الأربعاء، 29 مايو 2024

• قصة وحكمة: تَصَرَّف كملك تُعامل كملك

ارتقِ في تصرفاتك وسيرى الناس أنك ولِدتَ لتكون ملكاً

في يوليو من عام 1830 اشتَعَلَت في باريس ثورةٌ أَجبَرَت الملك شارل العاشر على التنازل عن العرش، وتَكَوَّنَت لجنةٌ لاختيار من يَخلفه، ووَقَعَ اختيارهم على لويس فيليب دوق أورليانز.

ظَهَرَ من البداية أن لويس فيليب يُشَكِّلُ نوعاً مُختلِفاً من الملوك؛ ليس فقط لأنه من فَرعٍ آخر من العائلة الملكية، أو لأنه حَصَلَ على المُلك من قِبَلِ لجنةٍ وليس بالوراثة مما يُشَكِّكُ في شرعيته. كان السبب في اختلافِ أُسلوبِهِ هو أنه شَخصيّاً لم يكن يُحِبُّ الالتزام بمراسيم وقيودِ المَلَكِيَّة، وكان لَدَيْهِ أصدقاء من المصرفيّين أكثر كثيراً من أصدقائه من النبلاء، ولم يكن يهدفُ إلى وَضْعِ أسلوبٍ جديدٍ للملكية کما فَعَلَ نابليون، بل إلى التَّنازُلِ عن مَكانَتِه مُفَضّلاً الاختلاطَ برجال الأعمال وأبناء الطبقة الوسطى الذين اختاروه مَلِكاً. وهكذا لم يكن الرَّمزُ المُمَثَّل للويس فيليب التاج أو الصولجان بل القبعة والمظلة، وكان يمشي بها متفاخراً في شوارع باريس كأنه بورجوازيٌّ يَتَجَوَّلُ في نُزهة. وحين قامَ لويس فيليب بدعوة جيمس روتشلد أهمّ المصرفيين في فرنسا إلى قصره أَخَذَ يُعامِله کَنَدٍّ له، وعلى عكس الملوكِ من قَبلِه لم يَتَحَرَّج عن الحديث مع روتشلد في المال والأعمال التجارية، بل إنه لم يَتَحَدَّث معه في أي شيءٍ آخر لأنه كان يُحِبُّ المالَ وكان قد جَمَعَ بالفعل ثروةً هائلة.

أَخَذَ الناسُ بمرور الوقت يحتقرون هذا الملك البورجوازي»، ولم يَحتَمِل النبلاءُ ذلك الملك الذي ليس فيه شيءٌ من المَلَكِيَّة، وحتى جموع الفقراء التي أخذت في التزايد والتي أَنهَت على حكمِ شارل العاشر، لم تَرضَ عن هذا الرجل الذي لم يَبْدُ لهم مَلِكاً حقيقياً أو مُصلِحاً حقيقياً، وحتى المصرفيين الذين ظَلَّ لويس يُقَرِّبهم إليه رأوا أنهم هم من يديرون دَفَّةَ البلاد وليس هو، وبدأوا في التَّعامُلِ معه باستهانة، حتى أن روتشلد لم يَتَحَرَّج أن يُعَنِّفه على الملأ لِتَأَخُّره في الوصول عن رحلةٍ كانت مُقَرَّرَةً بالقطار الملكي، أي أن مُعاملةَ المَلِكِ للمصرفيين باعتبارهم أنداداً له جَعَلَت المصرفيين يتعاملون معه وكأنه أقلُّ منهم شأناً.

وأخيراً بدأت تعودُ انتفاضاتُ العُمّال التي أَطاحَت بالمَلِكِ السابق، وقد قَمَعَها لويس فيليب بعنف، ولكن قد نَنْدَهِشُ ونتساءلُ ما الذي كان يدافع عنه لويس بهذه الوحشية؟ من المُؤَكَّد أن السبب لم يكن الإبقاء على المَلَكِيَّة التي طالما احتقرَها، أو من أجل الجمهورية الديمقراطية التي منعها حكمه. وبدا أن ما يدافعُ عنه حقاً هو ثروتُه الشخصية وثروات المصرفيين أصدقائه، وذلك بالطبع لم يكن كافياً لأن يضمن له ولاء المواطنين.

مع بداية عام 1848 بدأَ الناسُ من كل الطبقاتِ في فرنسا في التَّظاهُرِ من أجل إجراءِ إصلاحاتٍ انتخابية تُنشئ في البلاد ديمقراطيةً حقيقية، وفي فبراير تصاعدت المظاهراتُ وتَحَوَّلَت إلى العنف. لكي يهدئ لويس فيليب من غَضَبِ العامة فَصَلَ رئيس وزرائه وَعّيَّنَ مكانه ليبرالياً، إلا أن ذلك قد أَدّى إلى عكس ما أراده الملك، لأن جُموع الشَّعبِ رأتْ أنها قد تُجبِره على المزيد، وبسرعةٍ تَحَوَّلَت المظاهراتُ إلى ثورةٍ حقيقية، وبدأَ القتالُ وَوَضْعِ المتاريس في الشوارع.

يوم 23 فبراير حاصَرت جموعُ الباريسيين القصرَ المَلَكيّ، وفي مفاجأة باغَتَتْ الجميعَ قَرَّرَ لويس فيليب التَّنازلَ عن العرشِ وَفَرَّ إلى أنجلترا دون أن يتركَ خَلَفاً له، أو حتى أن يُرَشِّحَ أحداً، وانْفَضَّتْ حكومتُه وغابَ رجالُها عن الساحة كأنها سيرك مُتجول يغادرُ إحدى المدن.

المصدر: THE 48 LAWS OF POWER, ROBERT GREEN (ترجمة د. هشام الحناوي)

إقرأ أيضاً:

قصة للأطفال: مريم والشاشات

قصة للأطفال: ليلى والغراب والببغاء

قصة للأطفال: قصة ماء زمزم

قصة مشاهير: فنجان قهوة آل معلوف

قصة وعبرة: الطالب الفقير والطائر الراقص

للمزيد             

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق