَ صَوْتُهَا قَبِيحًا، وَعِنْدَمَا كَانَتْ تَغْضَبُ كَانَتْ تُقْسِمُ وَتَقُولُ أَشْيَاءً يَحْمَرُّ لَهَا وَجْهِي، رَغْمَ كَوْنِي جَحْشًا، بَعْدَ سَبِّي بِكُلِّ الأَلْفَاظِ المُهِينَةِ وَالَّتِي لَمْ أَكُنْ أَرُدُّ عَلَيْهَا إِلَّا بِلَمْسِ شَفَتِي وَإِعْطَائِهَا ظَهْرِي، أَمْسَكَتْ عَصَاهَا وَانْهَالَتْ عَلَيَّ ضَرْبًا بِكُلِّ قَسْوَةٍ، فَانْتَهَيْتُ بِأَنْ فَقَدْتُ صَبْرِي وَرَمَيْتُهَا بِثَلاثِ رَفَسَاتٍ، الأُولَى كَسَرَتْ لَهَا أَنْفَهَا وَثَلاثَ أَسْنَانٍ، وَالثَّانِيَةُ حَطَّمَتْ مِعْصَمَهَا، وَالثَّالِثَةُ وَصَلَتْ لِمَعِدَتِهَا فَأَوْقَعَتْهَا أَرْضًا. أَسْرَعَ عِشْرُونَ شَخْصًا نَحْوِي يَضْرِبُونَنِي وَيَسُبُّونَنِي، حَمَلُوا مَخْدُومَتِي لا أَعْرِفُ أَيْنَ، وَتَرَكُونِي مَرْبُوطًا فِي الوَتَدِ بِالقُرْبِ مِنَ البَضَائِعِ المَفْرُوشَةِ الَّتِي أَحْضَرَتْهَا. 

مَكَثْتُ هُنَاكَ كَثِيرًا، وَعِنْدَمَا تَأَكَّدْتُ أَنَّهُمْ لا يُلَاحِظُونَنِي، أَكَلْتُ سَلَّةً أُخْرَى مَلِيئَةً بِخَضْرَوَاتٍ رَائِعَةٍ، وَقَطَعْتُ الحَبْلَ الَّذِي كَانَ يَرْبِطُنِي بِأَسْنَانِي، وَأَخَذْتُ الطَّرِيقَ بِهُدُوءٍ إِلَى مَزْرَعَتِي. 

كَانَ النَّاسُ الَّذِينَ أَمُرُّ عَلَيْهِمْ يَدْهَشُونَ لِرُؤْيَتِي وَحْدِي.

- اُنْظُرْ، هَذَا الحَيَوَانُ بِرِبَاطِهِ المَقْطُوعِ! لَقَدْ فَرَّ. قَالَ أَحَدُهُمْ.

- إِذَنْ، هُوَ أَحَدُ المَسَاجِينِ الهَارِبِينَ. قَالَ آخَرُ. وَانْفَجَرُوا فِي الضَّحِكِ.

- إِنَّهُ لا يَحْمِلُ شَيْئًا عَلَى ظَهْرِهِ. قَالَ الثَّالِثُ.

- بِالطَّبْعِ، لَقَدْ قَامَ بِعَمَلٍ قَبِيحٍ! صَاحَ الرَّابِعُ.

- اِمْسِكْهُ إِذَنْ، يَا فُرُوجِي، سَنَضَعُ الطِّفْلَ عَلَى سَرْجِهِ، قَالَتِ المَرْأَةُ.

- أُوهْ! سَيَحْمِلُكِ جَيِّدًا مَعَ الوَلَدِ الصَّغِيرِ، أَجَابَ الزَّوْجُ، أَمَّا أَنَا فَأَرْغَبُ فِي إِعْطَائِهِ فِكْرَةً جَيِّدَةً عَنْ رِقَّتِي وَلُطْفِي، اِقْتَرَبْتُ بِهُدُوءٍ، مِنَ الفَلَّاحَةِ، وَوَقَفْتُ بِجِوَارِهَا حَتَّى تَصْعَدَ فَوْقَ ظَهْرِي.

- هَذَا الحَيَوَانُ لا يَبْدُو شِرِّيرًا. قَالَ الرَّجُلُ وَهُوَ يُسَاعِدُ زَوْجَتَهُ فِي الجُلُوسِ عَلَى السَّرْجِ. 

اِبْتَسَمْتُ بِحُزْنٍ عِنْدَ سَمَاعِ هَذِهِ الكَلِمَاتِ: شِرِّيرٌ! إِنَّ أَيَّ جَحْشٍ يُعَامَلُ بِرِقَّةٍ لا يَكُونُ شِرِّيرًا أَبَدًا، فَنَحْنُ لا نَغْضَبُ وَلا نَعْصِ وَلا نُعَانِدُ إِلَّا لِلانْتِقَامِ مِنَ الضَّرْبِ وَالشَّتَائِمِ الَّتِي نَتَلَقَّاهَا. عِنْدَمَا يُعَامِلُونَنَا جَيِّدًا، نُصْبِحُ طَيِّبِينَ وَأَفْضَلَ مِنْ بَاقِي الحَيَوَانَاتِ. 

اِصْطَحَبْتُ المَرْأَةَ وَطِفْلَهَا الصَّغِيرَ إِلَى مَنْزِلِهِمَا، كَانَ طِفْلًا جَمِيلًا يَبْلُغُ عَامَيْنِ، كَانَ يُلاَطِفُنِي وَيَجِدُنِي ظَرِيفًا، وَكَانَ يُرِيدُ حَقًّا الِاحْتِفَاظَ بِي. وَلَكِنَّنِي فَكَّرْتُ أَنَّ ذَلِكَ لَنْ يَكُونَ عَمَلًا شَرِيفًا، فَقَدْ اِشْتَرَانِي أَسْيَادِي وَهُمْ يَمْتَلِكُونَنِي، وَكُنْتُ قَدْ كَسَرْتُ أَنْفَ وَأَسْنَانَ وَمِعْصَمَ وَآلَمْتُ مَعِدَةَ مَخْدُومَتِي، لَقَدِ انْتَقَمْتُ بِمَا فِيهِ الكِفَايَةِ، رَأَيْتُ أَنَّ الأُمَّ سَوْفَ تَخْضَعُ لِابْنِهَا، الَّذِي كَانَتْ تُدَلِّلُهُ كَثِيرًا (لَاحَظْتُ ذَلِكَ عِنْدَمَا كُنْتُ أَحْمِلُهُ عَلَى ظَهْرِي)، قَفَزْتُ جَانِبًا وَقَبْلَ أَنْ تَسْتَطِيعَ الأُمُّ رَبْطِي، هَرَبْتُ جَرْيًا وَعُدْتُ إِلَى المَنْزِلِ.

أَوَّلُ مَنْ رَآنِي (مَارِيِيتْ) اِبْنَةُ سَيِّدِي: آهْ! هَاهُو (كَادِيشُونْ)، لَقَدْ عَادَ مُبَكِّرًا! (جُولْ)، تَعَالَ اِنْزِعْ سَرْجَهُ.

قَالَ جُولْ بِصَوْتٍ غَلِيظٍ: (يَجِبُ دَائِمًا الِاهْتِمَامُ بِهِ. لِمَاذَا إِذَنْ عَادَ بِمُفْرَدِهِ؟ أَعْتَقِدُ أَنَّهُ هَرَبَ، حَيَوَانٌ مُزْعِجٌ! إِنَّهُ يَرْفُسُنِي فِي سَاقِي، لَوْ عَرَفْتُ أَنَّكَ هَرَبْتَ سَوْفَ أَضْرِبُكَ مِائَةَ عَصًا).

كَانُوا قَدْ نَزَعُوا عَنِّي قَيْدِي وَسَرْجِي، فَابْتَعَدْتُ جَرْيًا وَقَفْزًا، وَمَا إِنْ دَخَلْتُ فِي الحَشَائِشِ حَتَّى سَمِعْتُ صَرَخَاتٍ آتِيَةً مِنَ المَزْرَعَةِ، قَرَّبْتُ رَأْسِي مِنَ السِّيَاجِ فَرَأَيْتُهُمْ يُحْضِرُونَ الفَلَّاحَةَ، كَانَ الأَطْفَالُ هُمُ الَّذِينَ يُطْلِقُونَ هَذِهِ الصَّيْحَاتِ، أَنْصَتُّ جَيِّدًا فَسَمِعْتُ جُولْ يَقُولُ لأَبِيهِ:

أَبِي، سَوْفَ آخُذُ السَّوْطَ الكَبِيرَ، وَأَرْبِطُ الجَحْشَ فِي شَجَرَةٍ وَسَوْفَ أَضْرِبُهُ حَتَّى يَسْقُطَ عَلَى الأَرْضِ.

 اِذْهَبْ يَا بُنَيَّ، اِذْهَبْ وَلَكِنْ لا تَقْتُلْهُ، سَوْفَ نَخْسَرُ المَالَ الَّذِي أَنْفَقْنَاهُ عَلَيْهِ، سَوْفَ أَبِيعُهُ فِي السُّوقِ القَادِمِ.

وَقَفْتُ أَرْتَعِشُ مِنَ الخَوْفِ وَأَنَا أَسْمَعُهُمْ وَأَرَى جُولْ ذَاهِبًا إِلَى الحَظِيرَةِ لِيُحْضِرَ السَّوْطَ. لَمْ يَعُدْ هُنَاكَ مَجَالٌ لِلتَّرَدُّدِ، وَدُونَ أَنْ أَقْلَقَ هَذِهِ المَرَّةَ عَلَى المَالِ الَّذِي سَيَفْقِدُهُ أَسْيَادِي، وَالَّذِي دَفَعُوهُ ثَمَنًا لِي، جَرَيْتُ نَحْوَ السِّيَاجِ الَّذِي يَفْصِلُنِي عَنِ الحُقُولِ، وَقَفَزْتُ فَوْقَهَا بِقُوَّةٍ بِحَيْثُ كَسَرْتُ فُرُوعَهَا وَعَبَرْتُ مِنْ خِلَالِهَا. جَرَيْتُ فِي الحَقْلِ، وَاسْتَمْرَرْتُ فِي الجَرْيِ طَوِيلًا، طَوِيلًا جِدًّا، مُعْتَقِدًا دَائِمًا أَنَّهُمْ يَتْبَعُونَنِي، وَأَخِيرًا لَمْ أَسْتَطِعِ الِاسْتِمْرَارَ، فَوَقَفْتُ وَأَنْصَتُّ، لَمْ أَسْمَعْ شَيْئًا، صَعَدْتُ عَلَى تَلٍّ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، بَدَأْتُ إِذَنْ أَتَنَفَّسُ وَأَسْتَمْتِعُ بِتَحَرُّرِي مِنْ هَؤُلَاءِ الأَشْرَارِ. وَلَكِنَّنِي تَسَاءَلْتُ عَنْ مَصِيرِي. 

لَوْ بَقِيتُ فِي البَلْدَةِ سَيَتَعَرَّفُونَ عَلَيَّ وَيُمْسِكُونَنِي وَيُعِيدُونَنِي لِأَسْيَادِي. مَاذَا أَفْعَلُ؟ أَيْنَ أَذْهَبُ؟

نَظَرْتُ حَوْلِي، وَجَدْتُنِي وَحِيدًا وَبَائِسًا وَكُنْتُ عَلَى وَشْكِ البُكَاءِ لِمَوْقِفِي المُحْزِنِ حِينَ لَاحَظْتُ أَنَّنِي عَلَى حَافَّةِ غَابَةٍ رَائِعَةٍ، كَانَتْ غَابَةَ (سَانْتْ إِفْرُولْتْ)...

(يَا لِلسَّعَادَةِ)! صَرَخْتُ. سَوْفَ أَجِدُ فِي هَذِهِ الغَابَةِ عُشْبًا، رَطْبًا، وَمَاءً وَطُحْلَبًا طَازَجًا، سَوْفَ أَمْكُثُ فِيهَا لِأَيَّامٍ عِدَّةٍ ثُمَّ أَنْتَقِلُ لِغَابَةٍ أُخْرَى، أَظَلُّ بَعِيدًا عَنْ مَزْرَعَةِ أَسْيَادِي. 

دَخَلْتُ الغَابَةَ، أَكَلْتُ بِسَعَادَةٍ العُشْبَ الرَّطْبَ وَشَرِبْتُ مَاءً مِنْ عَيْنٍ عَذْبَةٍ، بَدَأَ اللَّيْلُ يَظْلِمُ فَنِمْتُ تَحْتَ صَنُوبَرَةٍ عَجُوزٍ، وَنِمْتُ فِي سَلاَمٍ حَتَّى اليَوْمِ التَّالِي.

حياة الشيمي

  إقرأ أيضاً:

قصة للأطفال: الزرافة والأسد

قصة للأطفال: حكاية الجد: أسرار الكون والحياة

قصة وحكمة: هيلا سيلاسي يرتدي قناع الوقار

قصة للأطفال: الإمبراطور والخياطان المحتالان

قصة للأطفال: رضى الجدات (بائعة الكبريت)

للمزيد            

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً 

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق