الأربعاء، 2 أكتوبر 2024

• قصة وحكمة: الْحِمَارُ فِي جِلْدِ الْأَسَدِ

خِداع

في سالِفِ العَصْرِ وَالأوَانِ، إِذْ كَانَتِ الأَيَّامُ تُنذِرُ بِالغَرَائِبِ وَتُخبِّئُ العَجَائِبَ، عَثَرَ حِمَارٌ تَائِهٌ فِي بَيْدَاءَ مُقفِرَةٍ عَلَى جِلْدِ أَسَدٍ كَانَ الصَّيَّادُونَ قَدْ جَلَدُوهُ وَأَلْقَوْهُ جَانِبًا حَتَّى يَجِفَّ تَحْتَ أَشِعَّةِ الشَّمْسِ الحَارِقَةِ. فَأَخَذَتْهُ فِكْرَةٌ جَهَنَّمِيَّةٌ، وَتَزَيَّا بِذَاكَ الجِلْدِ، ظَنًّا مِنهُ أَن يَكْتَسِيَ بِهِيبَةِ الأُسُودِ وَبَأْسِهَا، وَيَتَقَنَّعَ بِهِيبَةِ السِّبَاعِ وَسُلْطَانِهَا، فَيَدِبَّ الرُّعْبَ فِي القُلُوبِ، وَيَنَالَ مِنَ السَّطْوَةِ مَا لَم يَكُنْ يَحْلُمُ بِهِ.

فَمَا أَنْ ارْتَدَى الحِمَارُ جِلْدَ الأَسَدِ، حَتَّى انتَصَبَ وَاقِفًا، كَأَنَّمَا هُوَ مَلِكُ الغَابَةِ الَّذِي لَا يُبَارَى، وَمَضَى بِخُطًى مَهِيبَةٍ صَوْبَ القَرْيَةِ الَّتِي أَلِفَتْ أَنْ تَرَاهُ ذَلِيلًا، فَتَهَادَى بَيْنَهُمْ يُخْفِي حَمَاقَتَهُ تَحْتَ ذَاكَ الغِطَاءِ، وَسَرَى كَالعَاصِفَةِ بَيْنَ أَهْلِ القَرْيَةِ، فَمَا إِن رَأَوْهُ حَتَّى تَفَرَّقُوا هَارِبِينَ، جَازِعِينَ، كُلٌّ يَأْخُذُ سَبِيلَهُ، مَذْعُورِينَ مِنْ هَذَا الكَائِنِ الجَلْفِ الَّذِي يَتَرَاءَى أَمَامَهُمْ. وَمِمَّا زَادَهُ زَهْوًا وَنَشْوَةً، أَنَّهُ رَأَى الدَّوَابَّ تَهْرُبُ، وَالطَّيْرَ يَطِيرُ، وَالنَّاسَ تُهْرَعُ مِنْ أَمَامِهِ، فَأَخَذَتْهُ الخُيَلَاءُ، وَانتَفَشَ صَدْرُهُ، وَظَنَّ أَنَّهُ بَلَغَ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ أَقْرَانُهُ مِنَ الحُمُرِ.

وَفِي غَمْرَةِ هَذَا الطَّيْشِ وَالغُرُورِ، لَمْ يَتَمَالَكْ نَفْسَهُ، فَارْتَفَعَ صَوْتُ النَّهِيقِ مِنْ أَعْمَاقِهِ، وَتَجَلَّى نَهِيقُ الحَمِيرِ تَحْتَ جِلْدِ الأَسَدِ، فَانْكَشَفَ أَمْرُهُ، وَافْتُضِحَ سِرُّهُ. حِينَئِذٍ، أَدْرَكَ النَّاسُ حَقِيقَتَهُ، وَمَيَّزُوا هَذَا النَّهِيقَ البَلِيدَ مِنْ بَيْنِ آلَافِ الأَصْوَاتِ. وَلَمْ يَمْضِ طَوِيلًا حَتَّى اقْتَرَبَ صَاحِبُهُ الَّذِي رَبَّاهُ عَلَى الذُّلِّ، وَأَيْقَنَ أَنَّهُ حِمَارُهُ الَّذِي ضَلَّ، فَأَمْسَكَ بِهِ وَصَبَّ عَلَيْهِ غَضَبَهُ، وَأَوْسَعَهُ ضَرْبًا بِعَصَاهُ المُتِينَةِ، حَتَّى عَادَ كَعَادَتِهِ وَدِيعًا ذَلِيلًا، لَا حَوْلَ لَهُ وَلَا قُوَّةَ.

وَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَهُ ثَعْلَبٌ مَاكِرٌ، عَارِفٌ بِخَبَايَا الأُمُورِ، وَقَالَ لَهُ سَاخِرًا: "وَيْلَك! أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الطَّبْعَ يَغْلِبُ التَّطَبُّعَ؟ وَأَنَّ الحَمَاقَةَ تُعَرِّي صَاحِبَهَا مَهْمَا حَسُنَتْ حُلَّتُهُ؟ لَقَدْ عَرَفْتُكَ، يَا أَحْمَقُ، مِنْ صَرِيرِ صَوْتِكَ وَنَشَازِ نَهِيقِكَ، فَمَا خَدَعْتَ إِلَّا نَفْسَكَ!"

وَهَكَذَا، فَإِنَّ الحَمَاقَةَ، وَإِنْ تَدَثَّرَتْ بِجِلْدِ الأَسْدِ، تَظَلُّ حَمَاقَةً، يُسْفِرُ عَنْهَا عَوَارُهَا، وَيُمِيطُ عَنْهَا اللِّثَامَ زَلَّتُهَا. وَمَنْ رَامَ أَنْ يَتَقَمَّصَ غَيْرَ صُورَتِهِ، انْكَشَفَ أَمْرُهُ حِينَ يَبُوحُ لِسَانُهُ بِمَا يُضْمِرُهُ قَلْبُهُ، وَأَبْصَرَ النَّاسُ سَذَاجَتَهُ حِينَ يَفْضَحُهُ مَنْطِقُهُ، فَلَا يَخْفَى عَلَى ذِي لُبٍّ أَنَّ المَرْءَ يُعْرَفُ بِمَقَالِهِ، قَبْلَ هَيْئَتِهِ وَمَقَامِهِ.

"مَهْمَا تَنَكَّرَ الأَحْمَقُ فِي جَمِيلِ الثِّيَابِ، فَسَوْفَ يَكْشِفُهُ سُخْفُ حَدِيثِهِ، وَإِنْ تَبَدَّى لِلنَّاسِ فِي ثَوْبِ الأَسْدِ."

 إقرأ أيضاً:

قصة للأطفال: العصفور والفيل والثعلب

قصة وحكمة: بانشو فيللا: من بطل إلى كابوس لأميركا

قصة للأطفال: الحرف الضائع

قصة للأطفال: ليلى لا تأكل السمك

قصة وحكمة: السمكات الثلاث

للمزيد            

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً 

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق