صَداقَةٌ
كَانَ يَا مَا كَانَ فِي زَمَنٍ لَيْسَ بَعِيدًا، حَكَى أَبِي عَنِّي حِكَايَةً اِسْمُهَا: (لُعَبُ سُوسُو الجَمِيلَة). تَقُولُ الحِكَايَةُ: إِنَّ البِنْتَ الصَّغِيرَةَ (سُوسُو) تُحِبُّ لُعَبَهَا وَاللُّعَبُ تُحِبُّهَا، وَحِينَ سَافَرَتْ (سُوسُو) حَطَّ التُّرَابُ عَلَى اللُّعَبِ وَحَزِنَتْ حَتَّى رَجَعَتْ (سُوسُو)، فَعَادَتِ اللُّعَبُ تَرْقُصُ وَتُصَفِّقُ وَتُغَنِّي وَامْتَلَأَتِ الحُجْرَةُ بِالمُوسِيقَى وَالفَرَحِ.
بَعْدَ
سَنَوَاتٍ عِدَّةٍ، كَبُرْتُ أَنَا (سُوسُو) وَأَصْبَحْتُ أَمْتَلِكُ مِنَ
السِّنِينَ عِشْرِينَ، كُلُّهَا سَنَوَاتُ نِعَمٍ، لَكِنْ كُلُّ سَنَةٍ لَهَا
تَمَيُّزُهَا الخَاصُّ، وَمُنَاسَبَاتُهَا الخَاصَّةُ التِي كَانَتْ تُجَمِّلُهَا
عَادَةً لُعْبَةٌ جَدِيدَةٌ تُضَافُ إِلَى لُعَبِي. وَلَمْ يَتَّفِقْ مَعِي كُلُّ
النَّاسِ فِي حُبِّ هَذِهِ اللُّعَبِ، فَالبَعْضُ يَرَى أَنَّنِي كَبُرْتُ
وَلَسْتُ بِحَاجَةٍ إِلَى اللُّعَبِ، وَالبَعْضُ الآخَرُ يَتَعَجَّبُ كَيْفَ
أُصَادِقُ لُعَبًا صَامِتَةً، وَهُنَاكَ مَنْ يَسْأَلُ لِمَاذَا أُحِبُّ
اللُّعَبَ؟ وَكَمَا حَكَى أَبِي عَنْ لُعَبِي ذَاتَ يَوْمٍ سَأَحْكِي اليَوْمَ عَنْهَا،
لَعَلَّ مَنْ يَخْتَلِفُ مَعِي أَنْ يَقْتَنِعَ، وَمَنْ يَسْأَلُ سُؤَالًا يَجِدْ
لَهُ الإِجَابَةَ.
أُسْرَتِي
فِي البَيْتِ يَعْرِفُونَ مَا بِي إِذَا نَظَرُوا إِلَى لُعَبِي، فَإِنْ كَانَتِ
اللُّعَبُ سَعِيدَةً كُنْتُ سَعِيدَةً وَالعَكْسُ صَحِيحٌ. أَمَّا الأَمْرُ
بِالنِّسْبَةِ لِي فَمُخْتَلِفٌ بَعْضَ الشَّيْءِ، لِأَنَّ لِكُلِّ لُعْبَةٍ
شَخْصِيَّةً أَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا، سَاعَدَنِي فِي ذَلِكَ شَكْلُ كُلِّ مِنْهَا
أَوْ صِفَةٌ تَخُصُّهَا.
فَهَذَا
الأَرْنَبُ الَّذِي يَجْلِسُ فَوْقَ الرَّفِّ الزُّجَاجِيِّ مُمْسِكًا بِجَزَرَةٍ
فِي يَدَيْهِ أَهْدَتْهُ إِلَيَّ صَدِيقَةُ العُمْرِ (مَرْوَةُ)، كَانَتْ يَدَاهُ
لا تَتْرُكَانِ الجَزَرَةَ أَبَدًا، وَتَعَجَّبْتُ كَيْفَ يَأْكُلُ طُولَ
الوَقْتِ، وَمَعَ ذَلِكَ ظَلَّ هَكَذَا رَشِيقًا. حِينَ سَأَلْتُهُ عَمَّا
يُحَيِّرُنِي، قَالَ لِي: إِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَسْأَلُونَهُ هَذَا
السُّؤَالَ. كَانَتْ إِجَابَتُهُ لَهُمْ أَنَّ الجَزَرَ مُهِمٌّ وَمُفِيدٌ لَيْسَ
لِلأَرَانِبِ فَقَطْ وَلَكِنْ لِلإِنْسَانِ، كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا.
ضَحِكْتُ لَهُ، أَحْبَبْتُهُ وَأَحَبَّنِي وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَمْنَحَهُ
اِسْمَ (رَشِيقٍ). فَرِحَ بِالاِسْمِ، وَفَرِحْتُ بِصَدَاقَتِهِ.
أَمَّا
عَنْ الدُّبِّ الصَّغِيرِ، فَلَهُ حِكَايَةٌ أُخْرَى. هَذَا الدُّبُّ دُبٌّ
مُثَقَّفٌ، نَعَمْ دُبٌّ مُثَقَّفٌ، وَلِمَ العَجَبُ؟ أَهْدَتْهُ إِلَيَّ أُخْتِي
الصَّغِيرَةُ لِأَنَّهَا تَعْرِفُ أَنَّنِي أُحِبُّ القِرَاءَةَ، وَلا تَتَضَايَقُ
مِنِّي عِنْدَمَا أَقْرَأُ لَيْلًا فِي ضَوْءِ المِصْبَاحِ الَّذِي وَضَعْتُهُ
بَيْنَ سَرِيرَيْنَا. أَمَّا الدُّبُّ، فَكَانَ لا يَتْرُكُ الكِتَابَ وَلا
يَخْلَعُ نَظَّارَتَهُ ذَاتَ الإِطَارِ الأَسْوَدِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، وَقَالَ
إِنَّهُ لَمُمْتَنٌّ لِلْغَايَةِ لِأَنَّهُ أَصْبَحَ صَدِيقًا لِي. فَنَحْنُ
نُحِبُّ القِرَاءَةَ فِي كُلِّ وَقْتٍ لِنَعْرِفَ العَالَمَ وَنَطِيرَ وَنُغَامِرَ
وَنَحْلُمَ وَنَتَأَمَّلَ، وَنَحْنُ فِي المَكَانِ نَفْسِهِ. شَكَرْتُهُ وَقُلْتُ:
مَا رَأْيُكَ فِي اِسْمِ (فَصِيحٍ)؟ ضَحِكَ فِي أَدَبٍ وَقَالَ: يَا لَهُ مِنْ
اِسْمٍ يَلِيقُ بِي يَا (سُوسُو).
أَصْبَحْتُ
لا أَغِيبُ عَنْ لُعَبِي وَحُجْرَتِي، هَذَا العَالَمُ الصَّغِيرُ الَّذِي
سَاهَمْتُ فِي شَكْلِهِ وَتَكْوِينِهِ. وَفِي مَرَّةٍ مِنْ ذَاتِ المَرَّاتِ،
رَأَيْتُ فِي مَحَلِّ اللُّعَبِ (بَطَّةً) جَمِيلَةً تَلْبَسُ فُسْتَانًا أَخَذَ
لَوْنَ الشَّمْسِ، وَعَيْنَيْنِ بُنِّيَّتَيْنِ كَمَا عَيْنَيَّ، تَرْتَدِي
قُبَّعَةً صَغِيرَةً زُرِعَتْ فِيهَا وَرْدَةٌ حَمْرَاءُ، وَكَانَتْ يَدَاهَا
وَرِجْلاَهَا مَصْنُوعَتَيْنِ مِنْ فِرَاءِ طَرِيٍّ. أَمْسَكْتُ يَدَيْهَا
فَأَخَذَتْ تُغَنِّي لِي أُغْنِيَةً لَهَا عُذُوبَةُ نَهْرٍ وَجَمَالُ بُسْتَانٍ،
نَقَلْتُهَا مِنْ مَحَلِّ اللُّعَبِ إِلَى حُجْرَتِي الصَّغِيرَةِ الدَّافِئَةِ.
عَرَّفْتُهَا عَلَى (رَشِيقٍ) وَ(فَصِيحٍ) وَبَاقِي اللُّعَبِ، فَطَلَبَتْ أَنْ
نُعْطِيَهَا اِسْمًا.
قَالَ
(رَشِيقٌ): نُسَمِّيهَا (جَزَرَةً). رَدَّتْ وَقَالَتْ: لا.. أَتُرِيدُ أَنْ
تَأْكُلَنِي؟ قَالَ (فَصِيحٌ): إِذَنْ نُسَمِّيكِ (جَرِيدَةً). قَالَتْ: لا..
أَتُرِيدُ أَنْ تَقْرَأَنِي؟ قُلْتُ لَهَا: نُسَمِّيكِ اِسْمًا مَرِحًا مِثْلَ
رُوحِكِ أَيَّتُهَا البَطَّةُ، مَا رَأْيُكِ فِي (بَطَاطِس)؟ ضَحِكَ الجَمِيعُ
وَصَفَّقَ القِرْدُ الصَّدِيقُ القَدِيمُ وَالمَوْجُودُ عِنْدِي مُنْذُ أَنْ
كَتَبَ أَبِي الحِكَايَةَ.
أُحِبُّ
كُلَّ اللُّعَبِ وَكُلَّ يَوْمٍ أُزِيلُ عَنْهَا التُّرَابَ وَأُعْطِيهَا
البِطَّارِيَّاتِ الجَدِيدَةَ التِي تَمْنَحُهَا طَاقَةً لِلَّعِبِ وَالغِنَاءِ.
وَكَمَا أُحِبُّ لُعَبِي، أُحِبُّ أَصْدِقَائِي، فَاللُّعَبُ تُذَكِّرُنِي
بِالأَصْدِقَاءِ لَحَظَاتِ غِيَابِهِمْ، وَتَمْنَحُنِي حَنَانَهُمْ
بِلَمَسَاتِهِمْ النَّاعِمَةِ.
وَلَنْ
أَنْسَى ذَلِكَ اليَوْمَ الَّذِي دَقَّتْ فِيهِ رَفِيقَتِي فِي كُلِّ شَيْءٍ
(سَمَاحُ) البَابَ، وَحِينَ فَتَحْتُهُ طَلَبَتْ أَنْ أُغْمِضَ عَيْنَيَّ عَلَى
الفَوْرِ. حِينَ فَتَحْتُهُمَا رَأَيْتُ فَأْرًا جَمِيلًا ذَكِيًّا شَقِيًّا
يُمْسِكُ قَلْبًا أَحْمَرَ كَبِيرًا يَسَعُ العَالَمَ. قَالَتْ (سَمَاحُ): عَامٌ
جَدِيدٌ سَعِيدٌ يَا (سُوسُو). رَدَّ الفَأْرُ: إِنْ شَاءَ اللهُ يَكُونُ سَعِيدًا
مَعَ مَرَحِي وَشَقَاوَتِي. ضَمَمْتُهُ إِلَيَّ وَقُلْتُ لَهُ: هَلْ لِي أَنْ أُزَيِّنَ
القَلْبَ بِأَسْمَائِنَا؟ فَرِحَ بِالفِكْرَةِ، وَأَمَامَ جَمِيعِ اللُّعَبِ
جَلَسْنَا نَكْتُبُ (مَرْوَةَ)، (رَشِيقًا)، (سَمَاحًا)، (فَصِيحًا)، (بَطَاطِس).
صَاحَ الفَأْرُ وَقَالَ: مَا اِسْمِي إِذَنْ حَتَّى تَكْتُبُوهُ؟ قُلْنَا جَمِيعًا
فِي صَوْتٍ وَاحِدٍ (حَبُّوبٌ). ذَكِّرُونِي أَلَّا أَنْسَى كِتَابَةَ اِسْمِي.
وَحِينَ كَتَبْتُهُ، صَفَّقُوا فِي حُبٍّ بَالِغٍ.
كُنَّا
دَائِمًا نَقْضِي أَوْقَاتًا مَرِحَةً، وَأَيَّامَ المُذَاكَرَةِ كَانَتِ
اللُّعَبُ تُعَاوِنُنِي بِصَمْتِهَا وَأَدَبِهَا وَقَلَقِهَا عَلَيَّ حَتَّى
يَتِمَّ النَّجَاحُ. وَحِينَ نَجَحْتُ ذَاتَ مَرَّةٍ نَجَاحًا مُشَرِّفًا،
قَدَّرَتْ أُمِّي مَجْهُودِي طِوَالَ العَامِ وَقَالَتْ لِي: تَعِبْتِ وَحَانَ
وَقْتُ الرَّاحَةِ. وَأَهْدَتْ إِلَيَّ قِطًّا نَائِمًا عَلَى وِسَادَةٍ صَغِيرَةٍ
مَغْمُوضَ العَيْنَيْنِ، مُرْتَدِيًا بِيَجَامَةً وَطَاقِيَةً تَتَدَلَّى مِنْهَا
كُرَةٌ بَيْضَاءُ صَغِيرَةٌ. ضَحِكْنَا وَخَافَ حَبُّوبٌ. فَتَّحَ القِطُّ
عَيْنَيْهِ وَقَالَ: لا تَخَفْ، فَأَنَا مِنَ اليَوْمِ صَدِيقُكُمْ. تَثَاءَبَ
وَرَاحَ فِي النَّوْمِ ثَانِيَةً، وَلَمْ نَتَشَاوَرْ فِي اِسْمِهِ، فَكَتَبَ
(فَصِيحٌ) عَلَى قَلْبِ (حَبُّوبٍ): أَهْلًا بِالصَّدِيقِ الجَدِيدِ (نَعْسَانَ).
حِينَ
يَحِلُّ اللَّيْلُ، تَنْزِلُ كُلُّ اللُّعَبِ مِنَ الأَرْفُفِ. أَضُمُّهَا
إِلَيَّ، يَتْرُكُ البَرْدُ الحُجْرَةَ لَنَا وَنَنَامُ جَمِيعًا عَلَى سَرِيرٍ
وَاحِدٍ دَافِئٍ جِدًّا.
وسام
جار النبي الحلو
قصة للأطفال: الأميرة وحبة البازلاء
قصة وعبرة: الإوزة التي تبيض ذهباً
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق