مَنْ أَهْمَلَ القَلِيلَ، خَسِرَ الكَثِيرَ
كانَ يا ما كانَ في سالِفِ الأزمانِ، تاجِرٌ بارِعٌ اعتادَ التَّجوّالَ بينَ الأسْواقِ والمَعارِضِ، يَعْرِضُ بِضاعَتَهُ ويعودُ بأرْباحٍ وَفِيرَةٍ. في أحَدِ الأيَّامِ، شَدَّ رِحالَهُ إلى مَعْرِضٍ كَبيرٍ يَعِجُّ بالبَاعَةِ والمُشْتَرِينَ، وهُناكَ باعَ كُلَّ ما حَمَلَتْهُ عَرَبَتُهُ من بَضائِعَ.
وفي
نِهايَةِ اليَوْمِ، جَلَسَ يَعُدُّ أرْباحَهُ، فإذا هي أَكْوامٌ منَ العُملاتِ
الذَّهَبِيَّةِ والفِضِّيَّةِ تَمْلَأُ حَقيبَتَهُ. اِمْتَلَأَ قَلْبُهُ فَرَحًا،
وقَرَّرَ العَوْدَةَ إلى دِيارِهِ لَيْلًا، حَيْثُ يَنْتَظِرُهُ أَهْلُهُ
وراحَتُهُ.
اِمْتَطى
حِصانَهُ، وقَد عَلَّقَ الحَقيبَةَ الثَّقِيلَةَ على ظَهْرِهِ، وبدأَ رِحْلَتَهُ
تحتَ شَمْسِ الغُروبِ المُتَوَهِّجَةِ. وعِندَما اَقْتَرَبَ مِنْ بَلْدَةٍ
صَغِيرَةٍ، تَوَقَّفَ لِيَسْتَريحَ، فإذا بأَحَدِ الرِّجالِ يُنَبِّهُهُ قائِلًا:
"يا سيِّدِي، قد فَقَدَتْ إِحْدى حَدَواتِ
حِصانِكَ مِسْمارًا!"
أَلْقَى التَّاجِرُ نَظْرَةً عابِرَةً على الحَدْوَةِ
وأَجابَ بِثِقَةٍ:
"لا ضَيْرَ، الطَّرِيقُ إلى الدِّيارِ
قَرِيبٌ، والمِسْمارُ المَفْقُودُ لَنْ يُثْقِلَ كَاهِلَ الحِصانِ. أنا على عَجَلٍ
ولا وَقْتَ لي لإِصْلاحِهِ."
عادَ
إلى رِحْلَتِهِ، يَسِيرُ بِثِقَةٍ وتَكادُ أَرْباحُهُ تُسابِقُ خُطُواتِهِ.
وعِندَما تَوَقَّفَ مَرَّةً أُخْرَى لإِراحَةِ الحِصانِ، أَتى رَجُلٌ آخَرُ
مُحَذِّرًا:
"سيِّدِي، قد سَقَطَتِ الحَدْوَةُ
بِأَكْمَلِها مِنْ قَدَمِ الحِصانِ. أَلَنْ تَأْمُرَ بِأَخْذِ الحِصانِ إلى
الحَدَّادِ لإِصْلاحِ الأَمْرِ؟"
ولكِنْ، كالعادةِ، أَجابَهُ التَّاجِرُ بِتَسَرُّعٍ:
"لا بَأْسَ، تَبَقَّى القَلِيلُ مِنَ
الطَّرِيقِ، وحِصانِي قَوِيٌّ سَيَحْتَمِلُ المَشَقَّةَ. أنا في عَجَلَةٍ مِنْ
أَمْرِي."
اِسْتَأْنَفَ
السَّيْرَ، ولَكِنَّ الحِصانَ بَدَأَ يَعْرِجُ، وقَدْ أَثْقَلَتْهُ الحَقيبَةُ
الثَّقِيلَةُ والمَسافَةُ التي قَطَعَها دُونَ حَدْوَةٍ. وما هِيَ إِلا لَحَظاتٍ
حَتَّى تَعَثَّرَ الحِصانُ وسَقَطَ أَرْضًا، مُصابًا بِساقِهِ. ارْتَبَكَ
التَّاجِرُ واغْتَمَّ، فها هوَ الآنَ بِلا حِصانٍ، وحَقيبَتُهُ التي كانَتْ
مَصْدَرَ فَرَحِهِ صارَتْ عِبْئًا ثَقِيلًا على كَتِفَيْهِ. اضْطُرَّ لِحَمْلِها
بِنَفْسِهِ، يَجُرُّ قَدَمَيْهِ بِتَثاقُلٍ، حَتَّى وَصَلَ إلى دارِهِ
مُتَأَخِّرًا مُرْهَقًا، وقد أَكَلَ النَّدَمُ قَلْبَهُ.
وأَثْناءَ
سَيْرِهِ الطَّوِيلِ، كانَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِأَسَفٍ:
"آهْ، لَوْ أَنَّنِي أَصْلَحْتُ المِسْمارَ
في حِينِهِ، لَما تَكَبَّدْتُ هذِهِ المَشَقَّةَ، ولَما أَصابَ حِصانِي هذا الأَذَى.
مِسْمارٌ واحِدٌ صَغِيرٌ، جَرَّ عَلَيَّ مِنَ الخَسائِرِ عَظِيمٌ."
وهكذا،
باتَتْ حِكايتُهُ دَرْسًا يَتَناقَلُهُ النّاسُ:
"مَنْ أَهْمَلَ القَلِيلَ، خَسِرَ
الكَثِيرَ."
قصة للأطفال: ذات الرداء الأحمر
قصة أسطورة: الصراع مع أقدار الآلهة
قصة وحكمة: الصَّيّاد وحطّاب الغابة
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق