ادِّعاء
فِي زَمَنٍ بَعِيدٍ، وَبَيْنَ غَابَاتٍ كَثِيفَةِ الأَشْجَارِ وَوِدْيَانٍ مُلْتَفَّةِ الأَرْكَانِ، كَانَ الثَّعْلَبُ يَمْشِي مُخْتَالًا بِفِطْنَتِهِ، مُفَاخِرًا بِعَقْلِهِ الخَبِيثِ، مُسْرِفًا فِي الإِعْجَابِ بِحِيَلِهِ الكَثِيرَةِ وَوَسَائِلِهِ اللَّامَحْدُودَةِ لِلْفِرَارِ مِنْ أَعْدَائِهِ. وَقَدْ صَادَفَ فِي طَرِيقِهِ قِطَّةً وَدِيعَةً، فَخَاطَبَهَا مُتَبَاهِيًا قَائِلًا:
"أَيَّتُهَا
القِطَّةُ، إِنَّنِي أَمْلِكُ مِنَ الحِيَلِ مِائَةَ وَسِيلَةٍ، أَهْرُبُ بِهَا
مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَأَتَجَاوَزُ بِهَا كُلَّ خَطَرٍ دَاهِمٍ، وَمَا مِنْ
عَدُوٍّ يَقْتَرِبُ مِنِّي إِلَّا وَأَجِدُ لَهُ الحِيلَةَ الَّتِي تَقْهَرُهُ
وَتُبْعِدُهُ."
فَأَجَابَتْهُ
القِطَّةُ بِصَوْتٍ خَفِيضٍ وَحِكْمَةٍ ظَاهِرَةٍ: "أَمَّا أَنَا، فَلَا
أَمْلِكُ سِوَى حِيلَةٍ وَاحِدَةٍ، غَيْرَ أَنَّهَا تُغْنِينِي وَتَكْفِينِي،
وَتَكُونُ لِي مَلَاذًا فِي كُلِّ حِينٍ وَكُلِّ آنٍ."
وَمَا
أَنْ نَطَقَتِ القِطَّةُ بِكَلِمَاتِهَا، حَتَّى بَاغَتَهُمَا صَوْتُ نُبَاحِ
كِلَابِ الصَّيْدِ القَوِيَّةِ، قَادِمَةً نَحْوَهُمَا بِقُوَّةٍ لَا تَعْرِفُ
الرَّحْمَةَ، تَهْدِرُ كَأَنَّهَا إِعْصَارٌ مُدَمِّرٌ، تَحْمِلُ مَعَهَا المَوْتَ
أَوِ الفَنَاءَ. عِنْدَهَا لَمْ تَتَرَدَّدِ القِطَّةُ لَحْظَةً، فَانْدَفَعَتْ
كَالسَّهْمِ نَحْوَ شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ، تَسَلَّقَتْ جِذْعَهَا بِخِفَّةٍ حَتَّى
اخْتَبَأَتْ بَيْنَ أَغْصَانِهَا العَالِيَةِ، ثُمَّ نَظَرَتْ إِلَى الثَّعْلَبِ
مِنْ عَلٍ، وَقَالَتْ لَهُ بِهُدُوءِ الوَاثِقَةِ: "هَذِهِ هِيَ حِيلَتِي،
فَأَيْنَ حِيَلُكَ الكَثِيرَةُ؟"
وَقَفَ
الثَّعْلَبُ فِي مَوْضِعِهِ، وَقَدْ أَصَابَهُ الاضْطِرَابُ، وَأَخَذَ يَجُولُ
بِفِكْرِهِ بَيْنَ حِيَلِهِ الْمَائَةِ. أَرَادَ أَنْ يُنَفِّذَ حِيلَةً تِلْوَ
الأُخْرَى، لَكِنَّ عَقْلَهُ المُتَشَتِّتَ لَمْ يُسْعِفْهُ، وَالحَيْرَةُ تَغَلْغَلَتْ
فِي قَلْبِهِ، فَمَا اسْتَطَاعَ إِلَى الفِرَارِ سَبِيلًا. وَبَيْنَمَا هُوَ
يَتَخَبَّطُ فِي أَفْكَارِهِ، كَانَتِ الكِلَابُ تَقْتَرِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا،
حَتَّى صَارَ صَوْتُ أَنْفَاسِهَا الحَادَّةِ يَكَادُ يُلَامِسُ أُذُنَيْهِ، وَمَا
هِيَ إِلَّا لَحَظَاتٍ حَتَّى أَحْكَمَتْ قَبْضَتَهَا عَلَيْهِ، فَصَارَ صَيْدًا
سَهْلًا فِي أَيْدِي الصَّيَّادِينَ الَّذِينَ أَمْسَكُوا بِهِ دُونَ رَحْمَةٍ،
وَقَيَّدُوهُ بِإِحْكَامٍ، لِيَسُوقُوهُ أَسِيرًا بِلَا فُرْصَةٍ لِفِرَارٍ أَوْ
خَلَاصٍ.
أَمَّا
القِطَّةُ، فَقَدْ نَظَرَتْ مِنْ أَعَالِي الشَّجَرَةِ إِلَى مَا آلَ إِلَيْهِ
حَالُ الثَّعْلَبِ، وَأَطْلَقَتْ حِكْمَةً جَرَتْ مَجْرَى الأَمْثَالِ، وَقَالَتْ:
"إِنَّ حِيلَةً وَاحِدَةً مَأْمُونَةً، خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ حِيلَةٍ لَا
يُعَوَّلُ عَلَيْهَا وَلَا تَنْفَعُ سَاعَةَ الشِّدَّةِ."
قصة سياسية: لقاء الأشقاء بعد نصف قرن في كوريا
قصة وحكمة: فأر الريف وفأر المدينة
قصة وحكمة: صراع بين الريح والشمس
قصة للأطفال: عبدوس وحبات الفاصوليا
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق