رحلة البحث عن السكينة والهدوء
في يَوْمٍ منَ الأيَّامِ، كانَتْ هناكَ زرافةٌ تُدعى "زِيلْدَا"، وهي الزرافةُ الوَحيدةُ في حديقةِ الحيوانِ، مَعروفَةٌ بجمالِها ورقَّتِها. بَعْدِ ظُهْرِ أَحَدِ الأَيَامِ، شَعَرَتْ زِيلْدَا بالتَّعَبِ واسْتَلْقَتْ لتَأْخُذَ قِسْطًا منَ الرَّاحَةِ، وما إنْ أَغْمَضَتْ عَيْنَيْهَا حتَّى دَوَّى في الأَرْجَاءِ زَئِيرُ الأسدِ "لِيو".
اسْتَفَاقَتْ
زِيلْدَا على الفورِ، وفَتَحَتْ عَيْنَيْهَا بانْزِعَاجٍ، حَيْثُ كانَ الأسدُ لِيو
يُصْدِرُ زَئِيرَهُ المُزْعِجَ مرَّةً أُخْرَى. حَاوَلَتْ زِيلْدَا التَّحَلِّي
بالصَّبْرِ حتَّى يَتَوَقَّفَ الأسدُ، لَكِنَّهَا كانَتْ تَعْلَمُ أنَّ لِيو
يُحِبُّ إِثَارَةَ الضَّجِيجِ، فَتَتَرَدَّدُ أَصْدَاءُ زَئِيرِهِ في كُلِّ رُكْنٍ
من أَرْكَانِ الحَدِيقَةِ.
على
الرَّغْمِ من تَعَبِها الشَّدِيدِ، لم تَسْتَطِعْ زِيلْدَا أَنْ تَنْعَمَ
بالهُدُوءِ والسَّكِينَةِ. نَهَضَتْ ومَدَّتْ رَقَبَتَها الطَّوِيلَةَ، الَّتِي يُزَيِّنُهَا
وِشَاحٌ أَخْضَرُ أُهْدِيَ إِلَيْهَا من سَيِّدَةٍ طَيِّبَةٍ بَسَبَبِ
إِعْجَابِهَا بذَكَائِهَا. اسْتَطَاعَتْ زِيلْدَا، برَقَبَتِها الطَّوِيلَةِ، أنْ
تُطِلَّ على قَفَصِ الأسدِ، وقالَتْ بصَوْتٍ هَادِئٍ لَكِنَّهُ صَارِمٌ:
"اسْمَعْ أَيُّهَا الأسدُ، هَلْ يَجِبُ أَنْ تَصْنَعَ كُلَّ هَذِهِ
الضَّجَّةِ؟ أُرِيدُ أَنْ أَنَامَ."
هَزَّ
لِيو فَرْوَتَهُ الضَّخْمَةَ وزَأَرَ مُجِيبًا: "آسِفٌ... لَكِنِّي أُحِبُّ
الزَّئِيرَ، والصَّوْتُ يَخْرُجُ مِنِّي رَغْمًا عَنِّي."
في
تِلْكَ اللَّحْظَةِ، جَاءَ حَارِسُ الحَدِيقَةِ "جُون" ليُقَدِّمَ
لِزِيلْدَا طَعَامَ الغَدَاءِ. وَلأَنَّهَا زرافَةٌ ذَكِيَّةٌ، كانَتْ تُتْقِنُ
الكَلَامَ، فقالَتْ لَهُ: "يَا سَيِّدَ جُون، لا أَسْتَطِيعُ النَّوْمَ.
أَحْتَاجُ إِلَى قِسْطٍ منَ الرَّاحَةِ في قَيْلُولَةِ بَعْدِ الظُّهْرِ، لَكِنَّ
هَذَا الأسدَ يَمْنَعُنِي منْ ذَلِكَ."
ابْتَسَمَ
جُون بلُطْفٍ وقالَ: "أَفْهَمُكِ تَمَامًا، سَأَتَوَلَّى إِخْرَاجَكِ منَ
القَفَصِ، وَيُمْكِنُكِ الذِّهَابَ لِلنَّوْمِ تَحْتَ شَجَرَةِ الصَّفْصَافِ
هُنَاكَ في الطَّرِيقِ. وَلَكِنْ عَلَيْكِ العَوْدَةُ إِلَى القَفَصِ في تَمَامِ
السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ."
تَسَاءَلَتْ
زِيلْدَا بِحَيْرَةٍ: "لَكِنَّنِي لا أَمْلِكُ سَاعَةً يَا سَيِّدَ جُون!"
قالَ
الحَارِسُ: "إِذَنْ لَنْ تَتَمَكَّنِي منَ الذِّهَابِ."
تَنَهَّدَتْ
زِيلْدَا وفَكَّرَتْ: "يَجِبُ أَنْ أَرْتَاحَ قَلِيلًا لِلْحِفَاظِ على
جَمَالِي، فَكُلَّ مَرَّةٍ أَنَامُ فيها، تَزْدَادُ رَقَبَتِي جَمَالًا."
ثُمَّ قالَتْ: "سَأَطْلُبُ منْ أَيِّ عَابِرِ سَبِيلٍ أنْ يُخْبِرَنِي
بالوَقْتِ وسَأَعُودُ في الثَّالِثَةِ تَمَامًا."
فَتَحَ
الحَارِسُ بَابَ القَفَصِ، وسَارَتْ زِيلْدَا بأَرْجُلِهَا الطَّوِيلَةِ نَحْوَ
شَجَرَةِ الصَّفْصَافِ الَّتِي تُطِلُّ على الشَّارِعِ، واسْتَلْقَتْ تَحْتَهَا.
وبَيْنَما كانَتْ تَسْتَعِدُّ لِلنَّوْمِ، بَدَأَ الأَطْفَالُ العَابِرُونَ
يُحَدِّقُونَ فيها، وَلَكِنَّهَا كانَتْ مُتْعَبَةً جِدًّا فلم تُعِرْهُمْ
اهْتِمَامًا.
أَغْمَضَتْ
زِيلْدَا عَيْنَيْهَا، وَلَكِنْ قَبْلَ أنْ تَنْعَمَ بأَحْلَامِهَا، انْطَلَقَتِ
الضَّجَّةُ مَرَّةً أُخْرَى مَعَ زَئِيرِ الأسدِ. تَنَهَّدَتْ زِيلْدَا وقالَتْ:
"يَا إِلَهِي، مَاذَا أَفْعَلُ لأَحْصُلَ على بَعْضِ الهُدُوءِ والسَّلامِ في
هَذِهِ الحَدِيقَةِ؟!"
هَزَّ
زَئِيرُ الأسدِ أَوْرَاقَ الشَّجَرَةِ فَوْقَ رَأْسِهَا، فَتَسَاقَطَتْ بَعْضُهَا.
فَكَّرَتْ زِيلْدَا بِعُمْقٍ، ثُمَّ نَهَضَتْ بكَرَامَةٍ، وتَخَطَّتِ السُّورَ
إِلَى الشَّارِعِ. تَوَقَّفَتْ عِنْدَ الإِشَارَةِ الحَمْرَاءِ، وعِنْدَمَا
أَصْبَحَتْ خَضْرَاءَ، عَبَرَتِ الطَّرِيقَ إِلَى الجِهَةِ الأُخْرَى،
مُتَعَجِّبَةً منْ نَظَرَاتِ النَّاسِ نَحْوَهَا.
دَخَلَتْ
زِيلْدَا إِلَى صَيْدَلِيَّة، وَقَاَلَتُ لِلْبَاَئِعِ: "أَرِيدُ كَيْسًا
كَبِيْرًا مِنَ الْقَطْنِ، ذَلِكَ الَّذِي يَشْبَهُ الزَّغْبَ."
رَدَ
الْبَاَئِعُ بِدَهْشَةٍ: "لَكِنْ لَيْسَ لَدَيْكِ نُقُوْدٌ."
أَجَابَتْهُ
زَيْلْدَا بِحَزَمٍ: "سَأَعْطِيْكَ وَشَاحِي الْأَخْضَرِ هَذَا."
فَكَرَ
الْبَاَئِعُ قَلِيْلاً، ثُمَّ قَالَ مُبْتَسِمًا: "سَأَعْطِيْكَ كَيْسَ
الْقَطْنِ هَدِيَّةً لأَنَّكِ أَوَّلُ زَرَافَةٍ تَأَتِي لِتَشْتَرِي مِنَ
الصَّيْدَلِيَّةِ."
حَاوَلَتْ
زَيْلْدَا أَنْ تُعْطِيَهُ الْوَشَاحَ، لَكِنَّهُ رَفَضَ بِلُطْفٍ. وَبَيْنَمَا
كَانَ يَنْاوِلُهَا كَيْسَ الْقَطْنِ، لَمْحَتْ السَّاعَةَ عَلَى مِعْصَمِهِ،
فَوَجَدَتْ أَنَّ الْوَقْتَ قَدْ اِقْتَرَبَ مِنَ الثَّالِثَةِ. شَكَرَتِ
الْبَاَئِعَ بِسُرْعَةٍ وَاِنْدَفَعَتْ نَحْوَ قَفْصِهَا فِي حَدِيْقَةِ
الْحَيَوَانِ لِلْوَفَاءِ بِوَعْدِهَا لِلسَّيِّدِ جُوْنَ.
وَصَلَتْ
زَيْلْدَا إِلَى الْقَفْصِ فِي الْوَقْتِ الْمُحَدَّدِ، وَجَاءَ الْحَارِسُ
لِيُغْلِقَ الْبَابَ وَرَاءَهَا. فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ، كَانَ الْأَسَدُ مَا
زَالَ يَزْأَرُ. فَفَتَحَتْ زَيْلْدَا كَيْسَ الْقَطْنِ بِهُدُوْءٍ، وَأَخَذَتْ
قِطْعَتَيْنِ مِنَ الْقَطْنِ الْأَبْيَضِ النَّاعِمِ، وَوَضَعَتْهُمَا فِي
أُذُنَيْهَا. حِيْنَهَا، لَمْ تَعُدْ تَسْمَعُ صَوْتَ الزَّئِيرِ. نَظَرَتْ إِلَى
الْحَارِسِ وَقَالَتْ بِسَعَادَةٍ: "مِنَ الْآنَ فَصَاعِدًا، سَأَتَمَكَّنُ
مِنْ النَّوْمِ قَلِيْلًا بَعْدَ الظُّهْرِ."
بَعْدَ
لَحَظَاتٍ قَلِيْلَةٍ، اِسْتَغْرَقَتْ زَيْلْدَا فِيْ نَوْمٍ عَمِيْقٍ، وَحَلِمَتْ
أَحْلَامًا سَعِيْدَةً.
بِتَصَرُّف عن أحمد عمر شاهين
قصة مُخَيِّبَة: فَصاحة بعد فوات الأوان
قصة للأطفال: الأشجار تنتصر على الأشرار
قصة للأطفال: مزحة بريئة تغمر القلوب بالسعادة
نوادر العرب: مغامرات أبو القاسم: حذاء البؤس والوفاء
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق