الجمعة، 9 أغسطس 2024

• نوادر العرب: القاضي والمرأتان وكيد النساء

مَن حَفَرَ حفرةً لِأخيه وقع فيها

في زَمَنٍ مَضى، اشْتَهَرَ القاضي ابْنُ أَبي لَيْلى بِحِصافَةِ رَأْيِهِ وَدِقَّةِ حُكْمِهِ، وَذُكِرَ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ دَخَلَتَا عَلَيْهِ في نِزَاعٍ عَظِيمٍ، كُلٌّ مِنْهُمَا تُرِيدُ أَنْ تَفُوزَ بِالْحُكْمِ لِصَالِحِهَا. فَلَمَّا وَقَفَتَا بَيْنَ يَدَيْهِ، كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قَدْ غَطَّتْ وَجْهَهَا بِالْحِجَابِ، فَقَالَتْ إِحْدَاهُمَا:

"أَيُّهَا الْقَاضِي الْأَجَلُّ، إِنَّنِي أُعَانِي مِنْ ضِيقِ التَّنَفُّسِ في الغُرَفِ الضَّيِّقَةِ، وَهَذِهِ الغُرْفَةُ لَا تُتِيحُ لِي التَّنَفُّسَ بِحُرِّيَّةٍ. فَهَلْ تَأْذَنُ لِي بِكَشْفِ وَجْهِى؟"

لَمْ تَكَدِ الْمَرْأَةُ تَنْتَهِي مِنْ كَلَامِهَا حَتَّى قَالَتِ الْأُخْرَى: "أَيُّهَا الْقَاضِي الْحَكِيمُ، لَا تُصَدِّقْهَا، فَإِنَّ لَهَا وَجْهًا جَمِيلًا يَفْتِنُ الْقُلُوبَ وَيُغْوِي الْعُقُولَ، وَإِذَا مَا كَشَفَتْهُ فَقَدْ يَمِيلُ قَلْبُكَ في الْحُكْمِ." نَظَرَ الْقَاضِي إِلَيْهِمَا وَسَأَلَ: "مَنْ مِنْكُمَا تَبْدَأُ في عَرْضِ قَضِيَّتِهَا؟"

فَقَالَتْ إِحْدَاهُمَا: "ابْدَئِي أَنْتِ." فَرَدَّتِ الْأُخْرَى قَائِلَةً: "أَيُّهَا الْقَاضِي، هَذِهِ الْمَرْأَةُ هِيَ عَمَّتِي الَّتِي رَبَّتْنِي مُنْذُ الصِّغَرِ بَعْدَ وَفَاةِ وَالِدِي، وَأُنَادِيهَا بِأُمِّي لِمَا أَحْسَنَتْ إِلَيَّ مِنْ رِعَايَةٍ وَكَفَالَةٍ. وَعِنْدَمَا بَلَغْتُ سِنَّ الزَّوَاجِ، تَقَدَّمَ لِي ابْنُ عَمٍّ لِي، فَزَوَّجَتْنِي إِيَّاهُ عَمَّتِي. وَبَعْدَ ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ مِنْ زَوَاجِنَا، رَأَى زَوْجِي ابْنَةَ عَمَّتِي فَأَعْجَبَتْهُ، وَقَدْ سَعَتْ عَمَّتِي إِلَى إِغْوَائِهِ بِجَمَالِهَا حَتَّى عَرَضَتْ عَلَيْهِ الزَّوَاجَ مِنْهَا، مُشْتَرِطَةً أَنْ يَجْعَلَ أَمْرَ طَلَاقِي بَيْنَ يَدَيْهَا، فَوَافَقَ عَلَى ذَلِكَ."

وَفِي يَوْمِ الزِّفَافِ، زَيَّنَتْ عَمَّتِي ابْنَتَهَا وَأَدْخَلَتْهَا عَلَى زَوْجِي، ثُمَّ جَاءَتْنِي وَقَالَتْ: "زَوْجُكِ قَدْ تَزَوَّجَ ابْنَتِي، وَأَنْتِ الآنَ طَالِقٌ!" فَأَصْبَحْتُ مُطَلَّقَةً بِلَا ذَنْبٍ وَلَا جُرْمٍ، وَتَجْرِي الْأَيَّامُ وَأَنَا فِي حَسْرَةٍ مِنْ أَمْرِي.

وَمَرَّتِ السَّنَوَاتُ، حَتَّى عَادَ زَوْجُ عَمَّتِي مِنْ سَفَرٍ طَوِيلٍ، فَتَوَجَّهْتُ إِلَيْهِ وَقُلْتُ: "يَا زَوْجَ عَمَّتِي، هَلْ تَقْبَلُ أَنْ تَتَزَوَّجَنِي؟" وَكَانَ هَذَا الرَّجُلُ شَاعِرًا كَبِيرًا، فَلَمْ يَتَرَدَّدْ فِي الْمُوَافَقَةِ. فَقُلْتُ لَهُ: "لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ تَجْعَلَ أَمْرَ طَلَاقِ عَمَّتِي بَيْنَ يَدَيَّ." فَوَافَقَ، وَأَرْسَلْتُ إِلَى عَمَّتِي رَسُولًا يُخْبِرُهَا بِأَنَّنِي صِرْتُ زَوْجَةً لِزَوْجِهَا، وَقَدْ جَعَلَ أَمْرَهَا بَيْنَ يَدَيَّ، فَقُلْتُ لَهَا: "أَنْتِ طَالِقٌ!" فَكَانَتِ الْمُفَاجَأَةُ أَنِّي أَخَذْتُ مِنْهَا زَوْجَهَا.

هُنَا وَقَفَ الْقَاضِي مُشْدُوهًا مِمَّا سَمِعَ، فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: "أَيُّهَا الْقَاضِي، الْقِصَّةُ لَمْ تَنْتَهِ بَعْدُ!" فَقَالَ: "أَكْمِلِي، فَمَا الَّذِي حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ؟"

فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: "بَعْدَ فَتْرَةٍ، مَاتَ زَوْجِي الشَّاعِرُ، فَجَاءَتْ عَمَّتِي تُطَالِبُ بِالْمِيرَاثِ، بِحُجَّةِ أَنَّهُ كَانَ زَوْجَهَا فِي السَّابِقِ، فَاعْتَرَضْتُ وَقُلْتُ لَهَا: وَمَا شَأْنُكِ أَنْتِ بِالْمِيرَاثِ وَقَدْ طَلَّقْتُكِ! وَعِنْدَمَا انْقَضَتْ عِدَّتِي، جَاءَتْ عَمَّتِي بِابْنَتِهَا وَزَوْجِهَا، الَّذِي كَانَ زَوْجِي الْأَوَّلَ وَالَّذِي طَلَّقَنِي بِأَمْرِ عَمَّتِي. فَلَمَّا رَآنِي، تَذَكَّرَ حُبَّهُ الْقَدِيمَ وَحَنَّ إِلَيَّ، فَقُلْتُ لَهُ: 'أَتَعُودُ إِلَيَّ زَوْجًا؟' فَقَالَ: 'نَعَمْ'، قُلْتُ 'وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ أَمْرُ طَلَاقِ ابْنَةِ عَمَّتِي بِيَدِي.' فَوَافَقَ، فَقُلْتُ لِابْنَةِ عَمَّتِي: 'أَنْتِ طَالِقٌ!'".

هُنَا وَضَعَ الْقَاضِي يَدَيْهِ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ التَّعَجُّبِ، ثُمَّ قَالَ: "وَمَا هُوَ سُؤَالُكِ الْآنَ؟"

قَالَتِ الْعَمَّةُ: "أَيُّهَا الْقَاضِي الْعَادِلُ، أَلَيْسَ مِنَ الظُّلْمِ أَنْ تُطَلَّقَ أَنَا وَابْنَتِي، وَتَأْخُذَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ زَوْجَيْنَا وَمِيرَاثَنَا؟"

فَقَالَ الْقَاضِي ابْنُ أَبِي لَيْلَى: "وَاللَّهِ مَا أَرَى فِي ذَلِكَ ظُلْمًا وَلَا حُرْمَةً، فَالْأَمْرُ بَيْنَكُمْ كَانَ عَلَى رِضًا وَوَكَالَةٍ. وَمَنْ كَانَ بِيَدِهِ أَمْرُ الطَّلَاقِ وَالْوَكَالَةِ، فَقَدْ تَمَّ مَا أَرَادَ." ثُمَّ انْصَرَفَتِ الْمَرْأَتَانِ، وَذَهَبَ الْقَاضِي إِلَى الْخَلِيفَةِ الْمَنْصُورِ لِيَقُصَّ عَلَيْهِ مَا حَدَثَ، فَضَحِكَ الْمَنْصُورُ حَتَّى اهْتَزَّ مَجْلِسُهُ وَقَالَ: "قَاتَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْعَجُوزَ، لَقَدْ حَفَرَتْ حُفْرَةً لِنَفْسِهَا فَكَانَتْ نِهَايَتُهَا فِيهَا، فَمَا أَدْهَى النِّسَاءَ وَمَا أَمْكَرَهُنَّ!" ثُمَّ قَالَ: "أَطْعَمَنَا اللَّهُ مِنْ خَيْرِهِنَّ، وَوَقَانَا شَرَّهُنَّ!"

إقرأ أيضاً:

قصة وعبرة الديك واللؤلؤة

قصة للأطفال: الأميرة وحبة البازلاء

قصة وعبرة: الكلب والظل

قصة وعبرة: الإوزة التي تبيض ذهباً

قصة وحكمة: الأسد والتمثال

للمزيد            

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً 

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية 







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق