قصة وحكاية: • قصة وحكمة: المرأةُ ذاتُ الجلدين

الخميس، 5 ديسمبر 2024

• قصة وحكمة: المرأةُ ذاتُ الجلدين

الجمالُ جوهرٌ لا مظهر

كانَ يا ما كانَ في قديمِ الزمانِ، في أرضٍ تزيَّنَتْ بالبساطةِ وتكلَّلَتْ بالقصصِ الموشَّاةِ بالعِبَرِ، قريةٌ في قلبِ نيجيريا، شهِدَتْ من الأحداثِ ما يُثيرُ الدهشةَ ويُحرِّكُ القلوبَ. في تلكَ القريةِ، عاشَتْ امرأةٌ ذاتُ هيئةٍ عجيبةٍ، سَمَّوها "ذاتَ الجلدينِ". كانتْ في ظاهرِها تحمِلُ قُبْحًا نَفَرَتْ منهُ العيونُ، وتوجَّسَتْ منهُ النفوسُ، فنبذَها أهلُ قريتِها وعاملوها بجفاءٍ وقسوةٍ، حتى باتتْ تسيرُ بينهم كالغريبةِ في ديارِها.

ولكنْ، أيُّها السامعُ الكريمُ، لا تَخدَعْنَّكَ العيونُ ولا يُغوِيْكَ ظاهرُ الأشياءِ؛ ففي قلبِ تلكَ المرأةِ التي أُلبِسَتْ ثوبَ القُبْحِ، كانتْ تَسكنُ روحٌ جميلةٌ، وعقلٌ يتَّقدُ ذكاءً، وقلبٌ يفيضُ طِيبَةً. ولكنَّها، بما أُوتيَتْ من حِكمةٍ، أخفَتْ جمالَها الحقيقيَّ خلفَ جلدِها الذي يُثيرُ النفورَ، واختارتِ الصَّمتَ على أنْ تكشِفَ سرَّها لِمَنْ لا يعرِفونَ الإنصافَ.

وذاتَ يومٍ، كما يُقالُ في الأخبارِ العجيبةِ، حَلَّ بقريةِ تلكَ المرأةِ مَلِكٌ شابٌّ وسيمٌ، عدلُهُ يُنيرُ الآفاقَ، وطيبةُ قلبِهِ تُغني عنِ المديحِ. كانَ هذا الملكُ ينظُرُ بعينٍ تَرى ما وراءَ الحُجُبِ، وتقرَأُ في الوجوهِ ما لا يُقالُ. وبينما هوَ يتفقدُ أحوالَ القريةِ، وقعَتْ عيناهُ على تلكَ المرأةِ التي هجرَها أهلُها، وأحاطتْها الوحدةُ كإحاطةِ الليلِ بالنجومِ.

اقتربَ منها الملكُ، لا لينظُرَ إلى جلدِها القبيحِ كما يفعَلُ الآخرونَ، بل ليستمعَ إلى ما تُخبئُهُ خلفَ تلكَ القشرةِ المُنفِّرةِ. أَسَرَهُ حديثُها ورزانةُ عقلِها، وأيقَنَ أنَّهُ قدْ وجدَ في هذهِ المرأةِ شيئًا أندرَ منَ الجواهرِ وأثمنَ منَ الذهبِ. أعلنَ في القومِ أنَّهُ يُريدُها زوجةً لهُ، فمَاجَتِ القريةُ بالدَّهشةِ، واختلطَتْ فيها الأصواتُ بينَ مُستنكِرٍ وساخرٍ، وبعضُهمْ هَمَسَ أنَّ المَلِكَ قدْ أصابَهُ السِّحرُ.

وجاءَ يومُ الزفافِ، يومٌ لمْ يَشهَدِ القومُ مثلَهُ، فكيفَ لِمَلِكٍ وسيمٍ أنْ يتزوَّجَ امرأةً لا تَرَى فيها العيونُ إلَّا قُبْحًا؟! ومعَ ذلكَ، أُقيمَ العُرسُ في قصرِ المَلِكِ، وعادَتِ الفرحةُ إلى قلبِ المرأةِ الذي اعتادَ الجفاءَ. وفي ليلةِ الزفافِ، حينَ خلا الملكُ بعروسِهِ، هَمَسَتْ لهُ بِسرِّها الذي كانَ كالجوهرةِ المُخبَّأةِ. نَزَعَتْ جلدَها القبيحَ، فإذا بها أجملُ امرأةٍ أراها الزمانُ، كأنَّها قمرٌ أطلَّ منْ خلفِ سحابةٍ كثيفةٍ.

انبهرَ المَلِكُ بجمالِها، ولكنَّ أعظمَ ما أَسَرَهُ كانَ حِكمةَ قلبِها وصِدقَ روحِها. وقالَ لها: "إنَّما أحببتُكِ لِما أنتِ عليهِ من عقلٍ وقلبٍ، أمَّا الجمالُ فهوَ هِبَةٌ فوقَ هِباتِكِ".

وفي الصباحِ، عادَ الملكُ إلى قريتِه بصحبةِ ملكتِهِ التي أبهرتِ الجميعَ بحُسنِها. دُهِشَ القومُ، وغلبَتْهمُ الحيرةُ والنَّدمُ؛ كيفَ أساءوا إلى مَنْ كانتْ في جوهرِها خيرًا منهمْ جميعًا؟ أدركوا حينَها أنَّ ما كانَ قُبْحًا في أعينِهم لمْ يكنْ سوى حجابٍ أعمى بصائرَهمْ عنْ رؤيةِ الحقيقةِ.

ومنذُ ذلكَ الحينِ، صارَتْ تلكَ القصةُ حديثَ القريةِ وما حولَها، وعبرةً تُروى لكلِّ مَنْ غَرَّتْهمُ المظاهرُ وأعمتْهمْ عنْ جوهرِ النفوسِ. وأدركَ القومُ، وقدْ فاتَ الأوانُ، أنَّ الكنزَ الحقيقيَّ ليسَ في المظهرِ، بلْ في القلبِ الذي يعرِفُ الحُبَّ والعقلِ الذي يَنشُرُ النورَ.

إقرأ أيضاً:

قصة للأطفال: عرس القطط

قصة للأطفال: الثعبان والنمر والقرد

قصة وحكمة: حصان الحرب والطحان الحكيم

قصة وعبرة: خلف الشاشة

قصة وحكمة: القلادة المسروقة

للمزيد

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب