داهية
فِي عَهدِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رضيَ اللهُ عنهُ، تَوَلَّى المُغِيرَةُ بنُ شُعبَةَ إِمَارَةَ البَحرَينِ، لَكِنَّ أَهلَهَا لَم يَطِيبُوا لَهُ نَفسًا، فَاستَوحَشُوا مِن حُكمِهِ وَاستَبغَضُوهُ، حَتَّى كَادُوا يَغصُّونَ بِهِ. فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الخَلِيفَةَ العَادِلَ عُمَرَ، لَم يَتَوَانَ فِي عَزلِهِ، فَقَد كَانَ يَنظُرُ فِي أَمرِ رَعِيَّتِهِ وَلَا يَغُضُّ الطَّرفَ عَن شَكواهم.
غَيرَ أَنَّ أَهلَ
البَحرَينِ لَم يَكتَفُوا بِهَذَا النَّصرِ، بَل خَشُوا أَن يُعِيدَ الخَلِيفَةُ
تَولِيَةَ المُغِيرَةِ عَلَيهِم مَرَّةً أُخرَى، فَأَضمَرُوا فِي نُفُوسِهِم
كَيدًا لِيُبعِدُوهُ عَنهُم إِلَى الأَبَدِ.
اجتَمَعَ كِبَارُ
القَومِ فِي مَجلِسٍ سِرِّيٍّ، يَتَشَاوَرُونَ فِيمَا بَينَهُم كَيفَ يُخرِجُونَ
المُغِيرَةَ مِن حَيَاتِهِم إِلَى الأَبَدِ. فَقَالَ أَحَدُهُم، وَهُوَ شَيخٌ
مُجرَّبٌ، عَركَتهُ الأَيَّامُ وَأَكسَبَتهُ دَهَاءً: "إِن كُنتُم تَطمَعُونَ
فِي أَن يُعفِيَكُم عُمَرُ مِنَ المُغِيرَةِ بِلَا رَجعَةٍ، فَاتَّبِعُوا مَا
آمُرُكُم بِهِ، وَلَا تَتَرَدَّدُوا". فَسَأَلُوهُ بِلَهفَةٍ: "وَمَا
تَأمُرُنَا بِهِ؟" فَأَجَابَهُم بِحَزمٍ: "اجمَعُوا لِي مِائَةَ أَلفِ
دِرهَمٍ، وَسَأَذهَبُ بِهَا إِلَى أَمِيرِ المُؤمِنِينَ، وَأَدَّعِي أَنَّ
المُغِيرَةَ اختَلَسَ هَذَا المَالَ وَدَفَعَهُ لِي". فَتَهَلَّلَ القَومُ،
وَبَادَرُوا إِلَى جَمعِ المَالِ.
حَمَلَ الشَّيخُ المَالَ
وَسَارَ بِهِ إِلَى المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ، حَتَّى مَثَلَ بَينَ يَدَي عُمَرَ،
وَأَخبَرَهُ بِمَا ادَّعَى، فَأَمَرَ عُمَرُ بِإحضَارِ المُغِيرَةِ عَلَى الفَورِ.
فَلَمَّا حَضَرَ المُغِيرَةُ، وَاجَهَهُ الخَلِيفَةُ بِالتُّهمَةِ، فَمَا كَانَ
مِنَ المُغِيرَةِ إِلَّا أَن قَالَ: "كَذَبَ هَذَا الرَّجُلُ -أَصلَحَكَ
اللهُ-، بَل كَانَت مَائَتَي أَلفِ دِرهَمٍ". فَاستَغرَبَ عُمَرُ مِن
رَدِّهِ، وَقَالَ: "فَمَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا الفِعلِ؟" فَرَدَّ
المُغِيرَةُ قَائِلًا: "الحَاجَةُ وَالعِيَالُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ".
ثُمَّ التَفَتَ عُمَرُ إِلَى الرَّجُلِ المُتَّهِمِ المُغِيرَةَ بِالخِيَانَةِ، وَقَالَ: "مَا قَولُكَ؟" فَأَجَابَ الشَّيخُ بِصَوتٍ وَاثِقٍ: "وَاللهِ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ، مَا دَفَعَ إِلَيَّ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا". عِندَهَا أَدرَكَ عُمَرُ أَنَّ الرَّجُلَ قَد افتَرَى عَلَى المُغِيرَةِ، فَقَالَ لِلمُغِيرَةِ: "مَا الَّذِي دَفَعَكَ إِلَى هَذَا؟" فَأَجَابَهُ المُغِيرَةُ بِابتِسَامَةٍ مَاكِرَةٍ: "يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ، أَردتُ أَن أُخزِيَهُ بِكَذبِهِ عَلَيَّ، فَقُلتُ مَا قُلتُ لِأَفضَحَهُ وَأَكشِفَ زَيفَهُ".
إقرأ أيضاً:
نوادر العرب: القاضي والمرأتان وكيد النساء
قصة وعبرة: الملك والوزير الحكيم كالدهار
قصة حب: دعد ودوقلة المنبجي القصيدة اليتيمة
قصة للأطفال: دفء اللُّعَب الجميلة
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق