السبت، 10 أغسطس 2024

• قصة وعبرة: الْمَلِكُ وَالْوَزِيرُ الحكيم كالدهار

الوزير الداهية

فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ، فِي بِلَادِ الْهِنْدِ، كَانَتْ هُنَاكَ مَدِينَةٌ تُدْعَى "كَانْدَا"، وَاشْتَهَرَتْ تِلْكَ الْمَدِينَةُ بِجَمَالِهَا الْخَلَّابِ وَكَثَافَةِ أَشْجَارِهَا وَوَفْرَةِ زُهُورِهَا وَثِمَارِهَا، حَتَّى أُطْلِقَ عَلَيْهَا لَقَبُ "الْمَدِينَةُ الْخَضْرَاءُ".

وَكَانَ أَهْلُ كَانْدَا يُعْرَفُونَ بِنَشَاطِهِمْ وَحَيَوِيَّتِهِمْ؛ إِذْ يَسْتَيْقِظُونَ كُلَّ صَبَاحٍ عَلَى صَوْتِ دَقَّاتِ الْجَرَسِ الْكَبِيرِ الْمُثَبَّتِ فَوْقَ بُرْجٍ عَالٍ يَعْلُو قَصْرَ الْمَلِكِ نَفْسِهِ. هَذَا الْبُرْجُ كَانَ مَطْلِيًّا بِاللَّوْنِ الْأَخْضَرِ، وَكَانَ هُنَاكَ عَامِلٌ مُخْلِصٌ مِنْ سُكَّانِ الْمَدِينَةِ يَتَوَلَّى صِيَانَةَ السَّاعَةِ وَإِصْلَاحَ أَيِّ خَلَلٍ يُصِيبُهَا.

وَفِي لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي الصَّيْفِ الْحَارَّةِ، أَصَابَ مَلِكَ مَدِينَةِ كَانْدَا الْأَرَقُ. فَبَعْدَ يَوْمٍ طَوِيلٍ مِنْ إِدَارَةِ شُؤُونِ الْمَمْلَكَةِ، تَوَجَّهَ إِلَى فِرَاشِهِ لِيَنَالَ قِسْطًا مِنَ الرَّاحَةِ، إِلَّا أَنَّ النَّوْمَ جَافَاهُ. تَقَلَّبَ الْمَلِكُ فِي فِرَاشِهِ سَاعَاتٍ طِوَالٍ، حَتَّى أُعْلِنَ حُلُولُ الصَّبَاحِ بِدَقَّاتِ الْجَرَسِ عِنْدَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ. وَرَغْمَ يَقَظَتِهِ، شَعَرَ الْمَلِكُ بِالْإِرْهَاقِ الشَّدِيدِ وَالتَّشَتُّتِ الذِّهْنِيِّ، فَقَرَّرَ أَنْ يَقْضِيَ يَوْمًا مِنَ الرَّاحَةِ وَالِاسْتِجْمَامِ خَارِجَ الْمَدِينَةِ، يَسْتَعِيدُ فِيهِ صَفَاءَ ذِهْنِهِ وَهُدُوءَ تَفْكِيرِهِ، مُصْطَحِبًا وَزِيرَهُ الْحَكِيمَ كَالْدَهَارَ، الَّذِي كَانَ خَيْرَ رَفِيقٍ لَهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الرِّحْلَاتِ.

أَمَرَ الْمَلِكُ أَحَدَ حُرَّاسِهِ بِاسْتِدْعَاءِ الْوَزِيرِ الْحَكِيمِ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَمْ تَمْضِ دَقَائِقُ حَتَّى دَخَلَ الْوَزِيرُ الْغُرْفَةَ. كَانَ الْوَزِيرُ قَدْ بَلَغَ السَّبْعِينَ مِنَ الْعُمْرِ، وَقَدْ تَرَكَ الزَّمَنُ آثَارًا وَاضِحَةً عَلَى وَجْهِهِ، بِلِحْيَةٍ بَيْضَاءَ وَبَشَرَةٍ نَاصِعَةٍ تُعَبِّرُ عَنِ الصَّفَاءِ وَالْمَحَبَّةِ الَّتِي كَانَ يَكِنُّهَا لِلنَّاسِ جَمِيعًا. وَكَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَكِنُّونَ لَهُ حُبًّا وَاحْتِرَامًا كَبِيرَيْنِ؛ إِذْ كَانَ دَائِمَ الْوُقُوفِ بِجَانِبِهِمْ، يَسْعَى فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ، وَيَحُلُّ مَشَاكِلَهُمْ بِحِكْمَتِهِ وَرَأْيِهِ السَّدِيدِ.

وَبَعْدَ أَنْ أَخْبَرَ الْمَلِكُ الْوَزِيرَ بِرَغْبَتِهِ فِي الْقِيَامِ بِرِحْلَةٍ خَلَّابَةٍ لِاسْتِعَادَةِ نَشَاطِهِ، أَبْدَى الْوَزِيرُ دَهْشَتَهُ، مُشِيرًا إِلَى أَنَّ الْيَوْمَ مُزْدَحِمٌ بِالْأَعْمَالِ الْهَامَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِشُؤُونِ الْمَمْلَكَةِ، لَكِنَّ الْمَلِكَ أَصَرَّ عَلَى تَنْفِيذِ رَغْبَتِهِ، فَأَمَرَ الْوَزِيرَ بِأَنْ يُعِدَّ جَوَادَيْنِ قَوِيَّيْنِ لِيَنْطَلِقَا فِي غُضُونِ نِصْفِ سَاعَةٍ.

اِنْطَلَقَ الْمَلِكُ وَالْوَزِيرُ عَلَى جَوَادَيْهِمَا، مُتَجَوِّلَيْنِ بَيْنَ الْحُقُولِ وَالْبَسَاتِينِ، مُسْتَمْتِعَيْنِ بِمُشَاهَدَةِ الْفَلَّاحِينَ وَهُمْ يَعْمَلُونَ فِي الْحَصَادِ. كَانَتِ السَّعَادَةُ بَادِيَةً عَلَى وُجُوهِ الْجَمِيعِ؛ فَمَوْسِمُ الْحَصَادِ كَانَ لَهُمْ عِيدًا، يَنْسَوْنَ فِيهِ مَتَاعِبَهُمْ وَآلَامَهُمْ، وَيَتَطَلَّعُونَ إِلَى الْخَيْرِ الْوَفِيرِ الَّذِي سَيَحْصُلُونَ عَلَيْهِ مِنْ بَيْعِ مَحَاصِيلِهِمْ.

وَمَعَ اشْتِدَادِ حَرَارَةِ الشَّمْسِ، اِقْتَرَبَ الْمَلِكُ وَالْوَزِيرُ مِنَ النَّهْرِ، وَشَعَرَا بِعَطَشٍ شَدِيدٍ. نَزَلَ الْمَلِكُ وَوَزِيرُهُ إِلَى ضِفَافِ النَّهْرِ، وَارْتَشَفَا مِنْ مِيَاهِهِ الْعَذْبَةِ، فِيمَا رَوَى الْجَوَادَانِ عَطَشَهُمَا. تَأَمَّلَ الْمَلِكُ فِي جَمَالِ النَّهْرِ وَصَفَائِهِ، وَأَثْنَى عَلَى نِعْمَةِ اللَّهِ الَّذِي وَهَبَهُمْ هَذَا النَّهْرَ لِيَسْقِيَ بِهِ مَزَارِعَهُمْ وَيُحْيِي أَرْضَهُمْ. لَكِنْ سُرْعَانَ مَا تَبَادَرَ إِلَى ذِهْنِهِ تَسَاؤُلٌ حَوْلَ اِمْتِدَادِ هَذَا النَّهْرِ بَعْدَ مُغَادَرَتِهِ حُدُودَ مَدِينَتِهِمْ.

أَوْضَحَ الْوَزِيرُ أَنَّ النَّهْرَ يَتَّجِهُ نَحْوَ قَرْيَةِ "مَادُونَا"، وَهِيَ قَرْيَةُ صَيَّادِينَ تَقَعُ بِجِوَارِ مَدِينَةِ كَانْدَا، وَيَحْكُمُهَا وَالِدُ الطِّفْلِ "بَاجِي"، صَدِيقِ الْأَمِيرَةِ سُوهَان، اِبْنَةِ الْمَلِكِ. وَأَثْنَاءَ حَدِيثِهِمَا، قَرَّرَ الْمَلِكُ أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَى الْقَرْيَةِ لِيَرَى بِنَفْسِهِ كَيْفَ يَسْتَفِيدُ سُكَّانُهَا مِنَ النَّهْرِ.

وَصَلَ الْمَلِكُ وَالْوَزِيرُ إِلَى قَرْيَةِ مَادُونَا، وَوَجَدُوا الصَّيَّادِينَ مُنْتَشِرِينَ عَلَى ضِفَافِ النَّهْرِ، يُمَارِسُونَ عَمَلَهُمْ فِي الصَّيْدِ وَنَقْلِ الْمُؤَنِ بَيْنَ الْقُرَى. اِقْتَرَبَ الْمَلِكُ مِنْ أَحَدِ الصَّيَّادِينَ وَطَلَبَ مِنْهُ مَاءً لِيَشْرَبَ. أَسْرَعَ الرَّجُلُ وَأَحْضَرَ لَهُمَا الْمَاءَ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمَا تَنَاوُلَ الطَّعَامِ مَعَهُ. لَكِنَّ الْمَلِكَ، بَعْدَمَا شَرِبَ، شَعَرَ بِالْغَضَبِ عِنْدَمَا سَمِعَ الصَّيَّادَ يَتَحَدَّثُ عَنِ النَّهْرِ كَأَنَّهُ مُلْكٌ لِقَرْيَتِهِمْ.

عَادَ الْمَلِكُ إِلَى مَدِينَتِهِ غَاضِبًا، وَأَصْدَرَ أَمْرًا بِبِنَاءِ سَدٍّ عَظِيمٍ عَلَى حُدُودِ كَانْدَا لِيَمْنَعَ مِيَاهَ النَّهْرِ مِنَ التَّسَرُّبِ إِلَى الْقُرَى الْمُجَاوِرَةِ. وَرَغْمَ مُحَاوَلَةِ الْوَزِيرِ الْحَكِيمِ ثَنْيَهُ عَنْ هَذَا الْقَرَارِ الْجَائِرِ، أَصَرَّ الْمَلِكُ عَلَى تَنْفِيذِ أَوَامِرِهِ بِحَزْمٍ، وَأَمَرَ الْوَزِيرَ بِجَمْعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِبِنَاءِ السَّدِّ فِي غُضُونِ أُسْبُوعٍ.

عَادَ الْمَلِكُ إِلَى قَصْرِهِ، بَيْنَمَا بَقِيَ الْوَزِيرُ فِي حَيْرَةٍ مِنْ أَمْرِهِ، يُفَكِّرُ فِي الْعَوَاقِبِ الْوَخِيمَةِ لِهَذَا الْقَرَارِ. كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ بِنَاءَ السَّدِّ سَيُؤَدِّي إِلَى فَيَضَانٍ يُغْرِقُ الْمَدِينَةَ، وَيُثِيرُ حَنَقَ الْقُرَى الْمُجَاوِرَةِ، مِمَّا قَدْ يُشْعِلُ حَرْبًا لَا تُحْمَدُ عُقْبَاهَا. وَمَعَ ذَلِكَ، كَانَ مُضْطَرًّا لِتَنْفِيذِ أَوَامِرِ الْمَلِكِ، مُحَاوِلًا فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ التَّفْكِيرَ فِي طَرِيقَةٍ لِإِنْقَاذِ مَدِينَتِهِ مِنَ الْكَارِثَةِ الَّتِي تَلُوحُ فِي الْأُفُقِ.

بَعْدَ أَنْ عَادَ الْمَلِكُ إِلَى قَصْرِهِ، اِجْتَمَعَ الْوَزِيرُ الْحَكِيمُ مَعَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي السَّاحَةِ الْكَبِيرَةِ. وَقَفَ الْوَزِيرُ عَلَى مَنْصَّةٍ مُرْتَفِعَةٍ لِيُخَاطِبَ النَّاسَ، وَقَدْ بَدَا عَلَى وَجْهِهِ الْحُزْنُ وَالْقَلَقُ. قَالَ لَهُمْ: "يَا أَهْلَ كَانْدَا، قَدْ أَصْدَرَ الْمَلِكُ أَمْرًا بِبِنَاءِ سَدٍّ عَلَى النَّهْرِ لِيَمْنَعَ مِيَاهَ النَّهْرِ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْقُرَى الْمُجَاوِرَةِ. وَأَنَا هُنَا لِأَطْلُبَ مِنْكُمْ أَنْ تَتَّحِدُوا وَتَعْمَلُوا بِجِدٍّ لِتَنْفِيذِ هَذَا الْأَمْرِ فِي الْوَقْتِ الْمُحَدَّدِ. وَلَكِنَّنِي أَطْلُبُ مِنْكُمْ أَيْضًا أَنْ تَظَلُّوا مُتَيَقِّظِينَ وَأَنْ تُفَكِّرُوا فِي الْعَوَاقِبِ الَّتِي قَدْ تَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا الْقَرَارِ."

تَفَاجَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ كَلَامِ الْوَزِيرِ، وَبَدَءُوا يَتَسَاءَلُونَ فِي حَيْرَةٍ: "كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ نَمْنَعَ الْمَاءَ عَنْ جِيرَانِنَا؟ وَكَيْفَ سَنَعِيشُ بِسَلَامٍ إِذَا مَا أَغْرَقْنَا أَرَاضِيَهُمْ؟" وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا مُخْلِصِينَ لِلْمَلِكِ، وَقَرَّرُوا الْبَدْءَ فِي بِنَاءِ السَّدِّ كَمَا أَمَرَهُمْ.

بَدَأَ الْعَمَلُ فِي بِنَاءِ السَّدِّ، وَكَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَعْمَلُونَ لَيْلًا وَنَهَارًا لِيُتِمُّوا الْعَمَلَ فِي الْمَوْعِدِ الْمُحَدَّدِ. وَكَانَ الْوَزِيرُ الْحَكِيمُ يُرَاقِبُ مَا يَجْرِي، مُحَاوِلًا أَنْ يَجِدَ حَلًّا لِهَذِهِ الْأَزْمَةِ. وَبَيْنَمَا كَانَ يَتَفَقَّدُ الْعَمَلَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، اِلْتَقَى بِمَجْمُوعَةٍ مِنْ كِبَارِ الْقَوْمِ، مِنْ حُكَمَاءِ الْمَدِينَةِ وَشُيُوخِهَا، فَقَرَّرَ اِسْتِشَارَتَهُمْ.

اِجْتَمَعَ الْوَزِيرُ مَعَ الْحُكَمَاءِ وَالشُّيُوخِ فِي مَنْزِلِ أَحَدِهِمْ، وَتَبَادَلُوا الْآرَاءَ وَالْمُقْتَرَحَاتِ. كَانَ الْجَمِيعُ يُدْرِكُ أَنَّ بِنَاءَ السَّدِّ سَيُؤَدِّي إِلَى كَارِثَةٍ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا يَخْشَوْنَ مُعَارَضَةَ أَمْرِ الْمَلِكِ بِشَكْلٍ مُبَاشِرٍ. بَعْدَ نِقَاشٍ طَوِيلٍ، اِقْتَرَحَ أَحَدُ الشُّيُوخِ أَنْ يَتَوَجَّهُوا إِلَى الْمَلِكِ وَيَطْلُبُوا مِنْهُ إِعَادَةَ التَّفْكِيرِ فِي قَرَارِهِ، وَيُبَيِّنُوا لَهُ الْمَخَاطِرَ الَّتِي قَدْ تَنْجُمُ عَنْ بِنَاءِ السَّدِّ.

وَفِي صَبَاحِ الْيَوْمِ التَّالِي، ذَهَبَ الْوَزِيرُ مَعَ مَجْمُوعَةٍ مِنَ الْحُكَمَاءِ وَالشُّيُوخِ إِلَى قَصْرِ الْمَلِكِ. اِسْتَقْبَلَهُمُ الْمَلِكُ بِتَرَحَابٍ، لَكِنَّهُ كَانَ مُتَوَجِّسًا مِنْ مَجِيئِهِمْ فِي هَذَا الْوَقْتِ. تَحَدَّثَ الشَّيْخُ الْأَكْبَرُ قَائِلًا: "يَا مُولَايَ، نَحْنُ نُدْرِكُ مَدَى حُبِّكَ لِمَدِينَتِنَا وَرَغْبَتِكَ فِي حِمَايَتِهَا، وَلَكِنَّنَا نَخْشَى أَنْ يُؤَدِّيَ بِنَاءُ السَّدِّ إِلَى فَيَضَانٍ يُغْرِقُ الْمَدِينَةَ وَيُهَدِّدُ حَيَاةَ أَهْلِهَا."

غَضِبَ الْمَلِكُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ وَقَالَ: "هَلْ تَتَجَرَّؤُونَ عَلَى مُعَارَضَةِ أَمْرِي؟! إِنَّمَا أُرِيدُ خَيْرًا لِلْمَدِينَةِ، وَأَلَا يَسْتَحِقُّ أَهْلُهَا أَنْ تَكُونَ مِيَاهُ النَّهْرِ لَهُمْ وَحْدَهُمْ؟"

رَدَّ الْوَزِيرُ الْحَكِيمُ بِحِكْمَةٍ: "مُولَايَ، نَحْنُ لَا نُعَارِضُكَ، بَلْ نُحَاوِلُ أَنْ نُحَافِظَ عَلَى مَدِينَتِنَا وَأَهْلِهَا. إِنَّ النَّهْرَ قَدْ وُجِدَ لِيُرْوِيَ الْأَرْضَ وَيَنْشُرَ الْحَيَاةَ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَمُرُّ بِهِ. وَإِذَا مَنَعْنَا الْمَاءَ عَنِ الْقُرَى الْمُجَاوِرَةِ، فَسَوْفَ نَكُونُ قَدْ أَفْسَدْنَا نِعْمَةَ اللَّهِ وَأَغْضَبْنَا جِيرَانَنَا. وَقَدْ يُؤَدِّي هَذَا إِلَى عَدَاءٍ وَحَرْبٍ لَا تُحْمَدُ عُقْبَاهَا."

فَكَّرَ الوَزيرُ الحَكيمُ مَلِيًّا في عَواقِبِ هَذا القَرارِ الجَائِرِ، مُتَسَائِلًا في نَفسِهِ: "كَيْفَ يُمكِنُني إنْقَاذُ البِلادِ مِنْ هَذِهِ الكارِثَةِ الوَشِيكةِ؟" مَرَّتِ الأَيّامُ والوَزيرُ العاقِلُ، كالدُّهارِ، مُنْغَمِسٌ في أَفكارِهِ، يَسْعَى جَاهِدًا لِتَجْنِيبِ المَدينَةِ شُرُورًا قَدْ تَفْتِكُ بِها. وَفيما اسْتَمَرَّ العَمَلُ على بِنَاءِ السَّدِّ، سَادَ الحُزْنُ بَيْنَ سُكَّانِ المَدينَةِ، إذْ تَرَكُوا أَعْمالَهُمْ وتِجاراتِهِمْ لِيَعْمَلُوا في بِنَاءِ السَّدِّ المَشْؤُومِ الَّذي سَيَقْطَعُ المِياهَ عَنِ القُرَى المُجَاوِرَةِ وَيَحْرِمُها مِنَ الحَياةِ.

حَتَّى الأَميرَةِ الصَّغِيرَةِ سُوهانَ، بِعَقْلِها الطُّفُولِيِّ، أَدْرَكَتْ ما قَدْ يَنْجُمُ عَنْ بِنَاءِ هَذا السَّدِّ. فَقَدْ كانَ يَعْنِي أَنَّها لَنْ تَسْتَطِيعَ لِقاءَ صَدِيقِها باجِي، ابْنِ مالِكِ قَرْيَةِ الصَّيَّادِينَ، مَرَّةً أُخْرَى. وَأَمامَ هَذا العَدَاءِ المُتَصَاعِدِ بَيْنَ مَدينَةِ كاندا وَالقُرَى المُجَاوِرَةِ، والَّذي لا يَعْلَمُ إلَّا اللهُ إلى مَتَى سَيَسْتَمِرُّ، بَدَأَتِ الأَجْوَاءُ تَتَوَتَّرُ في المِنْطَقَةِ.

بَدَأَتِ الشَّائِعَاتُ تَنْتَشِرُ في قَرْيَةِ مادونا عَنْ بِنَاءِ السَّدِّ، وَسَمِعَ باجِي بِهَذِهِ الأَخْبَارِ. في البِدايَةِ، ظَنَّها مُجَرَّدَ إِشَاعَاتٍ مُغْرِضَةٍ تَهْدِفُ إلى زَعْزَعَةِ العَلاقَةِ بَيْنَ قَرْيَتِهِ وَمَدينَةِ كاندا، لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَسْلِمْ لِلشَّكِّ. قَرَّرَ الذَّهابَ إلى صَدِيقَتِهِ سُوهانَ لِيَعْرِفَ الحَقِيقَةَ بِنَفْسِهِ.

وَعِنْدَما وَصَلَ إلى مِنْطَقَةِ الحُدُودِ، وَجَدَ أَهْلَ المَدينَةِ مَشْغُولِينَ بِقَطْعِ الأَشْجارِ وَتَجْهِيزِ الحِجارَةِ لِبِنَاءِ السَّدِّ. خَفَقَ قَلْبُ باجِي بِشِدَّةٍ عِنْدَما رَأَى التَّغْيِيرَ الكَبِيرَ الَّذي حَدَثَ في المِنْطَقَةِ. لَمْ يَجِدْ سُوهانَ في المَكانِ المُعْتادِ، فَشَعَرَ بِالقَلَقِ وَانْدَفَعَ نَحْوَ القَصْرِ لِلِقاءِ صَدِيقَتِهِ.

في القَصْرِ، وَجَدَ سُوهانَ جَالِسَةً على أَحَدِ المَقَاعِدِ في حَدِيقَةِ القَصْرِ، شارِدَةَ الفِكْرِ. سَأَلَها باجِي عَمَّا يَحْدُثُ في مِنْطَقَةِ الحُدُودِ، فَبَكَتْ سُوهانُ وَأَخْبَرَتْهُ بِحُزْنٍ أَنَّ ما سَمِعَهُ صَحِيحٌ، وَأَنَّهُمْ بِالفِعْلِ يَبْنُونَ سَدًّا سَيَحْجُبُ المِياهَ عَنْ قَرْيَتِهِ. حَاوَلَ باجِي فَهْمَ الأَسْبابِ، لَكِنَّها أَخْبَرَتْهُ أَنَّ الأَمْرَ بِأَوَامِرِ المَلِكِ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا تَغْيِيرَ هَذا القَرارِ رَغْمَ مُحاوَلاتِ الوَزيرِ كالدهار.

غَادَرَ باجِي القَصْرَ حَزِينًا، غَارِقًا في أَفْكارِهِ، وَعَادَ إلى قَرْيَتِهِ لِيَجِدَ أَنَّ المَلِكَ قَدْ دَعَا إلى اجْتِماعٍ عاجِلٍ لِمُناقَشَةِ الوَضْعِ الخَطِيرِ. كانَ جَمِيعُ الحَاضِرِينَ يُدْرِكُونَ أَنَّ الخِيارَ المُتاحَ هُوَ بَيْنَ الحَرْبِ أَوِ المَوْتِ جُوعًا وَعَطَشًا. وَبَعْدَ اسْتِماعِ المَلِكِ لِآرَاءِ الجَمِيعِ، اتَّفَقُوا على أَنَّ الحَرْبَ سَتَكُونُ الخِيارَ الأَخِيرَ إذا فَشِلَتْ مُحاوَلاتُ التَّفاوُضِ مَعَ مَلِكِ كاندا.

وَفي الصَّباحِ الباكِرِ، أَرْسَلَ مَلِكُ مادونا رَسُولًا خَاصًّا إلى مَلِكِ كاندا لِطَلَبِ اللِّقاءِ، لَكِنَّ مَلِكَ كاندا رَفَضَ الاسْتِجابَةَ وَأَصَرَّ على الاسْتِمْرارِ في بِنَاءِ السَّدِّ. في تِلْكَ اللَّحْظَةِ، قَرَّرَ مَلِكُ مادونا إِرْسالَ إِنْذارٍ بِالحَرْبِ إذا لَمْ يَتَوَقَّفِ العَمَلُ في السَّدِّ، مُحَدِّدًا مَوْعِدًا لِمُواجَهَةٍ حاسِمَةٍ عِنْدَ الفَجْرِ في اليَومِ الأَخِيرِ مِنَ الأُسْبُوعِ.

اسْتَيْقَظَ مَلِكُ كاندا في صَباحِ اليَومِ التَّالِي مُضْطَرِبًا بَعْدَ لَيْلَةٍ مَلْأى بِالأَحْلامِ المُزْعِجَةِ. أَدْرَكَ الوَزيرُ كالدهار أَنَّ الوَقْتَ يَنْفَدُ، وَأَنَّ الحَرْبَ على وَشْكِ أَنْ تَشْتَعِلَ. جَلَسَ الوَزيرُ يُفَكِّرُ طِوالَ اللَّيْلِ في طَرِيقَةٍ لِإِنْقَاذِ البِلادِ، حَتَّى اهْتَدَى إلى خُطَّةٍ مُحْكَمَةٍ.

أَمَرَ الوَزيرُ بِتَقْدِيمِ الوَقْتِ على السَّاعَةِ الكَبِيرَةِ في المَدينَةِ، لِيُعْلِنَ بِدايَةَ يَوْمٍ جَدِيدٍ عِنْدَ الثَّالِثَةِ صَباحًا بَدَلًا مِنَ السَّادِسَةِ. اسْتَيْقَظَ سُكَّانُ المَدينَةِ في الظَّلامِ، يَتَسَاءَلُونَ عَنْ غِيابِ الشَّمْسِ. وَحينَ عَلِمَ المَلِكُ بِذَلِكَ، أَدْرَكَ الوَزيرُ أَنَّ اللَّحْظَةَ الحاسِمَةَ قَدْ حانَتْ، فَدَخَلَ على المَلِكِ وَأَخْبَرَهُ أَنَّ الشَّمْسَ لَنْ تُشْرُقَ بَعْدَ الآنَ لِأَنَّ مَلِكَ مادونا قَدِ احْتَجَزَها بِبِنَاءِ سَدٍّ يَمْنَعُ نُورَها مِنَ الوُصُولِ إلى كاندا.

فَزِعَ المَلِكُ وَسَأَلَ الوَزيرَ عَنِ الحَلِّ. فَأَخْبَرَهُ الوَزيرُ بِأَنَّهُمْ إذا هَدَمُوا السَّدَّ الَّذي يَحْجُبُ المِياهَ عَنْ مادونا، سَيَهْدِمُ مَلِكُ مادونا سَدَّهُ الَّذي يَحْجُبُ الشَّمْسَ. عِنْدَها أَمَرَ المَلِكُ بِهَدْمِ السَّدِّ فَوْرًا.

وَفي الفَجْرِ، كانَتِ المِياهُ تَتَدَفَّقُ بِحُرِّيَّةٍ إلى قَرْيَةِ مادونا، وَعادَتِ الشَّمْسُ لِتَشْرُقَ مِنْ جَدِيدٍ على مَدينَةِ كاندا، مُعْلِنَةً نِهايَةَ العَدَاءِ وَعَوْدَةَ السَّلامِ بَيْنَ الجَارَتَيْنِ.

 إقرأ أيضاً:

قصة وعبرة الديك واللؤلؤة

قصة للأطفال: الأميرة وحبة البازلاء

قصة وعبرة: الكلب والظل

قصة وعبرة: الإوزة التي تبيض ذهباً

قصة وحكمة: الأسد والتمثال

للمزيد            

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً 

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية 







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق