حُرّاس الحياة
في عُمْقِ الظَّلَامِ الحَالِكِ، تَسَلَّلَتْ عِصَابَةٌ مِنَ الأَشْرَارِ نَحْوَ القَرْيَةِ الهَادِئَةِ، عَازِمَةً عَلَى سَرِقَةِ مَنَازِلِهَا. وَفِي أَحَدِ المَمَرَّاتِ، تَعَثَّرَ زَعِيمُ العِصَابَةِ بِفَرْعٍ صَغِيرٍ مِنْ شَجَرَةٍ عِمْلَاقَةٍ، فَتَسَبَّبَ ذَلِكَ فِي إِصَابَتِهِ بِجُرُوحٍ بَالِغَةٍ. انفَجَرَ زَعِيمُ العِصَابَةِ غَضَبًا وَأَلَمًا، وَأَمَرَ عِصَابَتَهُ بِقَطْعِ كُلِّ الأَشْجَارِ الَّتِي زَرَعَهَا أَهَالِي القَرْيَةِ حَوْلَ بُيُوتِهِمْ.
تَعَالَتْ
نِدَاءَاتُ الشُّجَيْرَاتِ الصَّغِيرَةِ بِالبُكَاءِ المَرِيرِ، وَالْتَمَسَتِ
الأَشْجَارُ العَرِيقَةُ العَفْوَ وَالرَّحْمَةَ مِنَ الزَّعِيمِ، وَلَكِنْ دُونَ
جَدْوَى؛ فَقَدْ كَانَ الزَّعِيمُ جَاهِلًا حَقُودًا، مُصِرًّا عَلَى تَنْفِيذِ
أَوَامِرِهِ. لَمْ يَتَرَدَّدْ أَفْرَادُ العِصَابَةِ فِي تَنْفِيذِ الأَوَامِرِ،
فَكَانُوا مِثْلَهُ فِي الجَهْلِ وَالطَّاعَةِ العَمْيَاءِ. قَضَتِ العِصَابَةُ
اللَّيْلَ كُلَّهُ فِي تَقْطِيعِ الأَشْجَارِ، دُونَ أَنْ تَظْفَرَ بِشَيْءٍ مِنَ
السَّرِقَةِ.
مَعَ
بُزُوغِ فَجْرِ اليَوْمِ التَّالِي، اكْتَشَفَ أَهْلُ القَرْيَةِ الكَارِثَةَ الَّتِي
حَلَّتْ بِهِمْ. بَكَى الأَطْفَالُ، وَصَرَخَتِ النِّسَاءُ، وَخَيَّمَ الحُزْنُ
عَلَى الرِّجَالِ، وَظَلَّ الجَمِيعُ فِي حَيْرَةٍ مِنْ أَمْرِهِمْ،
يَتَسَاءَلُونَ عَمَّا حَدَثَ وَمَنْ الَّذِي اقْتَرَفَ هَذَا العَمَلَ
الشَّنِيعَ. اجْتَاحَ الحُزْنُ القَرْيَةَ بِأَسْرِهَا.
وَسَطَ
هَذِهِ الفَوْضَى، جَاءَ حَاكِمُ القَرْيَةِ وَأَمَرَهُمْ بِالعَمَلِ الجَادِّ،
مُؤَكِّدًا أَنَّهُ لا بَدِيلَ عَنِ العَمَلِ، وَأَنَّ الحُزْنَ وَالبُكَاءَ لَنْ
يُعِيدَا الأَشْجَارَ المَفْقُودَةَ. حَثَّهُمْ عَلَى أَنْ يَبْدَؤُوا فَوْرًا فِي
زِرَاعَةِ أَشْجَارٍ جَدِيدَةٍ، لِيَتَمَتَّعَ بِهَا الأَجْيَالُ القَادِمَةُ.
وَبِالفِعْلِ، انْطَلَقَ الجَمِيعُ بِعَزْمٍ وَإِصْرَارٍ لِزَرْعِ أَكْبَرِ عَدَدٍ
مُمْكِنٍ مِنَ الأَشْجَارِ الجَدِيدَةِ. فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، نَامَتِ
القَرْيَةُ مُطْمَئِنَّةً، رَاضِيَةً بِمَا بَذَلَتْهُ مِنْ جُهْدٍ.
وَفِي
المَسَاءِ، عَادَتِ العِصَابَةُ إِلَى القَرْيَةِ مُجَدَّدًا، وَعِنْدَمَا كَانَتْ
تَسْتَعِدُّ لِلسَّطْوِ، هَبَّتْ فَجْأَةً عَاصِفَةٌ قَوِيَّةٌ مُحَمَّلَةٌ
بِالأَتْرِبَةِ وَالرِّمَالِ. عَمَّتِ الفَوْضَى بَيْنَ أَفْرَادِ العِصَابَةِ،
وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا رُؤْيَةَ شَيْءٍ أَمَامَهُمْ، وَبَدَؤُوا يَتَخَبَّطُونَ
وَيَصْرُخُونَ بَحْثًا عَنْ بَعْضِهِمْ البَعْضِ حَتَّى سَمِعَ أَهْلُ القَرْيَةِ
ضَجِيجَهُمْ.
حَاوَلَ
أَفْرَادُ العِصَابَةِ الِاخْتِبَاءَ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا الأَشْجَارَ
الَّتِي كَانَ بِإِمْكَانِهِمْ الاحْتِمَاءُ خَلْفَهَا، وَتَبَادَلَتِ العِصَابَةُ
اللَّوْمَ عَلَى فِعْلَتِهِمْ بِقَطْعِ الأَشْجَارِ. عِنْدَئِذٍ، تَمَكَّنَ أَهْلُ
القَرْيَةِ مِنَ القَبْضِ عَلَيْهِمْ.
بَعْدَمَا
هَدَأَتِ العَاصِفَةُ، جَاءَ الحَاكِمُ لِيُعَاقِبَهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ:
"لَقَدْ قَتَلْتُمْ حُرَّاسَ الحَيَاةِ. إِنَّ الأَشْجَارَ وَالنَّبَاتَاتِ
تَحْفَظُ حَيَاةَ الإِنْسَانِ، سَوَاءً كَانَ شِرِّيرًا مِثْلَكُمْ أَوْ طَيِّبًا.
أَنْتُمْ لا تَسْتَحِقُّونَ العَيْشَ بَيْنَنَا."
بَكَى
أَفْرَادُ العِصَابَةِ بِحُرْقَةٍ، وَطَلَبُوا الرَّحْمَةَ مِنَ الحَاكِمِ،
مُتَعَهِّدِينَ بِتَغْيِيرِ سُلُوكِهِمْ إِذَا سُمِحَ لَهُمْ بِالبَقَاءِ فِي
القَرْيَةِ. وَلَكِنْ كَانَ الأَوَانُ قَدْ فَاتَ. فِعْلًا، إِنَّ الأَشْجَارَ
هِيَ حُرَّاسُ الحَيَاةِ، وَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُحِبَّهَا، نَحْمِيهَا،
وَنَرْعَاهَا.
بتصَرُّف
عن فاطمة المعدول
إقرأ أيضاً:
قصة للأطفال: قصة طفلة لم تحفظ السّرّ
قصة للأطفال: طارق والفيل والطيب
قصة للأطفال: سعادة بائعة اللبن
قصة للأطفال: الأميرة التي تصدّق كل شيء
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق