حُرِّيَّةٌ
في يَومٍ مِن أَيَّامِ الصَّحْوِ البَهِيَّةِ، خَرَجَ ذِئْبٌ هَائِمٌ فِي الفَلَاةِ، يَطْوِي الأَرْضَ طَيًّا بَحْثًا عَنْ لُقْمَةٍ يَسُدُّ بِهَا رَمَقَهُ، وَيُطْفِئُ بِهَا نَارَ جُوعِهِ. وَمَا إِنِ اقْتَرَبَ مِن إِحْدَى القُرَى، حَتَّى وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى كَلْبٍ سَمِينٍ، يَرْفُلُ فِي عَافِيَةٍ، يَمْرَحُ بَيْنَ ظِلَالِ الأَشْجَارِ وَكَأَنَّ الدُّنْيَا قَدْ أُهْدِيَتْ إِلَيْهِ. فَأَخَذَ الذِّئْبُ يَتَأَمَّلُهُ بِحَسْرَةٍ وَحَيْرَةٍ، وَقَالَ فِي نَفْسِهِ: "كَيْفَ لَكَ، يَا كَلْبُ، أَنْ تَبْدُوَ فِي هَذِهِ النَّضَارَةِ وَالسُّرُورِ؟!"
اقْتَرَبَ الذِّئْبُ
مِنَ الكَلْبِ وَسَأَلَهُ مُتَعَجِّبًا: "يَا كَلْبُ، كَيْفَ بَلَغْتَ هَذِهِ
الحَالَ مِنَ الرَّغَدِ وَالهَنَاءِ؟"
ابْتَسَمَ الكَلْبُ
ابْتِسَامَةَ الوَاثِقِ الرَّاضِي وَقَالَ: "أَعِيشُ مَعَ قَوْمٍ
يُكْرِمُونَنِي بِطَعَامٍ وَفِيرٍ وَمَأْوًى دَافِئٍ. وَفِي المُقَابِلِ، أَذُودُ
عَنْ دَارِهِمْ وَأَحْمِيهِمْ مِنْ كُلِّ خَطَرٍ."
تَأَمَّلَ الذِّئْبُ فِي
كَلَامِ الكَلْبِ مَلِيًّا وَقَالَ: "تِلْكَ حَيَاةٌ يَسِيرَةٌ لَا مَشَقَّةَ
فِيهَا. لَيْتَنِي أَسْتَطِيعُ أَنْ أَعِيشَ مَعَكَ وَأَنْعَمَ بِمَا تَنْعَمُ
بِهِ."
هَزَّ الكَلْبُ رَأْسَهُ
وَقَالَ: "بِالطَّبْعِ! تَعَالَ مَعِي، وَسَأُعَرِّفُكَ عَلَى سَيِّدِي."
وَبَيْنَمَا كَانَا
يَسِيرَانِ مَعًا، لَفَتَ نَظَرَ الذِّئْبِ أَثَرٌ حَوْلَ رَقَبَةِ الكَلْبِ،
فَسَأَلَهُ مُسْتَغْرِبًا: "مَا هَذَا الأَثَرُ الَّذِي أَرَاهُ عَلَى
رَقَبَتِكَ؟"
أَجَابَ الكَلْبُ
بِبَسَاطَةٍ: "هَذَا مِنْ طَوْقِي الَّذِي يَضَعُهُ سَيِّدِي عَلَيَّ. يَرْبِطُنِي
بِهِ أَثْنَاءَ النَّهَارِ وَيُطْلِقُنِي فِي اللَّيْلِ لِأَقُومَ بِحِرَاسَةِ
البَيْتِ."
تَوَقَّفَ الذِّئْبُ عَنِ
السَّيْرِ لَحْظَةً وَتَأَمَّلَ فِي كَلَامِ الكَلْبِ، ثُمَّ قَالَ: "إِذَنْ،
لَا تَمْلِكُ حُرِّيَّةَ الذِّهَابِ أَيْنَمَا شِئْتَ؟"
أَوْمَأَ الكَلْبُ
بِرَأْسِهِ وَقَالَ: "نَعَمْ، لَكِنَّنِي أَسْتَمْتِعُ بِطَعَامٍ شَهِيٍّ
وَمَأْوًى مُرِيحٍ."
بَعْدَ أَنْ دَارَ
الأَمْرُ فِي ذِهْنِ الذِّئْبِ مِرَارًا، قَالَ بِصَوْتٍ هَادِئٍ لَكِنَّهُ
حَازِمٌ: "أَشْكُرُ لَكَ عَرْضَكَ الكَرِيمَ، وَلَكِنَّنِي لَا أَسْتَطِيعُ
أَنْ أَعِيشَ هَذِهِ الحَيَاةَ. أُفَضِّلُ أَنْ أَكُونَ حُرًّا طَلِيقًا،
أَصْطَادُ قُوتِي بِنَفْسِي، عَلَى أَنْ أَكُونَ مُكَبَّلًا بِحَبْلٍ وَإِنْ كَانَ
مِنْ ذَهَبٍ."
وَبِهَذِهِ الكَلِمَاتِ، انْطَلَقَ الذِّئْبُ عَائِدًا إِلَى الغَابَةِ، مُفَضِّلًا حَيَاةَ الحُرِّيَّةِ عَلَى حَيَاةِ التَّرَفِ المُقَيَّدِ.
قصة وحكمة: الخفّاش بين الطير والحيوان
قصة مُخَيِّبَة: في المقهى عصفور
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق