غُرُوبٌ
النَّاسُ
كانَتْ تَسِيرُ عَلى رَصِيفِ البَحْرِ دُونَ أَنْ تَنْتَبِهَ لِلشَّمْسِ
الحَمْرَاءِ الهائِلَةِ الَّتِي كانَتْ تَتَسَحَّبُ لِتَخْتَفِي خَلْفَ الجُزُرِ.
صَبِيَّانِ صَغِيرَانِ يَحْمِلانِ في أَيْدِيهِما مَخْرُوطَيْنِ مِنَ الآيسْ كْرِيمْ تَسَلَّقا السُّورَ المُنْخَفِضَ المُحاذِي لِلرَّصِيفِ وَجَلَسا مُواجِهَيْنِ لِلْبَحْرِ.
ما
بَيْنَ قَضْمَةٍ وَأُخْرَى، صاحَ أَقْصَرُ الصَّبِيَّيْنِ فَجْأَةً: (هِيهْ،
اُنْظُرْ...) وَصَمَتَ.
(ماذا؟)
تَساءَلَ الأَكْثَرُ طُولًا.
(اُنْظُرْ
إِلَى الشَّمْسِ، ماذا تَفْعَلُ؟) قالَ الصَّبِيُّ الأَقَلُّ طُولًا.
الأَكْثَرُ
طُولًا، وَالَّذِي يَبْدُو أَيْضًا أَكْبَرَ سِنًّا مِنَ الآخَرِ، كانَ لَطِيفًا،
فَقالَ مُتَعَجِّبًا:
(أُوهْ!)
وَأَضافَ: (إِنَّها بِالتَّأْكِيدِ تَتَّجِهُ إِلَى الأَسْفَلِ).
(إِلَى
أَسْفَل؟!) قالَ الصَّبِيُّ الأَصْغَرُ سِنًّا مُتَسَائِلًا في دَهْشَةٍ.
(نَعَمْ
إِلَى الأَسْفَلِ، وَهَكَذا يَتَمَكَّنُ السَّمَكُ مِنْ أَكْلِها) قالَ الصَّبِيُّ
الأَكْبَرُ سِنًّا بِعَفْوِيَّةٍ وَثِقَةٍ.
(مِنْ
أَجْلِ ماذا؟!... مِنْ أَجْلِ ماذا؟!...)
قالَ
الصَّبِيُّ الصَّغِيرُ مُتَسَائِلًا، وَأَعادَ السُّؤَالَ، وَقَدِ انْتابَتْهُ
حالَةٌ مِنْ عَدَمِ الفَهْمِ.
(مِنْ
أَجْلِ ماذا... تَسْأَلُنِي؟) قالَ الصَّبِيُّ الكَبِيرُ مُسْتَغْرِبًا إِلْحاحَ
الأَصْغَرِ مِنْهُ عَلَى الفَهْمِ، وَأَضافَ: (أَنْتَ مَغْفَلٌ جِدًّا...).
الصَّبِيُّ
الصَّغِيرُ بَدَأَ يَحْجِلُ عَلَى السُّورِ صائحًا: (مِنْ أَجْلِ ماذا؟ مِنْ
أَجْلِ ماذا؟... أَجِبْنِي...).
وَبَعْدَ
ذَلِكَ ضَحِكَ كِلا الصَّبِيَّيْنِ وَتَوَقَّفا عَنِ النَّظَرِ إِلَى السَّمَاءِ
مُرَكِّزَيْنِ انْتِباهَما في التِهامِ مَخْرُوطَيِ الآيسْ كْرِيمْ.
النَّاسُ
كانَتْ تَتَحَرَّكُ عَلَى الشَّاطِئِ، تَتَحَدَّثُ وَتَرْغِي وَتُشَوِّحُ بِأَيْدِيهَا،
وَلا تَلْحَظُ غُرُوبَ الشَّمْسِ.
بَعْدَ
لَحَظاتٍ، نَظَرَ الصَّبِيُّ الصَّغِيرُ إِلَى أَعْلَى مُشَاهِدًا السَّمَاءَ
الصَّفْرَاءَ اللامُتَناهِيَةَ الاتِّسَاعِ، وَالخَالِيَةَ هَذِهِ المَرَّةَ مِنَ
الشَّمْسِ، الَّتِي كانَتْ قَبْلَ قَلِيلٍ تَعْلُو الجِبَالَ السَّوْداءَ
وَالزُّرْقاءَ وَالبَحْرَ البَنَفْسَجِيَّ.
(هِيهْ،
اُنْظُرْ...)، قالَ الصَّبِيُّ الصَّغِيرُ: (ماذا؟ الشَّمْسُ مَرَّةً أُخْرَى!)
قالَ الصَّبِيُّ الكَبِيرُ، وَأَضافَ بِثِقَتِهِ المُعْتَادَةِ: (بِالتَّأْكِيدِ،
أَعْرِفُ أَنَّها قَدْ غَرَبَتْ...).
(غَرَبَتْ!)
قالَ الصَّبِيُّ الصَّغِيرُ مُفَكِّرًا في أَنَّ الغُرُوبَ يَعْنِي نُزُولَ
الشَّمْسِ إِلَى البَحْرِ، وَسَأَلَ الصَّبِيَّ الكَبِيرَ:
(هَلْ
تَعْتَقِدُ أَنَّ السَّمَكَ سَيَأْكُلُها بِالفِعْلِ؟).
(هُناكَ
إِلَى الأَسْفَلِ، تَحْتَ البَحْرِ، مَن يَعْرِفُ ما الَّذِي قَدْ يَحْدُثُ؟،
فَهُناكَ في ذَلِكَ الأَسْفَلِ الأَزْرَقِ لا تُوجَدُ فَقَطْ أَسْماكٌ هُلامِيَّةٌ
مُتَعَدِّدَةُ الشَّكْلِ وَالأَلْوانِ وَلَكِنْ تُوجَدُ أَيْضًا قَنافِذُ البَحْرِ
وَالحُورِيّاتُ!). قالَ الصَّبِيُّ الكَبِيرُ: (قَنافِذُ بَحْرٍ وَحُورِيّاتٌ!)،
كَرَّرَ الصَّبِيُّ الصَّغِيرُ ما قالَهُ الآخَرُ الكَبِيرُ وَهُوَ يَجْمَعُ في
ذِهْنِهِ صُورَةً لِلكائِناتِ المُتَعَدِّدَةِ الَّتِي تُوجَدُ في البَحْرِ،
وَأَلْقَى بِمَخْرُوطِهِ في سَلَّةِ المُهْمَلاتِ المُوجُودَةِ إِلَى جِوارِهِ
هُوَ وَالصَّبِيِّ الآخَرِ.
الصَّبِيُّ
الأَكْبَرُ أَلْقَى بِمَخْرُوطِهِ في سَلَّةِ المُهْمَلاتِ أَيْضًا.
(وَلَكِنْ
هَلْ سَتَعُودُ؟) هَمَسَ الصَّغِيرُ مُتَسَائِلًا:
(هَلْ
سَتَعُودُ مِنْ تَحْتِ البَحْرِ؟!، هَلْ هَذا ما تَقْصِدُهُ؟)، تَساءَلَ
الصَّبِيُّ الكَبِيرُ مُحاوِلًا البَحْثَ عَنْ مَخْرَجٍ يُعْفِيهِ مِنَ
الإِجابَةِ. هَزَّ الصَّبِيُّ الصَّغِيرُ رَأْسَهُ مُؤَكِّدًا عَلَى أَنَّ هَذا ما
قَصَدَهُ.
السَّمَاءُ
لَمْ تَعُدْ صَفْراءَ، وَلَكِنْ لَوْنُها الَّذِي كانَ قَدْ أَصْبَحَ بِغُرُوبِ
الشَّمْسِ أَحْمَرَ داكِنًا تَوَهَّجَ أَكْثَرَ لِيَكْتَسِيَ البَحْرَ بِلَوْنِ
الحِبْرِ الَّذِي يَكُونُ آخِذًا في الزَّحْفِ تَدْرِيجِيًّا عَلَى الشَّاطِئِ
الرَّمْلِيِّ.
الصَّبِيُّ
الكَبِيرُ نَظَرَ إِلَى كُلِّ ذَلِكَ لِلَحْظَةٍ، وَهُوَ يُفَكِّرُ كَيْفَ أَنَّ
أَسْئِلَةَ الصَّبِيِّ الأَصْغَرِ مِنْهُ البَرِيئَةَ وَالمُتَطَلِّعَةَ إِلَى
المَعْرِفَةِ قَدْ جَعَلَتْهُ يَتَأَمَّلُ لَحْظَةَ الغُرُوبِ المُدْهِشَةَ
تِلْكَ، وَبَعْدَها أَخَذَ نَفَسًا عَمِيقًا، وَأَجابَ الأَصْغَرَ مِنْهُ
مُبْتَسِمًا: (رُبَّما!).
قصة للأطفال: الأميران التوأمان
قصة وحكمة: الذئب وراعي الأغنام
قصة وحكمة: الطاووس وملكة الآلهة
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
المصدر: 1
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق