عَمَلُ الخَيرِ
قالَ
مالِكٌ لِأُمِّهِ: أُمِّي، حَلِمْتُ أَنَّ السَّمَاءَ تُمْطِرُ أَلْعَابًا عَلَى
شُرْفَةِ غُرْفَتِي.
ضَحِكَتِ الأُمُّ وَقَالَتْ: أَنْتَ تُحِبُّ الأَلْعَابَ كَثِيرًا يَا مالِكُ، أَلَا تَكْفِيكَ أَلْعَابُكَ الْكَثِيرَةُ؟
رَدَّ
مالِكٌ: لا يَا أُمِّي، فَقَدْ مَلَلْتُ مِنْهَا، وَدَائِمًا أَسْأَلُ السَّمَاءَ
أَنْ تُمْطِرَ عَلَيَّ الأَلْعَابَ، أُرِيدُ الْمَزِيدَ مِنْهَا.
وَفِي
لَيْلَةٍ مِنَ اللَّيَالِي بَيْنَمَا يَجْلِسُ مالِكٌ فِي غُرْفَتِهِ رَأَى
نَجْمَةً مُتَلَأْلِئَةً وَكَأَنَّهَا تَتْبَعُهُ كُلَّمَا ذَهَبَ مِنْ نَاحِيَةٍ
إِلَى نَاحِيَةٍ. فَإِذَا ذَهَبَ دَاخِلَ الْغُرْفَةِ اخْتَفَتْ وَكُلَّمَا خَرَجَ
ظَهَرَتْ جَلِيَّةً، فَانْدَهَشَ مالِكٌ وَاهْتَمَّ لِأَمْرِهَا وَشَعَرَ
بِأَنَّهَا نَجْمَتُهُ، وَأَخَذَ يُفَكِّرُ فِيهَا طُولَ اللَّيْلِ.
وَفِي
الْيَوْمِ التَّالِي انْتَظَرَ مالِكٌ دُخُولَ اللَّيْلِ حَتَّى يَرَى نَجْمَتَهُ
وَلَكِنَّهُ لَمْ يَرَهَا، فَشَعَرَ بِالضِّيقِ، وَفَجْأَةً رَأَى نَجْمَةً
مُضِيئَةً فِي حَدِيقَةِ الْمَنْزِلِ، فَأَسْرَعَ إِلَيْهَا وَعِنْدَمَا حَاوَلَ
أَنْ يُمْسِكَ بِهَا وَيَتَحَسَّسَهَا؛ ظَهَرَ مِنْهَا فَجْأَةً... رَجُلٌ عَجُوزٌ
ذُو لِحْيَةٍ بَيْضَاءَ طَوِيلَةٍ، وَجْهُهُ مُبْتَسِمٌ وَمُنِيرٌ كَالْقَمَرِ.
وَقَالَ: أَهْلًا يَا مالِكُ.
انْدَهَشَ
مالِكٌ!! وَلَمْ يُصَدِّقْ مَا يَرَاهُ، وَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟!
قَالَ
الرَّجُلُ: أَنَا الْعَمُّ بَرَكَاتٌ، أَرْسَلَتْنِي نَجْمَةٌ مِنَ السَّمَاءِ
لِأُحَقِّقَ أَحْلَامَكَ، فَمَاذَا تُرِيدُ؟!
شَعَرَ
مالِكٌ بِسَعَادَةٍ لَا حَدَّ لَهَا وَبَرَقَتْ عَيْنَاهُ وَقَالَ: أُرِيدُ
صُنْدُوقًا كَبِيرًا مَلِيئًا بِالأَلْعَابِ الْجَدِيدَةِ.
قَالَ
الرَّجُلُ العَجُوزُ: سَأُلَبِّي لَكَ طَلَبَكَ وَلَكِنْ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ.
قَالَ
مالِكٌ: مَا الشَّرْطُ؟!
رَدَّ
العَجُوزُ وَقَالَ: عَلَيْكَ أَنْ تَقُومَ بِعَمَلِ خَيْرٍ مُسْتَمِرٍّ.
تَعَجَّبَ
مالِكٌ وَقَالَ لِنَفْسِهِ: مَا الخَيْرُ الْمُسْتَمِرُّ؟! وَقَبْلَ أَنْ
يَسْأَلَهُ مالِكٌ عَنِ الخَيْرِ الْمُسْتَمِرِّ، اخْتَفَى الْعَمُّ بَرَكَاتٌ،
وَظَهَرَتِ النَّجْمَةُ مَرَّةً أُخْرَى، أَمْسَكَهَا مالِكٌ وَرَاحَ يُفَكِّرُ
وَيُفَكِّرُ... مَاذَا يَكُونُ الْخَيْرُ الْمُسْتَمِرُّ؟!
ثُمَّ
ذَهَبَ إِلَى غُرْفَتِهِ وَوَضَعَ النَّجْمَةَ فِي خِزَانَتِهِ، وَرَاحَ فِي
النَّوْمِ حَتَّى أَشْرَقَتْ شَمْسُ يَوْمٍ جَدِيدٍ، فَاسْتَيْقَظَ عَلَى مُوَاءِ
القِطَّةِ، فَقَالَ: سَأَضَعُ لَهَا المَاءَ وَالطَّعَامَ لَعَلَّ حُلْمِي
يَتَحَقَّقُ، وَتَذَكَّرَ أَيْضًا أَنَّهُ لَمْ يَسْقِ زُهُورَ الحَدِيقَةِ مُنْذُ
أَيَّامٍ؛ فَأَحْضَرَ المِرَشَّ وَسَقَاهَا وَنَظَّفَ الآنِيَةَ وَأَزَالَ مَا
حَوْلَهَا مِنْ حَشَائِشَ صَغِيرَةٍ، ثُمَّ ذَهَبَ وَتَحَسَّسَ النَّجْمَةَ
رُبَّمَا يَتَحَقَّقُ حُلْمُهُ وَلَكِنْ لَمْ يَحْدُثْ شَيْءٌ.
فِي
الْيَوْمِ التَّالِي ذَهَبَ إِلَى مَدْرَسَتِهِ وَشَاهَدَ زَمِيلَتَهُ رِيمَ
حَزِينَةً، فَسَأَلَهَا: مَا بِكِ يَا رِيمُ؟! قَالَتْ رِيمُ: لَمْ أَفْهَمْ
أَمْسِ مَسْأَلَةَ الرِّيَاضِيَّاتِ، لِذَلِكَ لَمْ أَسْتَطِعْ حَلَّ الوَاجِبِ
المَدْرَسِيِّ وَسَيُعَاقِبُنِي المُعَلِّمُ.
فَقَالَ
لَهَا: هَيَّا نَدْرُسْهَا سَوِيًّا ثُمَّ نَحُلُّ الوَاجِبَ. فَابْتَسَمَتْ رِيمُ
وَاخْتَفَتْ مَلَامِحُ الحُزْنِ مِنْ وَجْهِهَا.
وَبَعْدَ
انْتِهَاءِ الْيَوْمِ الدِّرَاسِيِّ لَاحَظَ مالِكٌ غِيَابَ زَمِيلِهِ كَرِيمٍ،
فَسَأَلَ عَنْهُ زُمَلَاءَهُ، فَعَرَفَ أَنَّهُ مَرِيضٌ، فَقَالَ: يَجِبُ أَنْ
أَسْتَأْذِنَ أُمِّي وَأَبِي لِأَزُورَهُ وَأَطْمَئِنَّ عَلَيْهِ، وَأَخَذَ
بَاقَةً مِنَ الوَرْدِ مِنْ حَدِيقَةِ مَنْزِلِهِ، وَذَهَبَ لِزِيَارَتِهِ.
فَسُرَّ
كَرِيمٌ وَفَرِحَ كَثِيرًا، وَتَحَدَّثَا مَعًا حَدِيثًا طَوِيلًا شَيِّقًا، ثُمَّ
وَدَّعَهُ مالِكٌ بَعْدَمَا دَعَا لَهُ بِالشِّفَاءِ الْعَاجِلِ.
وَعِنْدَمَا
عَادَ لِمَنْزِلِهِ ذَهَبَ مُسْرِعًا وَأَمْسَكَ النَّجْمَةَ وَلَكِنْ لَا
فَائِدَةَ.
احْتَارَ
مالِكٌ مَاذَا يَفْعَلُ؟! وَقَالَ لِنَفْسِهِ: يَا تُرَى مَا الْخَيْرُ
الْمُسْتَمِرُّ؟! قَالَ: رُبَّمَا لَمْ يَتَحَقَّقْ حُلْمِي؛ لِأَنَّنِي لَمْ
أَسْتَيْقِظْ لِصَلَاةِ الفَجْرِ أَمْسِ.
وَفِي
عُطْلَةِ نِهَايَةِ الأُسْبُوعِ تَذَكَّرَ أَنَّ الْيَوْمَ سَيَذْهَبُ مَعَ
عَائِلَتِهِ لِزِيَارَةِ جَدَّتِهِ، فَهِيَ دَائِمًا مَا تُحْضِرُ لَهُ الهَدَايَا
وَالحَلْوَى، فَفَكَّرَ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهَا شُكُولَاتَةً بِجَوْزِ الهِنْدِ؛
فَهِيَ تُحِبُّهَا كَثِيرًا.
وَعِنْدَمَا
قَدَّمَهَا لَهَا فَرِحَتِ الجَدَّةُ وَقَبَّلَتْهُ وَدَعَتْ لَهُ بِتَحْقِيقِ
أَحْلَامِهِ، فَخَفَقَ قَلْبُهُ وَشَعَرَ بِأَنَّ حُلْمَهُ كَادَ أَنْ يَتَحَقَّقَ.
وَاسْتَيْقَظَ
مالِكٌ فِي الْيَوْمِ التَّالِي مُتَحَمِّسًا لِلذَّهَابِ إِلَى المَدْرَسَةِ؛
فَقَدْ كَانَ يَوْمَ اجْتِمَاعِ جَمَاعَتِهِ المَدْرَسِيَّةِ الشَّهْرِيِّ،
وَكَانَ عَلَى كُلِّ طَالِبٍ أَنْ يُقَدِّمَ اقْتِرَاحًا لِنَشَاطٍ جَدِيدٍ.
فَقَدَّمَ
مالِكٌ فِكْرَةً لِإِقَامَةِ مَعْرِضٍ شَهْرِيٍّ لِلْمُسْتَلْزَمَاتِ
المُتَنَوِّعَةِ، وَأَنْ يُحْضِرَ كُلُّ طَالِبٍ المَلَابِسَ وَالأَحْذِيَةَ
وَالكُتُبَ وَالأَلْعَابَ الَّتِي لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهَا وَيَتِمُّ تَحْدِيدُ
يَوْمٍ مُعَيَّنٍ ثَابِتٍ لِلْمَعْرِضِ مَثَلًا (الخَمِيسِ الأَوَّلِ مِنْ كُلِّ
شَهْرٍ) وَالإِعْلَانِ عَنْهُ فِي المَنَاطِقِ المُجَاوِرَةِ، وَبَيْعِهَا
بِسِعْرٍ رَمْزِيٍّ لِمَنْ يَحْتَاجُهَا.
فَلَاقَى
اقْتِرَاحُهُ إِعْجَابَ مَسْئُولِ النَّشَاطِ وَشَجَّعَهُ وَصَفَّقَ لَهُ
زُمَلَاؤُهُ عَلَى الفِكْرَةِ الرَّائِعَةِ، وَوَافَقَ الجَمِيعُ عَلَى الفَوْرِ
عَلَى الاقْتِرَاحِ.
شَعَرَ
مالِكٌ بِالرِّضَا وَالسَّعَادَةِ عَمَّا قَدَّمَهُ، وَلَمْ يَعُدْ يَحْتَاجُ
إِلَى الأَلْعَابِ الكَثِيرَةِ، وَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَشَعَرَ بِأَنَّ
النُّجُومَ كُلَّهَا تَنْظُرُ لَهُ وَهِيَ سَعِيدَةٌ. وَمُنْذُ ذَلِكَ اليَوْمِ
لَمْ يُفَكِّرْ مالِكٌ فِي أَمْرِ النَّجْمَةِ.
المصدر: 1
قصة وحكمة: أرنب بري من أجل الشبل
قصة وحكمة: الثعلب وهيبة ملك الغاب
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق