سوء الظن يُفسد النوايا
فِي قَرْيَةٍ تَرْفُلُ بِثَوْبِ الشَّمْسِ الذَّهَبِيِّ، وَتُعَانِقُهَا النَّسَائِمُ الرَّقِيقَةُ، عَاشَ بُسْتَانِيٌّ وَدِيعٌ مَعَ كَلْبٍ وَفِيٍّ. كَانَ الكَلْبُ يُطَارِدُ فِي حَدِيقَةِ البُسْتَانِي أَسْرَابَ الفَرَاشَاتِ، وَيَمْرَحُ بَيْنَ الأَزْهَارِ، وَيُلَاحِقُ الطُّيُورَ، أَوْ يَلْهُو بِذَيْلِهِ فِي نَهَمٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ حَدٌّ.
وَفِي
ذَاتِ يَوْمٍ مُشْمِسٍ، طَارَدَ الكَلْبُ فَرَاشَةً تَرْفُرِفُ بِأَجْنِحَةٍ
كَأَنَّهَا تُزْهِرُ أَلْوَانًا زَاهِيَةً. رَكَضَ خَلْفَهَا بِعَيْنَيْنِ
يَلْمَعُ فِيهِمَا البَرِيقُ، لَكِنَّ الأَرْضَ خَانَتْهُ، فَانْزَلَقَتْ
قَوَائِمُهُ وَسَقَطَ فِي بِئْرٍ عَمِيقَةٍ، أَظْلَمَتْ فِيهَا السَّمَاءُ،
وَحَلَّ مَحَلَّ الطُّمَأْنِينَةِ رَجْعُ الصَّدَى المُخِيفُ.
اِفْتَقَدَ
البُسْتَانِيُّ رَفِيقَهُ الصَّغِيرَ، فَهَامَ فِي أَرْجَاءِ الحَدِيقَةِ بَاحِثًا
عَنْهُ بِعَيْنٍ شَغُوفَةٍ وَقَلْبٍ مُضْطَرِبٍ. وَفَجْأَةً، تَنَاهَى إِلَى
مَسَامِعِهِ أَنِينٌ وَاهِنٌ يَنْدُبُ الحَظَّ العَاثِرَ. فَأَسْرَعَ
البُسْتَانِيُّ إِلَى مَصْدَرِ الصَّوْتِ، وَمَا إِنْ أَطَلَّ عَلَى البِئْرِ
حَتَّى رَأَى كَلْبَهُ يَتَخَبَّطُ فِي ظُلُمَاتِ المَاءِ البَارِدَةِ.
أَيْقَظَتِ
الرَّحْمَةُ قَلْبَهُ، وَدَبَّتْ فِي رُوحِهِ النَّخْوَةُ، فَشَمَّرَ عَنْ
سَاعِدَيْهِ، وَجَعَلَ مِنْ ذِرَاعِهِ قَنْطَرَةً لِلنَّجَاةِ، وَمَدَّ يَدَهُ،
وَقَدْ لَفَّهَا الأَمَلُ، وَأَرَادَ انْتِشَالَ صَدِيقِهِ مِنْ بَرَاثِنِ
الهَلَاكِ.
لَكِنَّ
الخَوْفَ، إِذَا مَلَكَ القَلْبَ أَعْمَى البَصَرَ وَالبَصِيرَةَ، فَظَنَّ
الكَلْبُ المِسْكِينُ أَنَّ يَدَ مَوْلَاهُ تَهْوِي بِهِ نَحْوَ قَرَارٍ مُوحِشٍ،
لَا يُنْجِيهِ مِنْهُ سِوَى أَنِيَابٍ غَرَسَتْهَا الرَّهْبَةُ. عَضَّ اليَدَ
الَّتِي امْتَدَّتْ لَهُ بِالعَطَاءِ، وَلَمْ يُدْرِكْ أَنَّ الرَّحْمَةَ كَانَتْ
تُظَلِّلُهُ، وَأَنَّ الإِنْقَاذَ قَدْ جَاءَهُ مُعَانِقًا.
تَأَلَّمَ
البُسْتَانِيُّ، وَتَأَوَّهَتْ نَفْسُهُ، لَيْسَ مِنْ أَلَمِ العَضَّةِ وَحْدَهَا،
بَلْ مِنْ غَدْرِ الظُّنُونِ وَجُحُودِ الصُّحْبَةِ. سَحَبَ يَدَهُ، وَالخُذْلَانُ
قَدْ أَطْفَأَ فِي عَيْنَيْهِ وَهْجَ الإِخْلَاصِ. نَظَرَ إِلَى كَلْبِهِ، فَقَالَ
فِي نَفْسِهِ: "أَتْرُكُكَ لِقَدَرٍ أَعْمَى، فَلَعَلَّ الظَّلَامَ
يُعَلِّمُكَ مَا لَمْ تُدْرِكْهُ فِي ضَوْءِ الشَّمْسِ".
خَطَا
البُسْتَانِيُّ بَعِيدًا، يَلُفُّهُ الصَّمْتُ كَالكَفَنِ، وَتَرَكَ خَلْفَهُ
الكَلْبَ يَتَخَبَّطُ فِي قَاعٍ جَلِيدِيٍّ، يُحَاوِلُ أَنْ يَجِدَ مَخْرَجًا مِنْ
ظُلُمَاتٍ لَمْ يَصْنَعْهَا البِئْرُ، بَلْ أَوْهَامُهُ الَّتِي أَغْلَقَتْ
عَلَيْهِ كُلَّ طَرِيقٍ لِلنَّجَاةِ.
هَكَذَا
تَنْقَلِبُ النَّوَايَا الصَّافِيَةُ، حِينَ يُفْسِدُهَا سُوءُ الظَّنِّ،
وَتَتَحَوَّلُ يَدُ العَوْنِ إِلَى أَدَاةِ إِيذَاءٍ، حِينَ يَغْلِبُ الخَوْفُ
عَلَى العَقْلِ، وَيَطْمِسُ الحَقَائِقَ بِنُورِهِ الكَاذِبِ.
قصة وحكمة: الصياد والغفلة.. الجوهرة الضائعة
قصة وحكمة: طبيب القمر.. التأثيرعلى الأرواح قبل الأجساد
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق