الاثنين، 28 أكتوبر 2024

• قصة وحكمة: المزارِعُ والطُّيورُ

مَنْ حَمَى زَرْعَه، جَنَى خَيْرَه.

في قَريةٍ نائيةٍ ترقدُ على أطرافِ الحُقولِ الخضراءِ، كانَ هناكَ مُزارِعٌ شريفٌ مُجتهدٌ، لا يعرفُ الكسلُ طريقًا إلى يَدَيهِ، ولا المللُ سَبيلاً إلى قلبِهِ. قَضى أيّامَهُ ولياليَهُ يَسقي أرضَهُ بعرقِ جَبينِهِ، يزرعُ فيها حبوبًا يانِعَةً، أملًا في حصادٍ يفيضُ خيرُهُ على أهلِهِ وأهلِ قريتِهِ.

وذاتَ صباحٍ، إذْ بأسرابٍ من الطُّيورِ الجائِعَةِ قد حطَّتْ على حقلِهِ، تدوسُ بأقدامِها الرَّفيعةِ على البُذورِ الغاليةِ التي دَفَنَها بيدَيْهِ في جوفِ الأرضِ، وتنهَبُها بمناقيرِها الحادَّةِ كالسيوفِ، فاختلطتْ زقزقتُها بأزيزِ الرِّيحِ، واختلجَ قلبُهُ بالغضبِ والقلقِ. حاولَ في البدايةِ أنْ يطرُدَها بمِقلاعِهِ الخالي، يُلوِّحُ به في الهواءِ، ويَصْفِرُ بصوتِهِ العالي، فتفرُّ الطُّيورُ مذعورةً، ثم لا تلبَثُ أنْ تعودَ حالما يغيبُ ظلُّهُ، كأنَّما قد ألِفَتْ منهُ الرَّحمةَ واللينَ.

وظلَّتْ تلكَ المُطاردةُ تدورُ رحاها لأيامٍ، يُلاحقُها صباحًا، وتُعاودُ هجومَها عندَ الغروبِ، والمزارِعُ يزدادُ هزالًا وعناءً، فيما الطُّيورُ قد ازدادتْ جرأةً وكِبرًا، حتى باتَتْ تلتهمُ البذورَ وكأنَّها صاحبةُ الأرضِ والحقلِ.

فما كانَ من المزارِعِ إلَّا أنْ ضاقَ ذرعًا، وعَزَمَ أنْ يُواجِهَ تلكَ الجحافلَ بصَرامةٍ لا تَلينُ. قرَّرَ أنْ يملأَ مقلاعَهُ بالحجارةِ الصَّلبةِ، عاقدًا العَزمَ على ردعِ الطُّيورِ عن غزوِ أرضِهِ. وفي صباحِ اليومِ التالي، عادَتِ الطُّيورُ مُتَشَجِّعةً، وهي تَظُنُّ أنَّهُ سيكتفي بصَريرِهِ وتهديداتِهِ الفارغةِ. لكنَّهُ هذهِ المرَّةَ رَمَى بحِجارَتِهِ بقوَّةٍ وإصرارٍ، فتساقطتْ أمامَها، فاختلطَ غبارُ الحقلِ بصوتِ ارتطامِ الحصى بالأرضِ، وكادَ أن يُصيبَها الفزعُ.

حينَ شعرتِ الطُّيورُ بالخطرِ المُحدِقِ، أدركَتْ أنَّها قد أخطأتْ في تقديرِها، وأنَّ المزارِعَ لم يعدْ ذاكَ الضَّعيفَ الذي كانَ يُلوِّحُ بيدِهِ وحسب. فتطايرَتْ في السَّماءِ، تخفِقُ بأجنحتِها بوجلٍ، تاركةً الحقلَ وراءَها، لا تلتفِتُ إلى الخلفِ، ولا تَحلُمُ بالعَودةِ.

تنفَّسَ المزارِعُ الصُّعَداءَ، ووقفَ ينظرُ إلى حقلِهِ وقد عادَ له السُّكونُ. أدركَ أنَّ الأرضَ لا تَحفَظُ غِلالَها إلَّا لِمَن يعرفُ كيفَ يحميها، وكيفَ يزرعُ فيها القوَّةَ كما يزرعُ الأملَ. وهكذا، استعادَ أرضَهُ من أيدي الطُّيورِ العابثةِ، وعادَ ليُكمِلَ زراعتَهُ، وكلُّه يقينٌ بأنَّ مَن حرثَ الأرضَ بجِدٍّ، حَصَدَ منها ثِمارَ الرَّاحةِ والأمانِ.

إقرأ أيضاً:

قصة دينية: عبدالله بن المبارك في الحج

قصة وحكمة: الأسد والدولفين

نوادر العرب: الأعرابي والجمل

قصة وحكمة: العجوز والعصفور

قصة للأطفال: مخبوزات بطعم الأحلام

للمزيد            

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً 

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق