الفيلُ الوفيّ
فِي قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ تُطِلُّ عَلَى نَهْرٍ هَادِئٍ وَتُحِيطُ بِهَا غَابَةٌ وَاسِعَةٌ، عَاشَ مَجْمُوعَةٌ مِنَ النَّجَّارِينَ الْمَهَرَةِ. كَانُوا فِي كُلِّ صَبَاحٍ يَسْتَقِلُّونَ قَوَارِبَهُمُ الصَّغِيرَةَ وَيَنْطَلِقُونَ نَحْوَ الْغَابَةِ حَيْثُ يَقْضُونَ سَاعَاتٍ طَوِيلَةٍ فِي قَطْعِ الأَشْجَارِ وَتَحْوِيلِهَا إِلَى أَخْشَابٍ رَائِعَةٍ لِأَعْمَالِهِمُ الْفَنِّيَّةِ.
وَفِي
صَبَاحٍ مُشْرِقٍ، ظَهَرَ فَجْأَةً بَيْنَهُمْ فِيلٌ كَبِيرٌ أَعْرَجُ بِالْكَادِ
يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ. كَانَتْ قَدَمُهُ مُنْتَفِخَةً وَمُؤْلِمَةً، مِمَّا
جَعَلَهُ يَسْتَلْقِي بِجَانِبِ النَّجَّارِينَ بَحْثًا عَنِ الرَّاحَةِ. لَاحَظَ
النَّجَّارُونَ وُجُودَ شَظِيَّةٍ ضَخْمَةٍ عَالِقَةٍ فِي قَدَمِهِ، فَهَرَعُوا
لِمُسَاعَدَتِهِ. قَامُوا بِنَزْعِ الشَّظِيَّةِ بِلُطْفٍ وَتَنْظِيفِ جُرْحِهِ
بِعِنَايَةٍ. وَمَا هِيَ إِلَّا أَيَّامٌ قَلِيلَةٌ حَتَّى بَدَأَتْ قَدَمُ
الفِيلِ تَلْتَئِمُ بِفَضْلِ رِعَايَتِهِمْ.
امْتَلَأَ
قَلْبُ الفِيلِ بِالِامْتِنَانِ تِجَاهَ النَّجَّارِينَ الطَّيِّبِينَ، وَقَرَّرَ
أَنْ يَرُدَّ لَهُمُ الْجَمِيلَ. فَقَالَ لِنَفْسِهِ: "لَقَدْ سَاعَدَنِي
هَؤُلَاءِ النَّجَّارُونَ عِنْدَمَا كُنْتُ فِي أَلَمٍ شَدِيدٍ، حَانَ دَوْرِي
الآنَ لِمُسَاعَدَتِهِمْ". وَبَدَأَ مُنْذُ ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي تَقْدِيمِ
الْعَوْنِ لَهُمْ. كَانَ الفِيلُ يَسْحَبُ الأَشْجَارَ الضَّخْمَةَ وَيُدْحْرِجُ
جُذُوعَهَا إِلَى النَّهْرِ، وَيُحْضِرُ لَهُمُ الأَدَوَاتِ الثَّقِيلَةَ.
وَبِالْمُقَابِلِ، كَانَ النَّجَّارُونَ يَحْرِصُونَ عَلَى إِطْعَامِهِ يَوْمِيًّا
وَيَعْتَنُونَ بِهِ كَأَحَدِ أَفْرَادِ عَائِلَتِهِمْ.
أَنْجَبَ
الفِيلُ ابْنًا جَمِيلًا أَبْيَضَ اللَّوْنِ كَثَلْجِ الشِّتَاءِ. وَمَعَ مُرُورِ
الأَيَّامِ، كَبُرَ الفِيلُ الصَّغِيرُ وَأَصْبَحَ قَوِيًّا مِثْلَ وَالِدِهِ.
فَكَّرَ الفِيلُ الأَبُ وَقَالَ لِنَفْسِهِ: "يَجِبُ أَنْ أُقَدِّمَ ابْنِي
لِلنَّجَّارِينَ، لَقَدْ كَانُوا طَيِّبِينَ مَعِي، وَالآنَ يُمْكِنُ لِابْنِي
أَنْ يُسَانِدَهُمْ". وَشَرَحَ لِابْنِهِ كَيْفَ اعْتَنَى النَّجَّارُونَ
بِهِ وَقَدَّمَهُ لَهُمْ بِفَخْرٍ.
بَدَأَ
الفِيلُ الأَبْيَضُ فِي مُسَاعَدَةِ النَّجَّارِينَ كَمَا فَعَلَ وَالِدُهُ.
وَكَانَ النَّجَّارُونَ يُطْعِمُونَهُ جَيِّدًا وَيَعْتَنُونَ بِهِ. بَعْدَ
الْعَمَلِ، كَانَ الفِيلُ الصَّغِيرُ يُحِبُّ اللَّعِبَ مَعَ أَطْفَالِ
النَّجَّارِينَ بِجَانِبِ النَّهْرِ. كَانَ يَحْمِلُهُمْ بِخُرْطُومِهِ
وَيَضَعُهُمْ عَلَى أَغْصَانِ الأَشْجَارِ، ثُمَّ يَدَعُهُمْ يَنْزِلُونَ عَلَى
ظَهْرِهِ، مِمَّا جَلَبَ لَهُمْ الْكَثِيرَ مِنَ السَّعَادَةِ وَالْمَرَحِ.
وَكَانَ
الْمَلِكُ يَمُرُّ ذَاتَ يَوْمٍ بِجَانِبِ النَّهْرِ وَلَاحَظَ الفِيلَ الأَبْيَضَ
الْمُذْهِلَ وَهُوَ يَعْمَلُ بِجَانِبِ النَّجَّارِينَ. أُعْجِبَ الْمَلِكُ
بِجَمَالِ الفِيلِ وَقُوَّتِهِ، وَقَرَّرَ أَنْ يَجْعَلَهُ جُزْءًا مِنْ
مَمْلَكَتِهِ. فَدَفَعَ لِلنَّجَّارِينَ ثَمَنًا بَاهِظًا، وَأَخَذَ الفِيلَ
مَعَهُ. نَظَرَ الفِيلُ إِلَى أَصْدِقَائِهِ الأَطْفَالِ لِلْمَرَّةِ الأَخِيرَةِ
قَبْلَ أَنْ يُغَادِرَ مَعَ الْمَلِكِ. وَقَدْ حَرَصَ الْمَلِكُ عَلَى رِعَايَةِ
الفِيلِ جَيِّدًا لِبَقِيَّةِ حَيَاتِهِ، لِيَعِيشَ الفِيلُ حَيَاةً مُرِيحَةً فِي
قَصْرِ الْمَلِكِ، مُحْتَفِظًا بِذِكْرَيَاتٍ جَمِيلَةٍ عَنِ النَّجَّارِينَ
الطَّيِّبِينَ وَأَطْفَالِهِمْ.
إقرأ أيضاً:
قصة وحكمة: مخ الحمار بين الثعلب والأسد
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق