الاثنين، 28 أكتوبر 2024

• قصة وحكمة: الحِصانُ المَغرورُ

مَنْ تكبّر على الضعفاء، أذلّه الزمان

في قديمِ الزمانِ، كان هناك حِصانٌ يتبخترُ بجسَدِهِ الفارِهِ، يتمايلُ في مِشيتِهِ مُختالًا كأنَّهُ مَلِكُ الزمانِ، وقد ارتدى أثوابًا بَرَّاقةً كضوءِ النُّجومِ تتلألأُ في عَتمةِ الليلِ كأنها دُرَرٌ مُتناثرةٌ في السماءِ، مَزهُوًّا بِنَعومةِ شَعْرِهِ وحُسنِ هَيْئَتِهِ. يَمشي في الأسواقِ وعلى الطُّرُقاتِ كأنَّ الأرضَ تتزيَّنُ لمرورِهِ، وكُلَّما رأى أَحَدًا من الحيواناتِ البائِسةِ، أطلَقَ ضِحكةً ساخِرةً، تَخرُجُ من صَدرِهِ كالسَّهمِ المَسمومِ.

وذاتَ يومٍ، رأى حَمَّارًا كادَ ظهرُهُ أنْ يَنحني من ثِقلِ الحِمْلِ على دَربٍ مُزدَحِمٍ. كانَ الحِمارُ يَسيرُ ببطءٍ، يَتَقدَّمُ خُطوةً ويَتَراجَعُ أُخرى، كأنَّهُ يَحملُ جِبالًا على ظهرِهِ. اقتربَ منهُ الحِصانُ وقالَ بِنبرةٍ تَعُجُّ بالغَطْرَسةِ والكِبرياءِ: "تنحَّ أيُّها البائِسُ! إنَّكَ تَعوقُ طريقي بِحَرَكَتِكَ البَطيئةِ، فَقَدْ أَركُلُكَ بقدمي إن لم تُسرِعْ!".

رَفَعَ الحمارُ رأسَهُ الضَّعيفَ إلى السَّماءِ، دونَ أنْ يَنْبِسَ بِبِنتِ شَفَةٍ، وكأنَّ لِسانَ حالِهِ يقولُ: "سَأَترُكُ الزَّمَنَ ليَحكُمَ بَينَنا، فليسَ لي حيلةٌ اليومَ، ولَعَلَّ لي نصيبًا من الإنصافِ غدًا".

ومَرَّتِ الأعوامُ كأنَّها غَمضَةُ عينٍ، وشابَت مَفاصِلُ الحِصانِ وأصبحَ جَسَدُهُ أَثقَلَ من رُوحِهِ، فلم يَعُدْ كما كانَ فارسَ المِضمارِ. أُرسِلَ إلى المَزرعةِ لِيُؤدِّي الأَعمالَ الشاقَّةَ، بعدَ أنْ خَارَت قواهُ وبَهَتَ لَمعانُ هَيْئتِهِ. وذاتَ صباحٍ، مَرَّ بهِ الحمارُ الذي كانَ قد اعتادَ الحِصانُ السُّخريةَ منهُ، فَرَأى الحِصانَ وهوَ يَسحَبُ عَرَبةً مُحمَّلةً بالطِّينِ والأَوحالِ، وقد انحنى ظهرُهُ كما يَنحني القَصَبُ تحتَ الرِّياحِ العاتيةِ. لم يَعُدْ في وجهِهِ ذاكَ البَهاءُ، ولا على جسدِهِ تلكَ الثيابُ المُزركشةُ.

تَبَسَّمَ الحِمارُ، واقتَرَبَ قائلًا: "أينَ ثيابُكَ البَرَّاقةُ، أيُّها الحِصانُ؟ وأينَ عِزُّكَ وفَخْرُكَ الذي كنتَ تَتَبَجَّحُ بهِ؟ لقد أَضحيتَ اليومَ كمنْ كنتَ تَسخرُ منهُ، تَحملُ أَثقالًا فوقَ طاقَتِكَ، كما كنتَ تَراهُ ذُلًّا في الماضي".

أطْرَقَ الحِصانُ برأسِهِ إلى الأرضِ، وتَدَفَّقَت في قلبِهِ موجاتٌ من النَّدمِ والأسى، كأنَّها أمواجُ البحرِ لا تهدأُ. أَدركَ حينها فَداحةَ غَطرستِهِ وسُوءَ صَنيعِهِ، وتَذكَّرَ أيَّامَهُ الخوالي حينَ كانَ يَظُنُّ نفسَهُ سيدَ المخلوقاتِ، فوجدَ نفسَهُ الآنَ في موضعِ من كانَ يَزدريهِ. شَعَرَ بمَرارةِ النَّدمِ تَعتصرُ قلبَهُ، ولسانُ حالِهِ يقولُ: "ما أَغدَقَ الدَّهرُ في عِبَرِهِ، وما أَعظَمَ الدُّروسَ التي تَأتي بعدَ فَواتِ الأوانِ".

إقرأ أيضاً:

قصة دينية: عبدالله بن المبارك في الحج

قصة وحكمة: الأسد والدولفين

نوادر العرب: الأعرابي والجمل

قصة وحكمة: العجوز والعصفور

قصة للأطفال: مخبوزات بطعم الأحلام

للمزيد            

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً 

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق