وُلِدَ الْهُدَى فَالْكَائِنَاتُ ضِيَاءٌ
في ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وُلِدَ النُّورُ عَلَى الْأَرْضِ. جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحَيَاةِ. كَانَ يَتِيمًا. وَكَانَتْ أُمُّهُ آمِنَةُ بِنْتَ وَهْبٍ وَحِيدَةً. مَاتَ زَوْجُهَا وَهِيَ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي مِنْ حَمْلِهَا وَتَوَلَّى جَدُّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ رِعَايَةَ الزَّوْجَةِ حَتَّى حَانَتْ لَحْظَةُ الْوِلَادَةِ فِي يَوْمِ الْإِثْنَيْنِ الْعَامِ 570 مِيلَادِيَّةً.
جَاءَ
هَذَا الضِّيَاءُ كَيْ يَشُقَّ ظُلْمَةَ الْعَالَمِينَ وَيُعْطِيَ الْهِدَايَةَ
لِلْقُلُوبِ الَّتِي كَانَتْ تَبْحَثُ عَنِ الْيَقِينِ. فَقَبْلَ مَوْلِدِ
الرَّسُولِ الْكَرِيمِ لَمْ يَكُنْ قَوْمُهُ مِنَ الْعَرَبِ يُؤْمِنُونَ بِإِلَهٍ
وَاحِدٍ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ عَدَدًا مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ.
وَلَمْ يَكُونُوا جَمِيعًا يُؤْمِنُونَ أَنَّ لِهَذِهِ الْأَصْنَامِ قُوَّةً
يُعْتَدُّ بِهَا وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ إِلَهٍ خَالِقٍ وَمُسَيِّرٍ
لِهَذَا الْكَوْنِ. إِلَّا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ الطَّرِيقَ الَّتِي
يَسْلُكُونَهَا لِلْوُصُولِ إِلَى هَذَا الْإِلَهِ.
وُلِدَ
النَّبِيُّ لِأَشْرَفِ نَسَبٍ فِي قَبِيلَةِ قُرَيْشٍ الَّتِي كَانَتْ تُعَدُّ
مِنْ أَشْرَفِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَهُوَ يَنْتَسِبُ فِي أَجْدَادِهِ الْأُوَلِ
إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ إِسْمَاعِيلَ. وَقَدْ أُشِيعَ قَبْلَ مَوْلِدِهِ أَنَّ
هُنَاكَ نَبِيًّا سَوْفَ يُبْعَثُ وَسَوْفَ يَكُونُ اسْمُهُ مُحَمَّدًا. وَفِي
يَوْمِ مَوْلِدِهِ كَانَ أَحَدُ الْيَهُودِ يَمُرُّ بِقَبِيلَةِ قُرَيْشٍ وَرَأَى
نَجْمًا سَاطِعًا فِي السَّمَاءِ فَقَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ:
الْيَوْمَ
وُلِدَ فِيكُمْ نَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ.
وَكَانَتْ
آمِنَةُ أُمُّ الرَّسُولِ نَحِيلَةً ضَعِيفَةَ الْجِسْمِ مِنْ أَثَرِ الْحُزْنِ
وَالْوِلَادَةِ. وَكَانَ مِنْ عَادَةِ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ أَنْ يُخْرِجُوا
بِأَوْلَادِهِمْ إِلَى مُرْضِعَاتٍ يَعِشْنَ فِي الْبَادِيَةِ الْمَفْتُوحَةِ.
وَهَكَذَا ذَهَبَ إِلَى حَلِيمَةَ السَّعْدِيَّةِ الَّتِي كَانَ لَهَا الْكَثِيرُ
مِنَ الْأَوْلَادِ وَكَانَ لَبَنُهَا ضَعِيفًا حَتَّى إِنَّ ابْنَهَا كَانَ
يَبْكِي مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ. وَلَكِنَّهَا عِنْدَمَا ضَمَّتْ مُحَمَّدًا إِلَى
صَدْرِهَا فُوجِئَتْ بِهِ قَدِ امْتَلَأَ بِاللَّبَنِ. لَيْسَ هَذَا فَقَطْ، بَلْ
إِنَّ ضَرْعَ النَّاقَةِ الَّتِي تَمْلِكُهَا قَدِ امْتَلَأَ بِاللَّبَنِ أَيْضًا
وَكَذَلِكَ أَغْنَامُهَا.
لَقَدْ
كَانَتْ طُفُولَةُ النَّبِيِّ صُورَةً لِلْكِفَاحِ وَطَهَارَةِ النَّفْسِ. فَمُنْذُ
عُمْرٍ مُبَكِّرٍ نَرَاهُ وَقَدِ اعْتَمَدَ عَلَى نَفْسِهِ وَخَرَجَ لِرَعْيِ
الْغَنَمِ خَارِجَ مَكَّةَ. وَلَمْ يَفْعَلْ مِثْلَ غَيْرِهِ مِنَ الصِّبْيَانِ.
لَمْ يَسْرِقْ وَلَمْ يَكْذِبْ أَوْ يَغُشَّ. وَلَمْ يَرْتَكِبْ أَيًّا مِنَ
الْأَشْيَاءِ الَّتِي كَانَتْ مُنْتَشِرَةً فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ مِثْلَ شُرْبِ
الْخَمْرِ وَلَعْبِ الْمَيْسِرِ. لِذَلِكَ أُطْلِقَ عَلَيْهِ الصَّادِقُ
الْأَمِينُ.
وَفِي
ذَاتِ يَوْمٍ هَبَطَتِ السُّيُولُ مِنْ أَعْلَى جِبَالِ مَكَّةَ وَاجْتَاحَتِ
الْمَنَازِلَ وَالْأَسْوَاقَ. بَلْ وَهَدَمَتِ الْكَعْبَةَ الَّتِي كَانَ
الْجَمِيعُ يُقَدِّسُونَهَا. وَقَرَّرَتْ قُرَيْشٌ أَنْ تُعِيدَ بِنَاءَ بَيْتِ
اللَّهِ الْمُهَدَّمِ.
وَكَانَ
مُحَمَّدٌ رَغْمَ صِغَرِهِ يُشَارِكُ فِي نَقْلِ الْأَحْجَارِ وَحَمْلِهَا إِلَى
الْبَنَّائِينَ. وَلَكِنْ مَعَ نِهَايَةِ الْبِنَاءِ ثَارَتِ الْخِلَافَاتُ بَيْنَ
الْعَائِلَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي مَكَّةَ، حَيْثُ كَانَ مِنْ بَيْنِ
الْأَحْجَارِ حَجَرٌ أَسْوَد، وَكَانَ سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ قَدِ اخْتَارَ
مَكَانَهُ وَهُوَ يَبْنِي الْكَعْبَةَ لِلْمَرَّةِ الْأُولَى. وَبِمَا أَنَّ كُلَّ
عَائِلَةٍ تُرِيدُ أَنْ تَحْمِلَ هِيَ الْحَجَرَ وَتَضَعَهُ فِي مَكَانِهِ.
وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا أَيْضًا مُصِرَّةٌ عَلَى رَأْيِهَا لَا تُرِيدُ
التَّنَازُلَ لِلْعَائِلَةِ أَوْ لِلْبَطْنِ الَّذِي يُنَافِسُهَا. وَاشْتَدَّ
النِّزَاعُ حَتَّى أَوْشَكَ أَنْ يَتَطَوَّرَ إِلَى قِتَالٍ بِالسُّيُوفِ لَوْلَا
أَنْ جَاءَ الرَّسُولُ الْكَرِيمُ فِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ فَهَتَفُوا جَمِيعًا:
رَضِينَا
بِحُكْمِ الصَّادِقِ الْأَمِينِ.
وَأَخَذَ
مُحَمَّدٌ الْحَجَرَ وَفَرَدَ ثَوْبًا وَوَضَعَ عَلَيْهِ الْحَجَرَ وَأَمَرَ كُلَّ
كَبِيرٍ مِنْهُمْ بِأَنْ يُمْسِكَ بِطَرَفٍ مِنْ أَطْرَافِ الثَّوْبِ. وَسَارُوا
جَمِيعًا وَهُمْ يَحْمِلُونَ الْحَجَرَ حَتَّى مَوْضِعِ الْبِنَاءِ فَحَمَلَهُ
الرَّسُولُ وَوَضَعَهُ فِي مَكَانِهِ وَبِذَلِكَ هَدَأَتِ الْفِتْنَةُ وَأَدْرَكَ
الْجَمِيعُ أَنَّ هَذَا الْغُلَامَ الصَّغِيرَ لَيْسَ صَادِقًا وَأَمِينًا فَقَطْ
وَلَكِنَّهُ أَيْضًا ذَكِيٌّ وَحَصِيفٌ. لَمْ يَسْجُدِ النَّبِيُّ لِصَنَمٍ مِنْ
أَصْنَامِ مَكَّةَ.
وَكَانَ
يُدْرِكُ حَتَّى قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَهُ اللَّهُ رَسُولًا وَهَادِيًا وَبَشِيرًا
أَنَّ هَذِهِ الْأَحْجَارَ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ لِذَلِكَ فَقَدْ لَجَأَ
إِلَى الْعُزْلَةِ وَالْوَحْدَةِ لِيَتَأَمَّلَ أَسْرَارَ الْكَوْنِ لَعَلَّهُ
يَصِلُ بِقَلْبِهِ إِلَى خَالِقِ هَذَا الْكَوْنِ. وَقَدْ صَعِدَ إِلَى أَحَدِ
الْجِبَالِ الَّتِي تُطِلُّ عَلَى مَكَّةَ حَيْثُ جَلَسَ فِي إِحْدَى
الْمَغَارَاتِ الْمَوْجُودَةِ فِيهِ. وَرَغْمَ شِدَّةِ الظَّلَامِ وَبَرْدِ
اللَّيْلِ وَذَلِكَ الْإِحْسَاسِ بِالْوَحْشَةِ وَالتَّفَرُّدِ ظَلَّ يُدَاوِمُ
عَلَى سَهَرِ اللَّيَالِي الْمُتَوَالِيَةِ دَاخِلَ الْمَغَارَةِ. وَذَاتَ
لَيْلَةٍ غَمَرَ الْمَكَانَ نُورٌ سَاطِعٌ وَشَعَرَ النَّبِيُّ بِمَنْ يَهْتِفُ
بِهِ: اقْرَأْ. وَقَالَ النَّبِيُّ مُتَسَائِلًا: مَا أَنَا بِقَارِئٍ.
وَعَادَ
الصَّوْتُ يَقُولُ: اقْرَأْ.. وَهَتَفَ النَّبِيُّ مُعْتَذِرًا.. مَا أَنَا
بِقَارِئٍ. وَقَالَ الصَّوْتُ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ
الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ
بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ.
كَانَتْ
هَذِهِ هِيَ أُولَى آيَاتِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ.
وَكَانَتْ
هَذِهِ هِيَ أُولَى لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي الدَّعْوَةِ.
وَمُنْذُ
ذَلِكَ الْحِينِ وُضِعَ عَلَى الْأَرْضِ نُورٌ مِنَ السَّمَاءِ فَلَمْ يُغَادِرْهُ
حَتَّى اللَّحْظَةِ.
مَنَال
مُحَجُوب
قصة للأطفال: لا يأس مع الإرادة
قصة مُلهِمة: تيمورلنك يتعلم من النملة
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
المصدر: 1
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق