"ثروَةٌ لا تُنفَق، كَظِلٍّ لا يُدرَك"
فِي زَمَنٍ قَدِيمٍ، كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ تَمَلَّكَهُ حُبُّ المَالِ، وَاسْتَحْكَمَ فِي قَلْبِهِ الشُّحُّ وَالْبُخْلُ، فَكَانَ يَقْتَنِي الذَّهَبَ اقْتِنَاءَ الْمُتَعَطِّشِ لِلْمَاءِ، ثُمَّ يُخْفِيهِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ حَدِيقَتِهِ كَالْهَارِبِ مِنْ لُصُوصٍ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ.
وَكَانَ
لِلرَّجُلِ عَادَةٌ غَرِيبَةٌ؛ إِذْ دَأَبَ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ كُلَّ أُسْبُوعٍ
إِلَى الشَّجَرَةِ الْعَتِيقَةِ، يَحْفِرُ تَحْتَ جُذُورِهَا، ثُمَّ يُخْرِجُ مَا كَنَزَهُ
مِنْ ذَهَبٍ، وَيَجْلِسُ يَتَأَمَّلُ بَرِيقَهُ الزَّاهِيَ بِعَيْنَيْنِ
تَلْمَعَانِ كَعَيْنَي ثَعْلَبٍ يُرَاقِبُ فَرِيسَتَهُ مِنْ مَخْبَئِهِ،
وَيَرْتَجِفُ قَلْبُهُ فَرَحًا، وَكَأَنَّمَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ أَنَّهُ لَا
أَحَدَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ يَمْلِكُ كَنْزًا كَكَنْزِهِ، أَوْ ذَهَبًا
كَذَهَبِهِ.
وَحَدَثَ
أَنْ مَرَّ لِصٌّ بِمَكَانِهِ فِي لَيْلَةٍ سَادَ فِيهَا الصَّمْتُ إِلَّا مِنْ
أَصْدَاءِ الرِّيحِ الْهَامِسَةِ بَيْنَ أَغْصَانِ الْأَشْجَارِ، فَرَآهُ وَهُوَ
يَدْفِنُ ذَهَبَهُ، وَيَتَفَقَّدُهُ كُلَّ حِينٍ وَحِينٍ. فَغَاصَتِ الْفِكْرَةُ
فِي عَقْلِ اللِّصِّ كَمَا يَغُوصُ الْخَنْجَرُ فِي اللَّحْمِ، وَفَكَّرَ:
"مَا قِيمَةُ كَنْزٍ لَا حَارِسَ لَهُ وَلَا حَامٍ؟" فَانْتَظَرَ حَتَّى
عَمَّ الْمَكَانَ الظَّلَامُ، وَغَطَّ الْبَخِيلُ فِي سُبَاتٍ عَمِيقٍ، ثُمَّ
تَسَلَّلَ بِخِفَّةِ الذِّئْبِ، وَحَفَرَ بِيَدَيْهِ، وَاسْتَلَّ الْكَنْزَ مِنْ
جَوْفِ الْأَرْضِ كَمَا يُسْتَلُّ السَّيْفُ مِنْ غِمْدِهِ، ثُمَّ وَلَّى هَارِبًا
كَلَمْحِ الْبَصَرِ.
وَمَرَّتِ
الْأَيَّامُ حَتَّى جَاءَ الْبَخِيلُ مَرَّةً أُخْرَى، وَقَدِ اشْتَاقَتْ
عَيْنَاهُ إِلَى بَرِيقِ ذَهَبِهِ اللَّامِعِ، وَارْتَعَشَ قَلْبُهُ لَهِيبًا
لِرُؤْيَتِهِ، فَحَفَرَ حُفْرَتَهُ كَعَادَتِهِ، فَإِذَا الْمَكَانُ خَاوٍ
كَخَوَاءِ صَدْرِ الْأَفْعَى! كَادَ عَقْلُهُ يَطِيرُ مِنْ شِدَّةِ الْهَوْلِ،
فَصَاحَ صَيْحَةً مَزَّقَتْ سُكُونَ الْفَجْرِ، وَانْحَنَى عَلَى الْأَرْضِ
يَلْطِمُهَا بِيَدَيْهِ، وَيَنْتَحِبُ بُكَاءً كَالثَّكْلَى.
اجْتَمَعَ
الْجِيرَانُ إِلَيْهِ وَقَدْ ذُعِرُوا مِنْ صَرْخَتِهِ، فَسَأَلُوهُ: "مَا
بَالُكَ أَيُّهَا الرَّجُلُ؟ مَاذَا حَلَّ بِكَ؟" فَأَخْبَرَهُمْ
بِحَسْرَتِهِ عَلَى ذَهَبِهِ الضَّائِعِ، وَبِقِصَّتِهِ الَّتِي كَانَ فِيهَا
يَجْمَعُ الْمَالَ دُونَ أَنْ يَمَسَّهُ أَوْ يَنْتَفِعَ بِهِ، بَلْ يَجِيءُ كُلَّ
أُسْبُوعٍ لِيَنْظُرَ إِلَيْهِ نَظْرَةَ الْعَاشِقِ الْمُغْرَمِ.
وَهُنَا
ابْتَسَمَ أَحَدُ الْجِيرَانِ ابْتِسَامَةً سَاخِرَةً وَقَالَ: "وَيْحَكَ!
أَوَقَدْ أَخَذْتَ مِنْ ذَلِكَ الْكَنْزِ شَيْئًا قَطُّ؟ أَوْ اشْتَرَيْتَ بِهِ
طَعَامًا أَوْ لِبَاسًا؟" فَأَجَابَ الْبَخِيلُ فِي حَسْرَةٍ: "كَلَّا،
مَا كُنْتُ إِلَّا أَنْظُرُ إِلَيْهِ، ثُمَّ أَنْصَرِفُ عَنْهُ كَمَا
جِئْتُ." فَقَالَ لَهُ الْجَارُ وَهُوَ يُرَبِّتُ عَلَى كَتِفِهِ: "لَا
بَأْسَ إِذًا، عُدْ إِلَى الْحُفْرَةِ، وَامْكُثْ عِنْدَهَا، وَتَأَمَّلِ
الْفَرَاغَ؛ فَإِنِّي أَرَى أَنَّ فَرَاغَكَ الْيَوْمَ لَا يَخْتَلِفُ عَنْ
ذَهَبِكَ بِالْأَمْسِ، وَكِلَاهُمَا سَوَاءٌ: مَا هُوَ إِلَّا ظِلٌّ لِشَيْءٍ لَا
يُنْتَفَعُ بِهِ."
فَفِي
ذَلِكَ الْمَوْقِفِ، أَدْرَكَ الْبَخِيلُ أَنَّ الثَّرْوَةَ الَّتِي لَا تُنْفَقُ
هِيَ كَحُلْمٍ فِي رَأْسِ النَّائِمِ، أَوْ سَرَابٍ فِي كَبِدِ الصَّحْرَاءِ،
يَطْمَعُ فِيهِ مَنْ يَرَاهُ، وَلَا يَرْوِي ظَمَأَ مَنْ يَبْلُغُهُ.
وَمَا قِيمَةُ الْمَالِ إِنْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ؟ فَهُوَ إِذْ ذَاكَ كَمَاءٍ فِي بِئْرٍ عَمِيقَةٍ لَا تُدْرِكُهَا الدِّلَاءُ، أَوْ كَسَيْفٍ يَصْدَأُ فِي غِمْدِهِ، فَلَا يُقْطَعُ بِهِ عُنُقٌ، وَلَا يُذَادُ بِهِ عَنْ عَدُوٍّ.
قصة للأطفال: العصفور والفيل والثعلب
قصة وحكمة: بانشو فيللا: من بطل إلى كابوس لأميركا
قصة للأطفال: ليلى لا تأكل السمك
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق