الجمعة، 13 سبتمبر 2024

• قصة وحكمة: الثعلب وهيبة ملك الغاب


جُرأَةٌ

في غابِرِ الأَزْمَانِ، حَيْثُ كَانَتِ الغَابَةُ مَسْرَحًا لِأَعَاجِيبِ الطَّبِيعَةِ وَأَسْرَارِهَا، رَأَى الثَّعْلَبُ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ مَلِكَ الوُحُوشِ، الأَسَدَ الجَبَّارَ. ارْتَعَدَتْ فَرَائِصُهُ وَارْتَعَشَتْ أَوْصَالُهُ، فَانْسَابَ بَيْنَ الأَشْجَارِ كَمَنْ يَفِرُّ مِنْ قَبْضَةِ المَوْتِ، وَتَوَارَى فِي مَكَامِنِ الغَابَةِ وَكَأَنَّ الأَرْضَ تُرِيدُ ابْتِلَاعَهُ رَهْبَةً.

ثُمَّ مَضَتِ الأَيَّامُ، وَحَلَّ اللِّقَاءُ الثَّانِي. وَلَكِنَّ هَذِهِ المَرَّةَ، لَمْ يَكُنِ الثَّعْلَبُ بِذَاتِ الهَلَعِ الَّذِي سَكَنَهُ فِي المَرَّةِ الأُولَى، بَلِ اقْتَرَبَ مِنَ الأَسَدِ بِحَذَرٍ يَلِيقُ بِالحَكِيمِ، وَوَقَفَ عَلَى بُعْدٍ يُؤَمِّنُ لَهُ السَّلَامَةَ، مُرَاقِبًا الأَسَدَ وَهُوَ يَسِيرُ فِي جَلَالٍ وَهَيْبَةٍ. كَانَتْ عَيْنَاهُ تَلْتَقِطَانِ كُلَّ حَرَكَةٍ، وَكُلَّ زَئِيرٍ كَأَنَّهُ جُزْءٌ مِنَ النَّسِيجِ الَّذِي يَحُوكُ هَيْبَةَ المَلِكِ.

ثُمَّ أَتَى اللِّقَاءُ الثَّالِثُ، لِقَاءٌ انْقَلَبَ فِيهِ الحَالُ وَتَبَدَّلَتِ الأَحْوَالُ. تَقَدَّمَ الثَّعْلَبُ بِجُرْأَةٍ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهَا فِي نَفْسِهِ، كَأَنَّهُ يَقْتَرِبُ مِنْ صَدِيقٍ قَدِيمٍ. دَخَلَ فِي حَضْرَةِ الأَسَدِ دُونَ وَجَلٍ، وَدَارَ بَيْنَهُمَا حَدِيثٌ كَأَنَّمَا يَعْرِفَانِ بَعْضَهُمَا مُنْذُ أَزْمَانٍ. قَضَى الثَّعْلَبُ يَوْمَهُ بِجِوَارِ المَلِكِ، يَسْأَلُهُ عَنْ حَالِ عَائِلَتِهِ، وَيَتَحَدَّثُ مَعَهُ بِأَرْيَحِيَّةٍ وَكَأَنَّهُمَا نِدَّانِ. كَانَ السُّؤَالُ عَنِ الأُسْرَةِ يَأْتِي مِنَ الثَّعْلَبِ كَمَا يَأْتِي مِنْ خَبِيرٍ بِدَوَاخِلِ الحَيَاةِ المَلَكِيَّةِ، وَكَأَنَّ المَسَافَةَ بَيْنَهُمَا قَدْ تَلَاشَتْ عَبْرَ الزَّمَنِ.

ثُمَّ، وَكَأَنَّ الحَدِيثَ قَدْ بَلَغَ مُنْتَهَاهُ، أَدَارَ الثَّعْلَبُ ذَيْلَهُ وَمَضَى، دُونَمَا تَكَلُّفٍ أَوْ تَكْرِيمٍ زَائِدٍ. لَقَدْ صَارَ الأَسَدُ فِي عَيْنَيْهِ مَخْلُوقًا مَأْلُوفًا، فَلَمْ يَعُدْ هُنَاكَ خَوْفٌ يُبَرِّرُ الفِرَارَ، وَلَا هَيْبَةٌ تَسْتَدْعِي الرَّهْبَةَ.

وَهَكَذَا، صَارَ الثَّعْلَبُ الَّذِي كَانَ يَخْشَى رُؤْيَةَ المَلِكِ، يَتَطَلَّعُ إِلَى لِقَائِهِ، بِلَا خَوْفٍ وَلَا احْتِرَازٍ، كَأَنَّمَا الأَيَّامُ عَلَّمَتْهُ أَنَّ الخَوْفَ مِنَ المَجْهُولِ يَتَلَاشَى بِالاقْتِرَابِ مِنْهُ، وَأَنَّ الجُرْأَةَ تُكْسِبُ صَاحِبَهَا مَا لَا تُكْسِبُهُ العُيُونُ المُرْتَعِدَةُ.

 إقرأ أيضاً:

قصة سياسية: لقاء الأشقاء بعد نصف قرن في كوريا

قصة وحكمة: فأر الريف وفأر المدينة

قصة وحكمة: صراع بين الريح والشمس

قصة للأطفال: عبدوس وحبات الفاصوليا

قصة للأطفال: الشَّمس والسَّمك

للمزيد            

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً 

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق