الجَشَعُ يُفسِدُ النِّعَمِ
فِي سَالِفِ العُصُورِ، وَفِي مَمْلَكَةٍ زَاهِيَةٍ تُدْعَى كَالَابَار، كَانَ هُنَاكَ مَلِكٌ حَكِيمٌ كَرِيمٌ، يَمْلِكُ قَلْبًا نَابِضًا بِالْحِكْمَةِ وَسُلْطَةً لَا تُضَاهَى. وَوَسَطَ أُبَّهَةِ قَصْرِهِ وَجَلَالِ هَيْبَتِهِ، امْتَلَكَ سِرًّا فَرِيدًا يُثِيرُ الدَّهْشَةَ، أَلَا وَهُوَ طَبْلَتُهُ السِّحْرِيَّةُ.
كَانَتْ
تِلْكَ الطَّبْلَةُ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ أَدَاةٍ، بَلْ هِيَ مِفْتَاحُ حَلِّ
الأَزَمَاتِ وَتَهْدِئَةِ الْفِتَنِ، فَإِذَا قُرِعَتْ، انْتَشَرَ عَبِيرُ
السِّحْرِ، وَظَهَرَتْ مَوَائِدُ عَامِرَةٌ بِأَشْهَى الأَطْعِمَةِ وَأَعْذَبِ
الأَشْرِبَةِ. فَتَتَحَوَّلُ الْخُصُومَاتُ إِلَى وِئَامٍ، وَالْحُرُوبُ إِلَى
أَفْرَاحٍ، فَتَجِدُ السَّمَكَ يَسْبَحُ فِي الْحَسَاءِ، وَالْبَطَاطَا تُشْوَى
بِنَكْهَةِ الْعِيدِ، وَنَبِيذُ النَّخِيلِ يَنْسَابُ رَقْرَاقًا.
لَكِنَّ
لِلطَّبْلَةِ سِحْرًا لَهُ قَوَانِينُهُ؛ إِذْ إِنَّ عَلَى الْمَلِكِ أَنْ
يُحَاذِرَ مِنَ الدَّوْسِ عَلَى عَصًا أَوْ شَجَرَةٍ سَاقِطَةٍ، فَلَوْ فَعَلَ،
انْقَلَبَ السِّحْرُ نِقْمَةً، وَظَهَرَ رِجَالٌ غِلَاظٌ يَحْمِلُونَ الْعِصِيَّ وَالسِّيَاطَ
لِيُنْزِلُوا الْعِقَابَ الْمُؤْلِمَ! وَمَعَ ذَلِكَ، كَانَ الْمَلِكُ مُغْتَبِطًا
بِمَمْلَكَتِهِ، يَعِيشُ فِي رَخَاءٍ، تُحِيطُ بِهِ الْعَائِلَةُ وَالأَصْدِقَاءُ،
وَيُغْدِقُ الْخَيْرَ عَلَى شَعْبِهِ.
فِي
كُلِّ مَوْسِمٍ، كَانَ الْمَلِكُ يَدْعُو الْجَمِيعَ إِلَى وَلِيمَةٍ عَظِيمَةٍ،
يُشْرِكُ فِيهَا الْبَشَرَ وَالْحَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةَ عَلَى السَّوَاءِ.
وَلَكِنْ رَغْمَ كَرَمِهِ، لَمْ يَسْمَحْ لِأَحَدٍ بِالاقْتِرَابِ مِنْ طَبْلَتِهِ
السِّحْرِيَّةِ، الَّتِي ظَلَّتْ شِرْيَانَ الْحَيَاةِ فِي مَمْلَكَتِهِ.
وَذَاتَ
يَوْمٍ، بَيْنَمَا كَانَتْ زَوْجَةُ الْمَلِكِ تَغْسِلُ ابْنَتَهَا الصَّغِيرَةَ
فِي نَبْعٍ صَافٍ عَذْبٍ، قَدَّمَتْ إِلَيْهَا حَبَّةَ نَخِيلٍ دُونَ أَنْ
تَعْلَمَ أَنَّهَا تَخُصُّ سُلَحْفَاةً ذَكِيَّةً مَاكِرَةً. وَمَا أَنْ عَلِمَتِ
السُّلَحْفَاةُ بِذَلِكَ، حَتَّى رَأَتِ الْفُرْصَةَ سَانِحَةً لِلْحُصُولِ عَلَى
الطَّبْلَةِ السِّحْرِيَّةِ. فَتَقَدَّمَتْ إِلَى الْمَلِكِ، عَارِضَةً عَلَيْهِ
مَطْلَبَهَا. رَفَضَ الْمَلِكُ تَقْدِيمَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَصَدَّ عَرْضَ
الْقُمَاشِ وَالزُّيُوتِ، حَتَّى أَفْصَحَتِ السُّلَحْفَاةُ عَنْ غَايَتِهَا
وَقَالَتْ: "لَا أُرِيدُ سِوَى الطَّبْلَةِ".
وَبَعْدَ
جَدَلٍ طَوِيلٍ وَضَجِيجٍ أَثْقَلَ كَاهِلَهُ، وَافَقَ الْمَلِكُ، وَلَكِنَّهُ
نَسِيَ أَنْ يُنَبِّهَ السُّلَحْفَاةَ إِلَى قَاعِدَةِ الْعِصِيِّ وَالأَشْجَارِ
الْمُتَسَاقِطَةِ.
عَادَتِ
السُّلَحْفَاةُ إِلَى بَيْتِهَا تَحْمِلُ الطَّبْلَةَ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ،
وَبَدَأَتْ تَضْرِبُهَا، فَتَجَلَّتِ الْوَلَائِمُ أَمَامَهَا كَأَنَّهَا
الأَحْلَامُ. وَلِأَنَّ السَّعَادَةَ تَفِيضُ بِالْكَرَمِ، دَعَتِ السُّلَحْفَاةُ
الْمَدِينَةَ بِأَسْرِهَا إِلَى مَأْدُبَةٍ عَظِيمَةٍ، فَانْبَهَرَ الْجَمِيعُ
بِسَخَاءِ الْوَلِيمَةِ.
وَلَكِنَّ
الأَيَّامَ لَمْ تَلْبَثْ أَنْ جَعَلَتِ السُّلَحْفَاةَ مَغْرُورَةً مَسْرُورَةً،
فَأَدْمَنَتِ الْقَرْعَ وَالإِسْرَافَ، حَتَّى عَادَ بِهَا السُّكْرُ ذَاتَ
لَيْلَةٍ لِتَطَأَ عَصًا سَاقِطَةً. فِي صَبَاحِ الْيَوْمِ التَّالِي، ضَرَبَتِ
الطَّبْلَةَ تَطْلُبُ الطَّعَامَ، فَإِذَا بِرِجَالِ السِّحْرِ يَقْتَحِمُونَ
الْمَكَانَ، حَامِلِينَ سِيَاطَهُمْ، يُنْزِلُونَ الْعِقَابَ عَلَيْهَا وَعَلَى
عَائِلَتِهَا.
اسْتَبَدَّ
بِالسُّلَحْفَاةِ الْغَضَبُ وَالنَّدَمُ، فَقَرَّرَتْ أَنْ تُشَارِكَ الآخَرِينَ
عَوَاقِبَ أَفْعَالِهَا. دَعَتِ الْجَمِيعَ إِلَى وَلِيمَةٍ كُبْرَى، وَعِنْدَمَا
تَجَمَّعُوا، ضَرَبَتِ الطَّبْلَةَ وَاخْتَبَأَتْ. بَدَلًا مِنَ الطَّعَامِ،
ظَهَرَ الرِّجَالُ الْغِلَاظُ، فَانْهَالُوا عَلَى الْجَمِيعِ بِالْعِقَابِ
الْمُوجِعِ.
وَعِنْدَمَا
هَدَأَتِ الْعَاصِفَةُ، أَدْرَكَتِ السُّلَحْفَاةُ فَدَاحَةَ فِعْلَتِهَا،
فَحَمَلَتِ الطَّبْلَةَ عَائِدَةً إِلَى الْمَلِكِ.
تَعَاطَفَ
الْمَلِكُ مَعَ السُّلَحْفَاةِ وَقَرَّرَ أَنْ يُمَنِحَهَا بَدِيلًا. أَعْطَاهَا
شَجَرَةَ فُوفُو سِحْرِيَّةً تَسْقُطُ طَعَامًا يَوْمِيًّا بِشَرْطِ أَنْ يُجْمَعَ
مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَطْ. وَلَكِنَّ أَحَدَ أَبْنَائِهَا، الَّذِي تَمَلَّكَهُ
الْجَشَعُ، خَالَفَ الْوَصِيَّةَ، فَاسْتَوْلَى عَلَى الطَّعَامِ الإِضَافِيِّ.
وَمَا إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ، حَتَّى تَلَاشَى السِّحْرُ، وَاخْتَفَتِ الشَّجَرَةُ.
وَمُنْذُ
ذَلِكَ الْيَوْمِ، عَاشَتِ السُّلَحْفَاةُ وَعَائِلَتُهَا تَحْتَ شَجَرَةِ نَخِيلٍ
شَائِكَةٍ، تُكَابِدُ دُرُوسًا قَاسِيَةً عَنْ الطَّمَعِ وَالْعَوَاقِبِ.
وَهُنَاكَ، تَحْتَ ظِلَالِ تِلْكَ الأَشْجَارِ، لَا تَزَالُ السَّلَاحِفُ تُقِيمُ،
شَاهِدَةً عَلَى حِكَايَةٍ غَابِرَةٍ، تَحْكِي عَنْ حِكْمَةِ الْمَلِكِ وَسِحْرِ
الطَّبْلَةِ وَخَطِيئَةِ الْجَشَعِ.
قصة وحكمة: البراهمي والنمر وابن آوى
قصة للأطفال: رانيا ومصباح الأمل
قصة وحكمة: صائد الطيور والطائر الأسود
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق