غَدْرٌ
فِي سَالِفِ ٱلْأَزْمَانِ، حَيْثُ كَانَ ٱلْعَجَبُ مِنْ طَبَائِعِ ٱلْحَيَوَانِ لَا يَفْتُرُ، كَانَ هُنَاكَ قِرْدٌ ذُو عَقْلٍ رَشِيدٍ، يَعِيشُ عَلَى شَجَرَةٍ وَارِفَةِ ٱلْأَغْصَانِ بِجِوَارِ نَهْرٍ عَذْبٍ تَتَهَادَى فِيهِ ٱلْمِيَاهُ. وَفِي يَوْمٍ مِنَ ٱلْأَيَّامِ، أَتَى تِمْسَاحٌ سَبَّاحٌ، تَتَلَأْلَأُ فِي عَيْنَيْهِ أَطْيَافُ ٱلطَّمَعِ، وَطَلَبَ مِنَ ٱلْقِرْدِ شَيْئًا مِنَ ٱلْفَاكِهَةِ ٱلَّتِي يَتَلَذَّذُ بِتَنَاوُلِهَا. فَمَا كَانَ مِنَ ٱلْقِرْدِ إِلَّا أَنْ ٱسْتَجَابَ لِطَلَبِهِ وَأَكْرَمَهُ بِمَا فِي جُعْبَتِهِ مِنْ فَاكِهَةٍ نَاضِجَةٍ لَذِيذَةٍ.
عَادَ
ٱلتِّمْسَاحُ إِلَى ٱلنَّهْرِ وَهُوَ يَشْكُرُ صَدِيقَهُ ٱلْجَدِيدَ عَلَى
كَرَمِهِ، وَوَجَدَ أَنَّ طَعْمَ ٱلْفَاكِهَةِ يَأْسِرُ قَلْبَهُ. وَفِي ٱلْيَوْمِ
ٱلتَّالِي، سَبَحَ مُجَدَّدًا إِلَى ٱلشَّجَرَةِ طَالِبًا مَزِيدًا مِنَ
ٱلْفَاكِهَةِ. وَمِنْ شِدَّةِ سَخَاءِ ٱلْقِرْدِ وَحُسْنِ طَبْعِهِ، لَمْ
يَتَوَانَ عَنْ تَقْدِيمِ ٱلْمَزِيدِ. تَطَوَّرَتْ هَذِهِ ٱلزِّيَارَةُ
ٱلْيَوْمِيَّةُ إِلَى عِلَاقَةٍ مَتِينَةٍ بَيْنَ ٱلْقِرْدِ وَٱلتِّمْسَاحِ،
حَتَّى وَثِقَ ٱلْقِرْدُ فِي صَدِيقِهِ ٱلْمَائِيِّ.
وَذَاتَ
مَسَاءٍ، بَعْدَمَا تَذَوَّقَتْ زَوْجَةُ ٱلتِّمْسَاحِ ٱلْفَاكِهَةَ ٱلَّتِي
أَحْضَرَهَا لَهَا زَوْجُهَا، أَبْدَاهَا ٱلْإِعْجَابُ بِمَا أَكَلَتْهُ
وَأَبْدَتْ رَغْبَةً مُلِحَّةً فِي ٱلْحُصُولِ عَلَى ٱلْمَزِيدِ. وَبَلَغَ بِهَا
ٱلْجَشَعُ مَبْلَغًا عَظِيمًا، حَتَّى طَمِعَتْ فِي قَلْبِ ٱلْقِرْدِ ذَاتِهِ
لِتَتَنَاوَلَهُ. وَبَيْنَ نَارِ حُبِّ زَوْجَتِهِ وَصَدَاقَةِ ٱلْقِرْدِ،
ٱحْتَارَ ٱلتِّمْسَاحُ وَخَافَ أَنْ تَخْسَرَهُ زَوْجَتُهُ إِذَا لَمْ يَأْتِ
بِمَا طَلَبَتْ.
فَٱضْطُرَّ
ٱلتِّمْسَاحُ إِلَى رَسْمِ خُطَّةٍ خَبِيثَةٍ. أَتَى إِلَى ٱلْقِرْدِ وَدَعَاهُ
لِلْغَدَاءِ عَلَى شَاطِئِ ٱلنَّهْرِ، وَأَخْبَرَهُ بِأَنَّ زَوْجَتَهُ تُودُّ
لِقَاءَهُ وَٱلتَّرْحِيبَ بِهِ. وَلِأَنَّ ٱلْقِرْدَ لَمْ يَشُكَّ لَحْظَةً فِي
نَوَايَا صَدِيقِهِ، قَفَزَ عَلَى ظَهْرِهِ مُسْتَعِدًّا لِلرِّحْلَةِ.
بَيْنَمَا
كَانَا يَقْطَعَانِ مِيَاهَ ٱلنَّهْرِ، أَفْضَى ٱلتِّمْسَاحُ إِلَى ٱلْقِرْدِ
بِنِيَّتِهِ ٱلْحَقِيقِيَّةِ، وَأَنَّ قَلْبَهُ هُوَ ٱلْمُرَادُ. ٱرْتَعَدَ
ٱلْقِرْدُ مِنْ هَوْلِ مَا سَمِعَ، لَكِنَّهُ تَحَلَّى بِٱلذَّكَاءِ
وَٱلْفِطْنَةِ. فَقَالَ لِلتِّمْسَاحِ: "آه يَا صَدِيقِي، لَقَدْ نَسِيتُ
قَلْبِي فِي ٱلشَّجَرَةِ، وَيَجِبُ أَنْ نَعُودَ لِنَأْخُذَهُ." وَلِأَنَّ
ٱلتِّمْسَاحَ كَانَ عَلَى سَذَاجَةٍ لَمْ يَتَوَقَّعْهَا أَحَدٌ، صَدَّقَ ٱلْقِرْدَ
وَعَادَ بِهِ إِلَى ضَفَّةِ ٱلنَّهْرِ.
وَمَا إِنْ وَطَأَتْ أَقْدَامُ ٱلْقِرْدِ ٱلْأَرْضَ، حَتَّى قَفَزَ بِخِفَّةٍ وَسُرْعَةٍ إِلَى أَعْلَى ٱلشَّجَرَةِ. وَأَدْرَكَ ٱلتِّمْسَاحُ مُتَأَخِّرًا أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي خُدْعَةٍ بَارِعَةٍ. قَالَ ٱلْقِرْدُ بِلَهْجَةِ ٱلْعِتَابِ: "ٱلصَّدِيقُ ٱلْحَقِيقِيُّ لَا يَطْعَنُ صَاحِبَهُ، وَلَا يَسْعَى لِأَذِيَّتِهِ مِنْ أَجْلِ مَنْفَعَةٍ زَائِلَةٍ."
إقرأ أيضاً:
نوادر العرب: دهاء المغيرة بن شعبة
قصة للأطفال: الثعلب الماكر والغراب المغرور
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق