قصة وحكاية: • قصة وحكمة: طبيب القمر: التأثير على الأرواح قبل الأجساد

الخميس، 5 ديسمبر 2024

• قصة وحكمة: طبيب القمر: التأثير على الأرواح قبل الأجساد

الإيحاء أقوى من العلاج

في أوائل الثمانينيات من القرن الثامن عشر، كانت برلين في حالة ذهول بعد أن انتشرت الأخبار عن أسلوب علاج غير تقليدي أطلق عليه البعض "طب القمر"، كان يطبقه رجل غريب الأطوار يدعى الدكتور فايسلدر.

هذا الرجل، الذي حَوّل قاعةً قديمة كانت تستخدم مصنعًا للخمور إلى مشفى، جذب انتباه كل من كان يعاني من الأمراض المستعصية التي عجز الطب التقليدي عن علاجها. كان المرضى، من العميان والمسنين وغيرهم من ذوي الأمراض المزمنة، يتجمعون في طوابير طويلة أمام مشفاه، مترقبين لحظة شفاءهم الموعودة.

سرعان ما تَفَشّى خبر علاج فايسلدر الغريب في أرجاء المدينة، فقد قيل إنه يستخدم ضوء القمر، ذلك النور الباهت الذي يتسلل من نافذة قديمة لتوجيهه نحو المرضى، كأداة للشفاء. هذا الأمر جعل الناس يطلقون عليه لقب "طبيب القمر"، وفي عام 1783، انتشر خبر أكثر إثارة، فقد نجح فايسلدر في شفاء امرأة ميسورة من مرضٍ عضال، فازدادت شهرته بشكل مذهل.

قبل هذا الحدث، كان المشهد أمام مشفى الطبيب محصورًا بالفقراء، بأسمالهم الممزقة، لكن الحال اختلف الآن. بدأت طبقات المجتمع الراقية في التوافد على المشفى، يحملون أمراضًا بسيطة، أو حتى لمجرد الفضول، بل وبدأوا في اصطفاف طويل في انتظار لحظة العلاج، وتوافدوا إلى هناك قرب غروب الشمس، وقت ما كان القمر على وشك أن يظهر في السماء. كان الفقراء يشرحون للسادة كيف أن الطبيب لا يبدأ العلاج إلا عندما يبدأ القمر في الصعود نحو اكتماله، وكيف أن سنا القمر يحمل قوة شفائية عظيمة.

أما داخل المشفى، فكان المشهد نفسه مثيرًا للإعجاب. كانت القاعة ممتلئة بمختلف الطبقات والأعراق، كأنها برج بابل يعيد بعث نفسه في تلك اللحظات. كانت أشعة القمر تتسلل عبر نوافذ عالية، بينما كان المرضى يهمسون عن شفاء العميان وهم يقتربون من السلم المؤدي إلى الطابق العلوي، حيث يُمارس العلاج. وعندما يصل المرضى أخيرًا، يختارون الاتجاه الذي يذهبون إليه، إما غرفة الطبيب في الشمال، أو غرفة زوجته في الجنوب. كان مشهد العلاج يشترك فيه الزوجان، وكأنهما معًا يسخّران قوى القمر، إذ لا يمكن أن يظهر القمر في جهتين مختلفتين في وقت واحد. ومع ذلك، كان المرضى يتعاطون مع العلاج وكأنهم تلقوا بركة الشفاء من يديّ الطبيبين.

وكان الطبيب، الذي بدا مسنًا ولكن مليئًا بالحيوية، يتخذ من القمر مصدرًا للقوة التي كانت تُشع من داخله، فيضع يده على مكان الإصابة ثم يعرضه لضوء القمر، وهو ينطق بكلمات غير مفهومة، وكأنه يتواصل مع قوة لا يراها سواه. كانت زوجته تفعل الشيء نفسه مع النساء، وكانت تؤكد أن القمر وحده كان يكفي للشفاء، فقد كان مجرد التفكير فيه كفيلًا بتفعيل مفعوله العلاجي.

ربما كان الدكتور فايسلدر جاهلًا تمامًا بعلم الطب التقليدي، لكنه كان يمتلك فهماً عميقًا للطبيعة البشرية. فقد فهم أن الناس لا يبحثون دائمًا عن الأدلة العلمية القاطعة أو التجارب الملموسة، بل إنهم يحتاجون إلى من يمس مشاعرهم ويثير خيالهم. كان فايسلدر يدرك أن تأثير الانطباعات لا يُقاس بالقوة العلمية، بل بما تثيره من مشاعر وأفكار غير مرئية. لقد قدّم لهم القمر كمصدر للشفاء، وربط نفسه بمصدر رمزي كان يُحيي لدى الناس آمالهم وأحلامهم منذ العصور القديمة.

فايسلدر لم يكن بحاجة إلى أدوية أو معدات معقدة، بل اكتفى بكلمات غير مفهومة، وضوء القمر الذي كان في حد ذاته رمزًا للعلاج. والفضل في نجاحه كان يعود إلى قدرته على الإبهار والإيحاء أكثر من أي مهارة طبية حقيقية. لقد فهم ببراعة أن البساطة تعزز السحر، وأن شفاء الجسم قد يبدأ بتأثيرات غير مرئية، بمجرد أن يتسلل الضوء إلى الروح.

إن تأثير فايسلدر على المرضى كان بمثابة درس في كيفية توجيه الانتباه بعيدًا عن المنطق التقليدي إلى الأساطير التي تلامس القلوب. كان يحاكي سحرًا قديمًا، حين يُظهِر للناس كيف أن الخيال والتأثير النفسي يمكن أن يُحدثان تحولًا في أجسادهم. هو لم يُعالج المرضى؛ بل قدّم لهم أملًا وحلمًا يتناغم مع رغباتهم العميقة، وحين أمسكوا بذلك الحلم، كان الشفاء مجرد نتيجة لتفاعل تلك القوى الداخلية.

المصدر: THE 48 LAWS OF POWER, ROBERT GREEN

إقرأ أيضاً:

قصة للأطفال: عرس القطط

قصة للأطفال: الثعبان والنمر والقرد

قصة وحكمة: حصان الحرب والطحان الحكيم

قصة وعبرة: خلف الشاشة

قصة وحكمة: القلادة المسروقة

للمزيد

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2